انتقلت الحياة بأكملها إلى داخل البيوت بسبب انتشار كورونا، واختصرت النشاطات بشاشة الكومبيوتر، أو اللوحات الإلكترونية، أو الهاتف النقال، من اجتماعات العمل عبر القارات، أو في البلد نفسه، أو حتى الحي، إلى الدراسة عن بعد، وممارسة الرياضة وسواها من النشاطات.
كل هذا فاقم عوارض كثيرة، من محدودية النظر، إلى الملل بسبب عدم الخروج مرافقاً بالخوف الدائم من الإصابة بعدوى الوباء، إضافة إلى زيادة درجات متلازمة المكاتب حتى لغير الموظفين.
ما متلازمة المكاتب؟
قد يكون الاسم خير دليل على المعنى ويفسره تماماً، فمتلازمة المكتب لا تعد مرضاً، وإنما أعراض متعددة بسبب وضعية الجلوس الخاطئة لفترات طويلة، ويتأثر بها الأشخاص الذين يجلسون بالوضعية ذاتها من دون تغييرها، أو الوقوف بطريقة خاطئة، وقد سميت كذلك لأنها لوحظت لدى الموظفين الذين يعملون في المكاتب لساعات متواصلة، ولزمن طويل.
وإذا كانت بيئة العمل في المكتب أو في المنزل غير مناسبة من ارتفاع أو انخفاض للطاولة أو الكرسي أو شاشة الكومبيوتر أو لوحة المفاتيح أو مكان الكتابة أو العمل، فإن متلازمة المكتب تطارد الموظف وتسبب له مشاكل صحية ونفسية، ما يؤثر على إنتاجيته بالتالي على تقدم عمله والمؤسسة التي يتعاون معها.
بيئة العمل
من هنا، بدأت النظرة لجعل المؤسسات أقل تشدداً في جلوس الموظف ساعات طويلة وراء مكتبه، فقدمت مساحات للمشي أو اللعب أو تناول الطعام أو حتى العمل بطريقة ينتقل بها الموظف كأنه في بيته، ولا يلتزم بالجلوس طويلاً في مكان واحد.
تقول لمى، إنها كانت تشعر بأن مكتبها المقفل مثل تابوت، إلى أن قررت الشركة منذ سبعة أعوام إنشاء مساحة مفتوحة للعمل، مفصولة بالزجاج بين الموظف والآخر، بدأت تذهب بحماسة أكبر إلى العمل حيث لا أماكن مغلقة تسبب الكآبة، كما أنها اتبعت، بحسب توصيات زميلتها، بعض الحركات الرياضية الخفيفة ما إن تشعر بالتعب، وتقول "تحولت إلى موظفة سعيدة ومنتجة بعد أن تغيرت المكاتب، وغيرت أنا عادات العمل المجهد، وطلبت كرسياً ملائماً لآلام ظهري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد المكاتب المفتوحة، بدأت مساحات العمل تأخذ الموارد البشرية بجدية أكبر، من الديكور إلى النشاطات إلى المطاعم أو أماكن التجمع لتناول الطعام أو شرب القهوة، إلى المساحات الخضراء تماهياً مع الطبيعة، وقد تكون "غوغل"، و"فيسبوك"، و"مايكروسوفت" من الشركات الرائدة في تقدير أفرادها العاملين وتأمين ما يلزم من مساحات متنوعة للعمل بحرية أكبر.
أطفال مصابون بمتلازمة المكاتب!
في تعريفه لمتلازمة المكاتب يقول المعالج والمدرس المجاز في التدليك التايلاندي، رامي أبو جودة، إنها مجموعة من الأعراض التي تصيب الرقبة والكتفين والظهر فتتأثر جميعها، وقد تصاب بالالتهابات، وتسمى أيضاً "RSI"، أي "Repetitive strain injury"، وإصابات الإجهاد المتكررة.
ويعتبر رامي أن المؤثر الأول هو الجلوس لفترة طويلة بالوضعية نفسها من دون التحرك، ما يؤدي إلى الأكتاف المقوسة إلى الأمام، وأوجاع في الرقبة وما يعرف شعبياً بالـ"حردبة"، والوقوف بطريقة غير سليمة وآلام في الظهر وقد يؤدي إلى الديسك "كنا نرى هذه الحالة لدى العاملين أمام الكومبيوتر فترات زمنية طويلة من 10 سنوات وما فوق سابقاً، ولكن للأسف مع وجود الكومبيوتر في المنزل، وليس فقط في العمل، بدأنا نرى هذه المتلازمة مع عمر أصغر، حتى مع الأطفال بعمر ثماني سنوات والمراهقين والشباب، السبب عند الأطفال هو قضاء وقت طويل في اللعب على اللوحات الإلكترونية والهاتف النقال، ويتابعون البرامج والأفلام عليها بديلاً عن التلفزيون."
ويضيف أنه لم يعد العمل وحده سبباً، إذ أصبحت هذه المتلازمة تأخذ حيزها في أوقات الراحة واللعب أيضاً لدى الكبار والصغار.
قبل فوات الأوان
حتى لا يصل الناس إلى هذه المتلازمة، يشدد رامي على ضرورة أن "نستمع لأجسادنا التي تحتوي على ما يشبه المنبه في الدرجة الأولى، والتي تعبر عنها بالإحساس بالألم، لكن الناس يهملون هذه الإشارات لإكمال العمل، وهذا خاطئ، يجب على الأقل تغيير طريقة الجلوس أو التحرك من وقت لآخر".
