بدأ البنك المركزي الصيني اختبار اليوان الرقمي العام الماضي في أربع مدن صينية، ويقوم حالياً بتوسيع هذه التجارب لتشمل مدناً كبرى مثل بكين وشنغهاي، هذه الجهود هي واحدة من جهود عدة تبذلها البنوك المركزية في كل أنحاء العالم لتجربة أشكال جديدة من الأموال الرقمية التي يمكن أن تتحرك بشكل أسرع وتمنح حتى الأشخاص الأكثر حرماناً إمكانية الوصول إلى الأدوات المالية عبر الإنترنت.
ويرى بعض المحللين أن تعجل الصين بطرح اليوان الرقمي جاء للحد من نفوذ عمالقة المدفوعات الإلكترونية المحلية، مثل "علي باي" و"تينسنت" وغيرهما، والتي استحوذت على سوق التداولات الإلكترونية، بالتالي من الأولى إصدار عملة رقمية وطنية يشرعها المركزي الصيني، وبخاصة مع تنامي ثقل الصين في التجارة الإلكترونية على المستوى العالمي، وبحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، صدر في يناير (كانون الثاني)، من هذا العام، تمثل التجارة الإلكترونية في الصين أكثر من 50 في المئة من مبيعات التجزئة العالمية على الإنترنت.
لكن الصين ليست الدول الوحيدة التي تختبر اليوان الرقمي، فأنظار العالم تترقب ولادة الدولار الأميركي الرقمي، ويتوقع المحللون الماليون أن يرى الضوء مع تذبذب عملات العالم، بما فيها الدولار الأميركي، وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، فقد جربت أكثر من 60 دولة في العالم على مدى الأشهر الـ12 الماضية، عملات رقمية وطنية، ارتفاعاً من 40 في العام السابق، وفقاً لبنك التسويات الدولية، وتشمل البلدان السويد، وجزر الباهاما، التي جعلت العملة الرقمية "ساند دولار"، متاحة لجميع المواطنين.
في الوقت ذاته، أجبرت العملات المشفرة مثل "بيتكوين"، التي ارتفعت قيمتها أخيراً، وأصبحت أكثر شيوعاً، وبخاصة مع الأرباح السريعة التي تحققها، الكثير من رجال الأعمال وبنوك الاستثمار على التداول فيها على الرغم من مستويات المخاطر العالية المصاحبة لها، ويجمع محللون ماليون على أن ولادة عملات وطنية رقمية لن تزيح الراغبين في تحقيق أرباح سريعة وطائلة عن التداول في العملات المشفرة البعيدة عن سلطات المشرعين.
تجربة اليوان الرقمي في مزيد من المدن الصينية
وقال محي الدين ما، المتخصص في الشؤون العربية الصينية، والموجود حالياً في الصين، في تصريحات عبر الهاتف لـ"اندبندنت عربية" إن الصين بدأت فعلياً في تجربة عملة اليوان الرقمي في عدد من المدن الصينية، وهي تدرس نتائج تلك الاختبارات. وأضاف ما، أن التجار في الصين حتى على مستوى صغار التجار، أصبحوا ملمين تماماً بالتجارة الإلكترونية، كما أن غالبية عمليات البيع والشراء تتم عبر منصات التجارة الإلكترونية، ما يدعم التوجهات الحكومية لتبني عملة رقمية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن أسباب التوجه الكبير للصينين لشراء وبيع الـ"بيتكوين" مع الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها العملة المشفرة، والتي تضمن تحقيق أرباح كبيرة وسريعة، رد محي الدين ما قائلاً، إن الـ"بيتكوين" لم تشرع من قبل الحكومة، ولا البنك "المركزي"، ولا الجهات المالية التنظيمية في الصين، بالتالي لا ينبغي التداول بها، إضافة إلى أن المخاطر فيها عالية جداً. وأضاف من المهم القول إنه لا ينبغي المقارنة ما بين عملة اليوان الرقمية، التي تختبرها الصين في عدد من المدن الصينية، وبين الـ"بيتكوين"، وغيرها، من العملات المشفرة التي هي غير مصرح بالتداول فيها في البلاد.
