عادةً ما نسارع إلى خزانة الأدوية، بديلاً عن اللجوء إلى خيارات أخرى كتقنية إدارة الإجهاد في الحالات التي لا تحتاج لتدخل طبي، لكن منظمة الصحة العالمية أوصت بجواز النظر إلى عمليات التدريب على الاسترخاء، كعلاج للبالغين المصابين بنوبة اضطراب الاكتئاب. وينبغي في حالة الاكتئاب المتوسط إلى الشديد، النظر في تطبيق هذا التدخل إلى جانب العلاج بمضاد الاكتئاب، أو العلاج النفسي والمنظم.
توجهنا بسؤالنا لأطباء في علم النفس، ومدربين ممارسين لرياضة اليوغا، ورسامين تشكيليين حول الدور المحوري الذي تؤديه ممارسة الاسترخاء، وعلاقتها بالعلاج بعيداً عن العقاقير.
الاسترخاء
بداية ما هو "الاسترخاء"؟ وهل يغني عن الدواء؟ فهو حالة تشعر فيها بالهدوء، والقدرة على إدارة الروتين اليومي في خضم الحياة المزدحمة، ذات الإيقاع السريع، وله العديد من الفوائد الصحية والعقلية والجسدية، ويمكن ممارسته في أي مكان تقريباً، في حين يؤكد الطبيب النفسي محمد إسحاق أنه "لا يغني عن العلاجات الدوائية والجراحية والإجراءات الطبية، إذا كانت عضوية فيسيولوجية، إلا أنه مساهم في إدارة المرض نفسياً".
تعريف آخر للاسترخاء يضيفه الطبيب "هو حالة من الهدوء تمكننا من السيطرة والتحكم في القلق والتوتر"، مضيفاً أن فقدانه يعد أحد أسباب تضاؤل حالات الصحة النفسية كالاكتئاب والقلق، إضافة إلى "فوائد صحية أخرى ذات صلة، كخفض معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومعدل سرعة التنفس، للحد من توتر العضلات، والألم المزمن، وتحسين التركيز، والمزاج، وتقليل الغضب والتعب، والإحباط، وتعزيز ثقة التعامل مع المشكلات".
استشفاء ذاتي
ويرتكز إسحاق على دراسات ملموسة، أثبتت فاعلية الاسترخاء كاستشفاء ذاتي، مبيناً أنه "وجدت دراسة نشرت عام 2016 بمجلة JAMA PSYCHIATRY، أن المريض قد يستفيد من التأمل كنوع من أنواع الاسترخاء، بالتالي يستجيب للأدوية بشكل أفضل"، مشيراً إلى الاهتمام بذلك في السنوات الأخيرة خصوصاً على صحة القلب. وأوضح "يساعد على خفض مستويات التوتر، إذ يحافظ على ضغط الدم تحت السيطرة"، أيضاً هناك "دراسة أخرى نشرتها المجلة الأميركية عام 2014، لمرضى ارتفاع ضغط الدم، وجدت أن الأشخاص الذين مارسوا رياضة اليوغا (واحدة من تقنيات الاسترخاء تتضمن جوانب عدة للتأمل لمدة ثمانية أسابيع)، شهدوا انخفاضاً في ضغط الدم مقارنة بمن لم يفعلوا ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يكن الاسترخاء فعالاً لمرضى ارتفاع ضغط الدم فحسب، بل طالت الفائدة، بحسبه "مرضى الأمراض المستعصية، من خلال تقنيات وتكتيكات متنوعة، ساهمت في إدارة المرض، وسرعة التعافي، وهذا ما شاهدناه من خلال الممارسات العيادية، إذ إن عدداً من التدخلات العلاجية غير الدوائية تستخدم تقنيات الاسترخاء في أساليبها".
التعامل مع من يرفض العلاج النفسي
ويقول إسحاق "تختلف استراتيجيات الطب النفسي في التعامل مع المرضى، وتختلف باختلاف الاضطراب وشدته، والدواء يعد أحد البدائل المتاحة للتغلب على الاضطرابات باختلاف أنواعها، والعلاج النفسي تكاملي. ففي العلاج الذاتي لا بد من توفر الدافع والرغبة، وعلى المعالج النفسي رفع ذلك قبل البدء في العلاج غير الدوائي".
وبخصوص علاقة الاسترخاء والضغوط اليومية، يقول "الاسترخاء فن مواجهة الضغوط النفسية واليومية التي تمارسها الحياة على الإنسان، وهو فن التعامل مع المشكلات العلاقات، والتوتر المتعلق بالكثير من المشاكل الصحية".