ويشير إلى أن الـ"إيرغونوميكس - ergonomics"، التي تعني بيئة العمل، أصبحت كلمة تعتمد للتعبير عن بيئة عمل مناسبة، سواء كان في المكتب أو أي نوع من العمل من الوقوف إلى الجلوس إلى حمل الأغراض إلى الحركة، ولبيئة العمل مبادئ معينة ترشد إلى الطريقة الأسلم للجلوس والوقوف والتحرك وحمل الأغراض، حسب أوزانها.
فعندما نحمل أي غرض، يقول رامي، يجب استخدام الركبتين والساقين، وليس من الظهر، وعلى كل شخص يريد حمل أكثر من وزنه مضاعفاً استخدام ماكينات خاصة بالحمل، ويشدد على ضرورة ألا يحمل الشخص أكثر من وزنه، والأفضل ليس أكثر من 80 في المئة من وزنه، ويشير إلى أنه، بحسب الأبحاث في إنجلترا، يوجد بين 35 و40 في المئة من العطلات التي يطلبها الموظف تكون بسبب ألم عائد إلى الجلوس الطويل، وأن هذا يجعل الشركة تتكبد خسارة مادية من ناحية، ويزيد مشاكل الموظف الصحية مع استخدام أكثر للدواء، وقد يصل أحياناً لعمليات جراحية، ويعتبر أنه بالاسترشاد بالـ"إيرغونوميكس" يمكن تفادي الوصول إلى هذه المشكلات من متلازمة المكتب وغيرها من المشكلات المتعلقة بحركة الجسد عامة.
المكتب المثالي
ويذكر رامي أن الوقوف والجلوس بشكل صحيح من دون عوائق في العمل يساعدان الرئتين على العمل بأفضل طريقة، فيتنفس الشخص ويتكلم بطريقة مريحة مع استخدام أقل لطاقة الجسم.
أما عن بعض الأمور التي من الممكن فعلها لتفادي متلازمة المكاتب، فيقول إن كرسي المكتب أو الدراسة يجب أن تكون "إيرغونوميك"، إذ يكون التقاء المقعد بالظهر 90 درجة، ومناسباً للجلوس من خلال مدعم لأسفل الظهر، ويكون الكرسي معدلاً لكل شخص لتؤمن له الراحة، وليس عليه حشر نفسه بها كما هي، ويجب أن تكون مناسبة لطول الشخص ووزنه وشكل جلوسه ليكون الشخص مرتاحاً فيها من دون أوجاع أو انزعاج.
كما يجب أن تكون شاشة الكومبيوتر على مستوى النظر حتى لا تتعب عضلات الرقبة والكتفين، ويجب أن تكون اليدان 90 درجة عند الكوعين، وأن يكون الرسغان مستقيمين، والركبة مثنية 90 درجة، والقدمان منبسطتين كلياً على الأرض، ولا يفضل رامي استخدام سجادة تحت القدمين إلا للسيدات اللاتي يلبسن الكعب العالي ليرحن أصابع أقدامهن.
ويعتبر أن الكعب العالي يجب ألا يتعدى خمسة سنتيمترات، وبخاصة لمن يقفن طوال الوقت، أما الكعب بين 10 و15 سنتيمتراً فيتعب ربلات (بطات) الأرجل، ويفسد ويغير وضعية الوقوف ويتسبب بأوجاع في الظهر، ويزعج أصابع القدمين، كما يسبب مشكلة في التوازن.
كيف نتفادى متلازمة المكاتب؟
ولأن متلازمة المكاتب سببها الوقت الطويل في جلسة واحدة، ولتفاديها، على الشخص الوقوف مدة 10 إلى 15 دقيقة كل ساعة تقريباً، يقول رامي، وكذلك التحرك والمشي، ويمكن أن يقوم ببعض تمارين التمدد للرقبة والظهر، ويعتبر أن الأمر بات أسهل في المنزل للتحرك بحرية حيث انتقلت معظم الأعمال، إذ لا بد من الوقوف ولو قليلاً لإراحة الظهر والجسم.
ويذكر رامي أن الحركة مهمة جداً، فالشخص الذي يجلس يومه كاملاً في العمل على مكتبه، يجب ألا يقضي وقته في الجلوس أيضاً في المنزل، والإنسان بحاجة إلى ساعتين ونصف الساعة تقريباً من الرياضة في الأسبوع، ويمكن تقسيمها بشكل يومي أو كل يومين.
وضعية النوم وقيادة السيارة
ويعتبر رامي أن مسببات متلازمة المكتب تتأثر أيضاً بطريقة النوم التي يجب أن يكون بين ست وثماني ساعات في اليوم، بحسب الأجسام وحاجتها، ويجب أن يكون نوماً هنيئاً ومريحاً، لذا يفضل أن يكون الضوء مطفأً لترتاح العيون، وأن تكون الوضعية مريحة، وهذا الأهم، وتعد أفضل وضعية هي النوم على الجنب، ويجب أن تكون الساق العليا مطوية على 90 درجة عن الركبة، واليد تحت الوسادة، ما يجعل العامود الفقري مستقيماً من دون التواء، كما يمكن وضع وسادة تحت أسفل الظهر في حال أراد الشخص النوم على ظهره، وتحت الركبتين لمزيد من الراحة.
وعن طريقة الجلوس الأفضل أثناء قيادة السيارة، فيجب برأي رامي، الأخذ بالاعتبار ألا تكون اليدان مستقيمتين إلى عجلة القيادة إنما بدرجة 120، ومثلهما الساقان باتجاه المكابح، كما الظهر على الكرسي، يجب ألا يكون أقل من 100 درجة ولا أكثر من 120. أما الكرسي فيجب ألا يكون مرتفعاً من طرفه الأمامي، وأسفل الظهر يجب أن يكون مدعماً بوسادة صغيرة.