السياح واليورو الرقمي في دورة الألعاب الأولمبية
وعلى الرغم من أن "بيتكوين" التي صممت لتكون لا مركزية بحيث لا يمكن لأي شركة أو حكومة التحكم فيها، فإن العملات الرقمية التي أنشأتها البنوك المركزية تمنح الحكومات قبضة مالية أكبر، ويمكن أن تتيح هذه العملات توزيعات مباشرة للأموال التي تنتهي صلاحيتها إذا لم يتم استخدامها في تاريخ معين، ويمكن أن تسهل على الحكومات تتبع المعاملات المالية للقضاء على التهرب الضريبي.
الحكومة الصينية لم تذكر ما إذا كانت ستقدم اليوان الصيني رسمياً على الصعيد الوطني ومتى، إلا أن العديد من المسؤولين صرحوا بجهوزيتها للسائحين الذين يزورون دورة الألعاب الأولمبية لعام 2022 في بكين، كما أكدت المقالات والخطب الأخيرة من المسؤولين في بنك الشعب الصيني، وهو البنك المركزي للبلاد، طموحات المشروع والرغبة في أن يكون الأول.
إصدار العملات الرقمية ساحة معركة جديدة
الحق في إصدار العملات الرقمية والتحكم فيها سيصبح "ساحة معركة جديدة للمنافسة بين الدول ذات السيادة"، كما ورد في مقال في مجلة "تشاينا فايننس"، مجلة البنك المركزي، في سبتمبر (أيلول) الماضي "تتمتع الصين بالعديد من المزايا والفرص في إصدار العملات الرقمية الورقية، لذا يجب عليها الإسراع في اقتناص المسار الأول"، وبحسب الصحيفة، لم يرد بنك الشعب الصيني على طلب التعليق.
وكان تطوير عملة رقمية وطنية قد بدأ في 2014، عندما أنشأ بنك الشعب الصيني مجموعة داخلية للعمل على واحدة، بعد فترة وجيزة من جذب "بيتكوين" الاهتمام في البلاد، وفي 2016، أنشأ البنك المركزي قسماً يسمى معهد العملات الرقمية، في العام الماضي، بدأت تجارب اليوان الرقمي في مدن تشنتشن وشيونغان وتيشنغدو وسوتشو، وفقاً لبحث من شركة "سينو غلوبال كابيتال"، وهي شركة استثمار مالي.
2021 عام العملات الرقمية
من جانبه، توقع المحلل في أسواق المال، عميد كنعان، أن يشهد العالم حرب عملات رقمية أميركية صينية مع الحديث عن احتمالات صدور "الدولار الرقمي" و"اليوان الرقمي"، وقال كنعان إن دول العالم أيقنت أهمية العملات الرقمية منذ فترة من الزمن، بالتالي اتجهت غالبية دول العالم لاختبار العملات الرقمية، والبعض منها أطلقها بالفعل ضمن موافقة البنك المركزي والجهات المالية التنظيمية الأخرى لكل دولة. وأضاف أنه لم يتبقَ سوى الإعلان عن ولادة العملات الرقمية في معظم دول العالم، وأن الصين يتوقع أن تعلن عن "اليوان الرقمي" في المستقبل القريب، كما تتجه أنظار العالم للولايات المتحدة الأميركية وإمكانية الإعلان عن ولادة "الدولار الرقمي"، وباعتقادي أنه بمجرد إعلان الفيدرالي الأميركي عن "الدولار الرقمي" ستحذو دول أوروبية، والعديد من الدول الشرق أوسطية، حذوها، معلنة إصدار عملات رقمية، وباعتقادي أيضاً، تابع كنعان، أنه في ظل التذبذب الذي تشهده عملات العالم، وما يمكن أن أسميه "الجنون"، وفي ظل غياب الرقابة، سيكون هناك تسريع أكبر لإصدار عملات رقمية ذات تشريعات، وضمن أنظمة وقوانين المصارف المركزية، وأعتقد أن عام 2021 سيكون عام العملات الرقمية، وما يشاع عن أنه صدور عملات رقمية هو فقاعة، وبالتأكيد غير صحيح، والدليل على ذلك إصدار دول في العالم عملات رقمية، وعلى المستوى الخليجي، تم الإعلان عن أن السعودية والإمارات على الطريق لإنشاء عملة رقمية موحدة.
