نالت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الثقة من مجلس النواب الليبي، بأغلبية ساحقة، عقب التصويت المُعلن في جلسة منح الثقة، الأربعاء العاشر من مارس (آذار)، وبعد جلسات صاخبة على مدار ثلاثة أيام، لمناقشة التشكيلة الوزارية التي تقدم بها الدبيبة إلى البرلمان للنظر فيها.
وكان الدبيبة قد تقدم بالقائمة النهائية لحكومته إلى مجلس النواب، متضمنة أسماء 27 وزيراً وستة وزراء دولة، مع نائبين لرئيس الحكومة، بعد الاتفاق على منصب وزير الخارجية الذي آل إلى نجلاء المنقوش. وبقيت شاغرة حقيبة وزارة الدفاع.
وكان مجلس النواب الليبي تعرض لضغوط شعبية كبيرة لحسم ملف المصادقة على الحكومة بسرعة، ومنحها الفرصة لممارسة مهامها، على أمل النجاح في التخفيف من وطأة الأزمات التي تعيشها البلاد بسبب الانقسام المؤسساتي، الذي اتسع مداه وتأثيره طيلة السنوات الماضية .
البرلمان يصادق على حكومة الوحدة
وأعلن المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي عبدالله بليحق، أن "حكومة الوحدة الوطنية حصلت على الثقة من مجلس النواب، بغالبية 132 صوتاً، بعد التصويت المُعلن في جلسة الأربعاء".
وصرح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أن "الحكومة ستؤدي اليمين الدستورية في مدينة بنغازي، الإثنين المقبل".
ومباشرة بعدم المصادقة على حكومته من قبل البرلمان، تقدم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، بالشكر للحكومة المؤقتة وحكومة "الوفاق" لعملهم طيلة الفترة الماضية في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وبعثة الأمم المتحدة وأعضاء لجنة الحوار السياسي والدول التي استضافت جلسات الحوار، وعلى رأسها ألمانيا وسويسرا وتونس، وكل الدول التي دعمت المسار السياسي، إلى أن توج باجتماع النواب في سرت.
وخاطب الدبيبة، أعضاء مجلس النواب قائلاً "أحتاج إلى مساعدتكم في هذه الأشهر القليلة، وأريدكم أن تكونوا معي، وأتمنى أن تجتمعوا في أي مكان في ليبيا، ليس في سرت أو غدامس فقط، نريدكم أن تجتمعوا في طرابلس وسبها والجفرة، ويجب أن نرفع كلمة ليبيا واحدة".
وأكد أن "ليبيا ما زالت بحاجة إلى نوابها، لأن كثيراً من الاستحقاقات ما زالت تنتظرهم بداية من إقرار الموازنة الموحدة وقانون الاستفتاء على الدستور، ووصولاً إلى قانون فعال للحكم المحلي، ومن ثم الانتخابات".
وأضاف "سرت تكتب التاريخ مجدداً من خلال عملية اجتماع البرلمان وعملية التصويت على الحكومة".
مرور الحكومة حزمة واحدة
مصادقة مجلس النواب على الحكومة جاءت بقبولها حزمة واحدة، على الرغم من النقاشات الساخنة التي دارت في جلستي اليومين السابقين، حول حجمها الموسع، وتوزيع الوزارات السيادية على الفرقاء السياسيين والأقاليم الجغرافية، والاعتراضات على بعض الأسماء التي رشحها الدبيبة لحمل الحقائب الوزارية في حكومته، وشغور بعض الوزارات الحساسة فيها .
وكان الدبيبة رد على الانتقادات على عدد الوزارات الكبير بتشكيلته الحكومية، في معرض إجاباته عن أسئلة للنواب في البرلمان، قائلاً إنه "ليس مرتاحاً لتشكيل حكومة ليبية تضم 27 وزيراً، لكن التوازنات الجغرافية والسياسية في البلاد فرضت عليه هذا الأمر".
وأشار إلى أنه اضطر لتأجيل تسمية من يشغل بعض الحقائب الوزارية لأسباب مختلفة، مبيناً أنه "رفض منح وزارة الدفاع لأي طرف من الأطراف في البلاد، بعد الصعوبات التي واجهها لاختيار من يشغل المنصب"، قائلاً إنه "وجد شبه انسداد في هذه العملية، وإن هناك صراعاً محتدماً على هذه الحقيبة وتدخلات خارجية لتحديد من يشغلها".
وقبل تسمية المنقوش لحقيبة الخارجية، علقت المرشحة السابقة لهذا المنصب والقيادية في حزب "الوطن" لمياء بوسدرة، على حملة الانتقادات لترشيحها لمنصب وزيرة الخارجية بقولها "مجرد ترشيحنا هو فخر نثمنه عالياً، ونهديه لكل نساء وشابات ليبيا، متمنين أن تعتلي هذا المنصب من تستحقه، فنحن لم نرده منصباً بقدر تعزيز مكانة المرأة الليبية".
