أطلقت الحكومة المصرية مشروعاً علمياً منذ أيام للتعرف على الجينوم المرجعي لسكان البلاد، وأعلنت أنه المشروع العلمي الأكبر في تاريخ مصر الحديثة بتكلفة تصل إلى ملياري جنيه (127.5 مليون دولار أميركي)، في شراكة بين وزارات التعليم العالي والصحة والدفاع والاتصالات، بالإضافة إلى 15 جامعة ومركزاً بحثياً ومؤسسات المجتمع المدني. ويعني الجينوم المرجعي تأسيس قاعدة بيانات لمجموعة الجينات الموجودة في شعب ما أو أفراد جماعة عرقية معينة من خلال جمع تسلسل الحمض النووي بواسطة العلماء.
أهمية المشروع
ترجع أهمية المشروع إلى أنه يعد خريطة جينية للمصريين، في ظل اعتماد الطب الحديث على ما يعرف بالطب الدقيق أو الطب الشخصي، الذي يعتمد على تقسيم المرضى وفقاً للعوامل الوراثية، ثم تحديد أسلوب علاج يعرف بالعلاج الجيني، الأمر الذي يحتاج لبيانات عن التركيب الوراثي للإنسان، بحسب محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي، إحدى الجهات المنفذة للمشروع في تصريحات خاصة.
وقال صقر لـ"اندبندنت عربية" أن فوائد المشروع تتمثل في الاكتشاف المبكر للأمراض ما يكفل التدخل العلاجي المبكر بل والجراحي عند الحاجة، بدلاً من الأسلوب الحالي المعتمد على إجراء تحاليل وأشعات عند ظهور الأعراض المرضية، كما أن التدخل المبكر يقلل من كلفة العلاج على الدولة، وأشار إلى أن المشروع يتضمن دراسة الطفرات المتعلقة ببعض الأمراض واسعة الانتشار في المجتمع، وهو ما يعمل على الحد منها، أبرزها الأمراض الوراثية التي نشهدها كثيراً في مصر بسبب زواج الأقارب الناتج من بعض العادات الاجتماعية، من خلال التوصيات المنتظرة بشأن نمط الحياة والتدخلات الطبية المسبقة، وإعداد خطط لوقاية المواطنين من الأمراض والأوبئة، وتصميم علاجات تتوافق مع المحددات الجينية للشعب، مؤكداً أن النتائج ستساعد في تقديم خدمة طبية متقدمة للشعب المصري، ما يرفع من معدل الأعمار ومستوى رفاهية المواطنين.
المصريون القدماء
وأوضح صقر أن فيروس كورونا سلط الضوء على اختلاف مدى الإصابة والاستجابة العلاجية بين المواطنين، وتفاوت معدلات التعافي من دولة لأخرى، وهو ما يرجع إلى الاختلافات الوراثية من إنسان لآخر، فقررت الدولة المصرية دراسة الجينوم الخاص بالشعب، لمواجهة ما قد يطرأ في المستقبل من أوبئة مثل كورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويميز المشروع البحثي المصري دراسة الصفات الجينية للمصريين القدماء بهدف فهم طبيعة الأمراض التي تعرضوا لها وحالتهم الصحية، ما يعد إضافة علمية كبيرة، إلى جانب الأثر المتوقع على فهم الحضارة المصرية القديمة، وما تتميز به من أهمية في التراث والثقافة العالمية، وفق رئيس أكاديمية البحث العلمي المصرية.
100 ألف عينة
حول أسلوب عمل المشروع أوضح صقر أنه ستُجمع عينة من 100 ألف مواطن مصري، ما يمثل أكثر من 0.1 في المئة من إجمالي المواطنين، وإجراء فحوصات لتلك العينات المحددة بطريقة علمية، لكي تعطي مؤشرات تمثل المرجع لجينات كل المصريين. ومن المتوقع أن يبدأ ظهور النتائج بعد عام من الآن، وأن ينتهي المشروع في عام 2025.
كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اجتمع في 28 فبراير (شباط) الماضي مع رئيس الحكومة ووزير التعليم العالي، واطلع على الدراسة الخاصة بإنشاء مركز الجينوم، الذي سيهدف إلى إعداد خريطة للجينات المصرية لاكتشاف والوقوف بدقة على الخصائص الوراثية للأمراض المختلفة، ومن ثم دخول عصر الطب الشخصي والعلاج الجيني وأدوية المستقبل المتخصصة والمصممة بناءً على التركيبات الجينية، بحسب بيان الرئاسة المصرية، وبعدها بساعات أعلنت وزارة التعليم العالي بدء مشروع الجينوم المرجعي المصري. وتم اختيار مركز البحوث والطب التجديدي التابع لوزارة الدفاع مقراً له، وتشارك فيه جامعات ومراكز بحثية ومعاهد وزارة الصحة.
وكانت الولايات المتحدة أولى الدول التي نفذت مشروعاً لمعرفة العناصر الجينية، حيث بدأت في عام 1990 وأعلنت اكتماله عام 2003، كما نُفذت مشاريع مماثلة في دول عربية مثل السعودية والإمارات.