عادت أخبار "بيتكوين" إلى العناوين مجدداً في وسائل الإعلام الاقتصادية مع بداية ارتفاع سعرها بعد انهيارها بشدة قبل أسابيع. والسبب الرئيسي وراء ذلك أن بعض المستثمرين يعتبرون "بيتكوين" والعملات المشفرة مخزناً للثروة كتحوط في مواجهة احتمال زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. ويعزز ذلك وجهة نظر المؤسسات الكبرى في عالم المال بأن "بيتكوين" ومثيلاتها ليست سوى أداة استثمار وليست عملة مقايضة لعمليات الدفع في البيع والشراء.
في تقرير لها هذا الأسبوع بعنوان "مستقبل الصيرفة"، خلصت مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية "ستاندرد أند بورز" إلى أن المخاطر الائتمانية على البنوك حول العالم نتيجة تذبذب "بيتكوين" والعملات المشفرة محدودة جداً. وأرجعت ذلك إلى أن انكشاف البنوك على العملات المشفرة لا يكاد يذكر. فالبنوك لا تستثمر فيها لأنها ليست عملة دفع وانما مشتق استثماري غير منظم من السلطات وعالي المخاطر.
ورأى تقرير "ستاندرد أند بورز" أن البنوك تنتظر العملات الرقمية التي ستصدر عن البنوك المركزية، والتي ستكون عملة مضمونة ومنظمة رسمياً وستستخدم في الدفع والتعاملات البنكية. وعلى رغم أن شركات مثل "فيزا" و"ماستر كارد" أعلنت التعاون مع شركات تداول العملات المشفرة، إلا أنها على بينة من أنها لن تتحمل أي خسائر في حال التذبذب الشديد لتلك المشتقات الاستثمارية أو حتى انهيارها. فالخاسر الرئيسي وربما الوحيد هو متعامل التجزئة، وليس شركات صرافة وبورصات تداول العملات المشفرة ولا شركات الوساطة.
لا خطر على النظام المالي
لا يقيم التقرير سوق العملات المشفرة، وإنما يركز على المخاطر الائتمانية للتعامل فيها من قبل البنوك وغيرها من المؤسسات المالية التي تخضع للتصنيف الائتماني من قبل "ستاندرد أند بورز". والسبب أنه في العامين الأخيرين أصبحت "بيتكوين" وأمثالها أكثر قبولاً لدى المتعاملين في الأسواق، وتحتفظ بعض الشركات والصناديق بمراكز استثمارية من العملات المشفرة بمليارات الدولارات.
وعلى رغم اتساع نطاق الاستثمار في هذا المشتق الرقمي الجديد، إلا أن مخاطر عدم تنظيمه تجعله أداة مضاربة غير مأمونة حتى كتحوط أو ملاذ آمن للقيمة كالذهب مثلاً. ويرصد التقرير بدء بعض الدول في سن تشريعات وقواعد تنظيم لحماية المتعاملين، مثل ما يحدث في السويد وبريطانيا. ذلك لأن خطر تذبذب قيمة العملة المشفرة أو انهيار سعرها تماماً يقع في النهاية على المستثمر وليس على شركات الوساطة أو أي جهة أخرى. لذا تسعى تلك التشريعات لتقييد بيع عقود العملات المشفرة لمتعاملي التجزئة في الأسواق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما صناديق الاستثمار والشركات التي تشتري عملة "بيتكوين" فهي قادرة على امتصاص الخسائر من دون أن يؤثر ذلك بقوة في الأسواق أو في النظام المالي إجمالاً. وبحسب التقرير، فإن سوق العملات المشفرة لا يتجاوز تريليون دولار بينما حجم التعامل في الأسواق مثلاً يصل إلى 85 تريليون دولار. بالتالي فهي تشكل نسبة ضئيلة من استثمارات الأسواق في الأسهم والمشتقات.
وحتى إذا انهار سوق "بيتكوين" والعملات المشفرة تماماً فإن ذلك لن يشكل خطراً مهماً على النظام المالي العالمي، بحسب تقرير "ستاندرد أند بورز". ويشير التقرر إلى أن الأكثر أهمية هو خطط بعض البنوك والشركات المالية وغيرها لاستخدام شبكة "بلوكتشين" التي تدار العملات المشفرة من خلالها في عملياتها المالية لاعتبارات أمانها الشديد.
أضرار بيئية
ويعرض التقرير أنه من بين أسباب إحجام البنوك على ضم "بيتكوين" والعملات المشفرة الأخرى إلى ما تحتفظ به من عملات وأصول الخطر البيئي الذي تمثله تلك الأصول المشفرة. ففي الوقت الذي يتجه العالم لمواجهة التغير المناخي وتقليل الانبعاثات الملوثة للبيئة تستهلك عمليات "بيتكوين" ومثيلاتها كميات هائلة من الطاقة الكهربائية في عمليات التنجيم (تكوين العملة من الأساس) والحفظ والتداول.
وبحسب مؤشر "كامبريدج" لاستهلاك "بيتكوين" من الكهرباء فإن ما تستهلكه عمليات "بيتكوين" ومثيلاتها من الطاقة الكهربائية يساوي استهلاك بلد مثل هولندا بالكامل. ويحاجج أنصار "بيتكوين" بأن عمليات التنجيم هي التي تستهلك قدراً هائلاً من الطاقة الكهربائية لتشغيل أجهزة كمبيوتر هائلة وعديدة لفترات طويلة، أما عمليات التدقيق والحفظ في تداول العملات على شبكة "بلوكتشين" لا يستهلك قدراً كبيراً جداً من الطاقة.
قواعد وتشريعات
مع ذلك، يظل الخطر البيئي من العوامل المهمة التي تجعل البنوك وغيرها من المؤسسات الخاضعة لقواعد تنظيم وتشريعات رسمية تتفادى "بيتكوين" ومثيلاتها.
كذلك هناك مشكلة "المخلفات الإلكترونية" التي تسبب تلوثاً هائلاً. فالأجهزة الجديدة المستخدمة في عمليات التنجيم قصيرة العمر ويصعب تدويرها (التخلص منها بطريقة صديقة للبيئة مثل تدوير القمامة). بالتالي فهي تترك كماً هائلاً من المخلفات الضارة بيئياً.
يبقى في النهاية خطر الاختراق والقرصنة. فعلى رغم التأمين الشديد لشبكة "لوكتشين" إلا أن ذلك لا يحول دون احتمال الاختراق والقرصنة الإلكترونية كما حدث أخيراً مع شركة صرافة وتداول "بيتكوين" في نيوزيلندا. وذلك مصدر قلق آخر للبنوك والمؤسسات المالية من الانكشاف على "بيتكوين" ومثيلاتها.