وتوقع كنعان أن يكون لعملة اليوان الرقمية المقبلة شأن كبير، وأن تكون الصين سباقة كدولة تطلق أنظمة وتشريعات خاصة بالعملة الرقمية المرتقبة.
إصدار العملات الرقمية لن يؤثر على المشفرة
ورداً على سؤال عما يفسر التوجه الكبير في الصين والعالم للتداول بالـ"بيتكوين" والعملات المشفرة الأخرى، وإن كان يعتقد أن إسراع الدول للإعلان عن عملات رقمية هو للحد من الإقبال الكبير على العملات المشفًرة التي لا تزال غير مشرعة في معظم دول العالم، قال إن علينا أن نأخذ بالاعتبار أن العملات الرقمية تكاد تكون واقعة بين جيلين القديم والحديث، وهي في شد عكسي بينهما، ورأينا كيف صرح كبار المستثمرين في العالم بعدم إيمانهم بالعملات المشفرة، وفي المقابل، رأينا مستثمرين كباراً، مثل الملياردير إيلون ماسك وغيره، تداولوا في الـ"بيتكوين"، وكذلك، هناك بنوك استثمارية لم تكن تشرع هذه العملة المشفرة، بدأت بالتداول فيها ضمن محفظتها الرقمية، بالتالي، العالم يتجه نحو العملات المشفرة على الرغم من مقاومة الدول لها، ولكن باختصار، وفي نهاية المطاف سيسير الجميع في اتجاه العملات المشفرة انطلاقاً من أن تشريع العملات المشفرة أفضل من التداول غير المنظم لها. وأضاف أن إصدار عملات رقمية لن يكون على حساب العملات المشفرة.
اليوان الرقمي و"علي باي" و"تينسنت"
من جانبه، قال محمد رمضان، المحلل الكويتي في الشؤون الاقتصادية، إن اختبار الصين لليوان الرقمي في المدن الصينية ليس الأول من نوعه، وقد وسعت الصين من تجربته في مزيد من مدنها، واختارت موسم عطلة رأس السنة الصينية التي انتهت في فبراير (شباط) لتجربة اليوان الرقمي، من خلال توزيع يوان رقمي ليتم إنفاقه بطرق معينة، وهي التجربة الثالثة من نوعها في بعض المدن الصينة، ولا سيما أن منصات البيع الإلكترونية "علي باي" و"تينسنت"، قامت بالاستحواذ على سوق التداولات الإلكترونية عوضاً عن النقد، بالتالي من الأولى أن تصدر الحكومة عملة مركزية، وليس غير مركزية، مثل الـ"بيتكوين"، بحيث تكون العملة الرقمية الصينية مدعومة من الحكومة، وستكون العملة نفسها، ولكن رقمية "اليوان الرقمي"، ويتم إنفاقها في الأوجه الطبيعية المحفزة على الإنفاق من دون أن تكون معرضة للتزوير أو السرقات، والأهم من ذلك، سهولة تتبعها، وهو أمر يميز العملة الرقمية مع صعوبة تتبع العملة الورقية.
وأضاف رمضان "برأيي، إن المستقبل سيكون للعملات الرقمية المدعومة من الحكومات، ومن المهم الإشارة إلى عدم وجود علاقة بين العملات المشفرة، وتلك الرقمية المدعومة من الحكومات والمصارف المركزية".