هل هناك أفضل من التأمل المتسامي؟
أرجع إسحاق استراتيجية التأمل إلى الثقافات الهندية، مضيفاً أنها "تتقاطع مع الأديان والثقافات المختلفة، إذ إنها لا تتعلق بالإيمان، بل تساعدنا على أن نصبح أكثر وعياً وتركيزاً وسلمياً بأفكارنا وكلامنا وأفعالنا، وأكثر انسجاماً مع الآخرين، إذ يوازيها في الثقافة الإسلامية التفكير. ويعد الاعتكاف أكثر عمقاً من التأمل المتسامي، أو التجاوزي، كما يطلق عليه، وهناك الكثير من المدارس الأخرى".
وقال إن السر في التأمل المتسامي كونه "يرتكز على الوعي الذاتي، وتحقيق الذات، بحيث يدعم الممارسين ليصبحوا أفضل. فالأفكار التي يتم إبرازها من خلال التأمل، يمكنها أن تساعدنا في صفات الإحسان والتواصل، الذي ينطوي على التكرار الصامت العقلي لـ"المانترا"، وهو مصطلح يقصد به، الجملة التي تكررها بعقلك خلافاً لواقعك. وبذلك ينصب التركيز على الاسترخاء السهل مقابل تصفية العقل المركزة، ويقول روث: تشعر براحة عميقة منذ البداية تقريباً، لكنك مستيقظ أو يقظ".
وأردف "من يمارس التأمل المتسامي، أو كما يطلق عليه علمياً، التجاوزي، يستطيع خفض مستوى التوتر والقلق في غضون دقائق، كما هو الحال مع أشكال التأمل الأخرى. وتؤدي الممارسة طويلة المدى إلى مزيد من التغيرات الإيجابية، بما في ذلك المرونة في مواجهة التوتر، وتقليل القلق العام، وزيادة الرضا عن الحياة. فهو مقارنة بغيره، ويوفر استرخاءً أكبر، وبفاعلية أعمق من خلال تقليل القلق والاكتئاب، وارتفاع ضغط الدم. وتم إجراء تجربة سريرية قبل وبعد، لتقييم تأثير التأمل المتسامي لمدة 12 أسبوعاً، على الصحة العقلية للمشاركين، الذين تم اختيارهم بطريقة عشوائية. وقد توصلت الدراسة إلى أن التأمل المتسامي يحسن الصحة العقلية للشباب البالغين".
اليوغا
تقول طبيبة الباطنة ومدربة معتمدة لرياضة اليوغا، عهد الحبيب، إن "اليوغا أحد أنواع الاسترخاء، إلا أنها ليست بالضرورة الأهم، حيث تختلف الطرق المفضلة للاسترخاء من أحد لآخر"، لافتة إلى أن ممارستها "تقضي على الإرهاق، وقلة ساعات النوم، وعدم التركيز، وضعف الذاكرة، والتوتر، وضغط العمل، علماً بأن هذه الأعراض تقتضي الوعي التام، ولا يشترط ممارسة اليوغا بحد ذاتها، لكن يجب على الممارس الطبي اتباع أي وسيلة يفضلها، ضمنها المشي، واليوغا، أو التأمل". وأضافت "أثناء جائحة كورونا، نمارس اليوغا عن بعد، وبحكم تجربتي كمدربة معتمدة لليوغا، حاولت الاطمئنان على زملائي وزميلاتي في الكادر الصحي، من خلال جلسات دعم عفوية هاتفية مع الراغبات في ذلك، للفضفضة ومشاركة التجارب الصعبة مع مرضى كورونا. ودربت بعضهم على طريقة التنفس اليوغي لتخفيف التوتر، دعمنا بعضنا البعض نفسياً لنكون بكامل صحتنا نفسياً وجسدياً، ومساعدة المرضى على أكمل وجه".
الاسترخاء بالرسم
ويصنف الفنان التشكيلي عبد الله التمامي الفن التشكيلي كأحد أنواع الاسترخاء، للرسام أو المتلقي، موضحاً أن "الرسم يقوم بعمل مساج روحي وتوازن نفسي، يرتب النفسية، ويعيد الأفكار إلى مكانها الطبيعي، ويزيل القلق الذي يشتت الذهن، ويوتره، ويصل هذا التجاذب إلى المتلقي، ويساعد الفن بحالة من الاسترخاء على ذهن المتلقي، من خلال معايشة وتركيب الرموز من روح الفنان إلى من يراه، من خلال التأمل".