من جانبه كان رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، جازماً بأن المنصب ستشغله شخصية نسائية، سيعلن عن اسمها بعد التوافق عليه مع المجلس الرئاسي، الذي يقوده محمد المنفي.
ترحيب دولي ومحلي
وقوبل قرار مجلس النواب بمنح الثقة لحكومة الوحدة، بارتياح وترحيب كبيرين في ليبيا وخارجها. وفي أول رد فعل دولي عليه، رحب السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، بمنح البرلمان الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكتب في تغريدة على "تويتر"، "مثل كثير من الليبيين، تابعنا البث المباشر لجلسة مجلس النواب التاريخية في سرت، ونرسل تهانينا لهم بمناسبة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ستمهد الطريق للانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) المقبل".
وبارك عضو مجلس النواب يوسف الفاخري، "اعتماد مجلس النواب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة".
ودعا "كل أبناء ليبيا إلى أن يدعموا هذه الحكومة حتى تنجح في تحقيق برنامج عملها، وصولاً إلى العرس الانتخابي نهاية العام الحالي".
وتوقعت عضو مجلس النواب أسمهان بالعون، أن "تكون هذه الحكومة المنتظرة أفضل من سابقاتها في تحقيق تطلعات الليبيين".
وعلقت على الخلافات التي شهدتها جلسات مجلس النواب، قبل التصديق على الحكومة، قائلة "ما شهدته جلسات البرلمان في مدينة سرت مخاض طبيعي، وليس هناك أي خلافات بين أعضاء المجلس".
وتابعت "كان من حق الشعب الليبي الاطلاع على آلية الاختيار وتشكيل الحكومة المنتظرة، وعلى السيرة الذاتية لكل وزير، لأنهم هم من سيقومون بتقديم الخدمات للمواطنين تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية".
وشددت على ضرورة التزام الحكومة بـ"مشروعها الذي حدده رئيسها، ووفق جدوله الزمنى المحدد له، حتى تصل بنا إلى النتائج المرجوة، ولا تكون مثل الحكومات الست السابقة، التي عمقت الانقسامات والمشاكل واستنزفت المال العام وأهدرت قوت الشعب الليبي"، بحسب قولها.
تحرير 120 رهينة
وفي الإطار الليبي، أعلنت وحدة عسكرية، الأربعاء، أنها حرّرت 120 مهاجراً، غالبيتهم من مصر، كانت عصابات من المهربين تحتجزهم رهائن في غرب البلاد.
وكشف "اللواء 444 قتال"، من قوات النخبة التابعة للجيش في غرب ليبيا، في بيان، أنه فجر الأربعاء "تمكنت قواتنا من فك أسر عدد من الرهائن في بني وليد، وداهمت المفارز العسكرية اوكاراً أخرى لتجار البشر، وحررت قرابة 120 رهينة تعرضوا للتعذيب ولعمليات ابتزاز، بحسب إفادتهم، ويحمل جلهم الجنسية المصرية".
وكانت هذه الوحدة العسكرية نفسها نفذت الأسبوع الماضي عملية واسعة ضد عصابات للتهريب والخطف والإتجار بالبشر في بني وليد، المدينة الواقعة على أبواب الصحراء الليبية على بُعد 170 كلم جنوب شرقي العاصمة طرابلس والتي تعتبر أحد المراكز الرئيسية للإتجار بالبشر في هذا البلد.
ووفقاً للواء 444، فقد أفضت تلك العملية إلى تحرير 70 مهاجراً كانوا محتجزين في ستة مخابئ لعصابات تمتهن الإتجار بالبشر.
وقال اللواء 444 يومها إن عناصره "نفذت مهمة عسكرية مُحكمة واقتحمت ستة مواقع تابعة لعصابات التهريب والخطف والإتجار بالبشر (...) تمكنت خلالها من تحرير 70 رهينة".
وأضاف أن العملية أفضت إلى "إلقاء القبض على أبرز المتهمين في قضايا التهريب في البلاد، إضافة لمجرمين من جنسيات أخرى مارسوا على ضحاياهم جرائم الخطف والقتل والتعذيب".
وعلى الرغم من غرقها في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، لا تزال ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الفارين من أزمات واضطرابات تعصف بمناطق أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط والساعين للوصول إلى أوروبا.
لكن كثيراً من هؤلاء الحالمين بالوصول إلى البر الأوروبي يجدون أنفسهم عالقين في ليبيا في ظروف بائسة وتحت رحمة عصابات تمتهن التهريب والإتجار بالبشر.