استلمت الحكومة الليبية الجديدة ديوان رئاسة الوزراء في طرابلس، وبدأت في ممارسة مهامها رسمياً، السبت 13 مارس (آذار)، بإصدار أول قرار من رئيس وزرائها عبد الحميد الدبيبة، قبل يومين من أداء وزرائها اليمين الدستورية أمام رئيس مجلس النواب الليبي، الإثنين، والتي نقلت مراسمها من مدينة بنغازي إلى طبرق بشكل مفاجئ.
وأطلق رئيسا المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة جملة تعهدات للشعب الليبي، في اليومين الماضيين، بتحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية والصحية، خلال الأشهر القليلة المقبلة، مع تزايد الدعوات إليهما من داخل ليبيا وخارجها، للبدء بشكل عاجل في تنفيذ قرار إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، الصادر عن اللجان العسكرية المشتركة (5+5)، الذي يعتبره كثيرون أول تحد حقيقي للحكومة في الفترة المقبلة.
القرار رقم واحد
وتسلم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، السبت، مقر ديوان مجلس الوزراء في طرابلس، الذي كان يشغله طيلة السنوات الماضية، رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، في أول مراسم التسليم والاستلام بين السلطات الجديدة والقديمة في ليبيا، وأصدر الدبيبة، القرار الأول عن حكومة الوحدة، الذي قضى بإيقاف حركة حسابات كل الصناديق الاستثمارية والشركات التابعة لها، والشركات العامة بشكل مؤقت.
وتضمن القرار الذي حمل رقم (1) لسنة 2021، والموجه إلى رؤساء مجالس إدارة الصناديق الاستثمارية والشركات العامة، استثناء ما يتعلق بمصروفات الباب الأول من الميزانية فحسب من القرار، للحفاظ على المال العام، بما يكفل حسن الأداء وضمان القيام بالمسؤوليات والواجبات خدمة للوطن والمواطن، ومن أجل تلافي أية شبهات للفساد والتصرف في أموال الدولة من دون وجه حق.
وطالب رئيس مصرف ليبيا المركزي، والمصارف العاملة الأخرى، بإيقاف أية معاملات مالية مخالفة لأحكام هذا القرار.
وربط مراقبون بين قرار الدبيبة، والضجة الكبيرة المثارة في ليبيا هذه الأيام، حول تقرير ديوان المحاسبة عن التعاملات المالية للحكومات والمؤسسات والإدارات الليبية، طيلة السنوات الماضية، والذي تضمّن شبهة فساد ضخمة تقدر بمليارات الدينارات، بحسب التفاصيل الواردة بالتقرير.
اليمين الدستورية في طبرق
في سياق متصل، قرر مجلس النواب الليبي، بشكل مفاجئ، نقل جلسة أداء اليمين الدستورية للحكومة، من بنغازي إلى طبرق لأسباب أمنية، مؤكداً أنها "ستجرى في موعدها المحدد لها سابقاً غداً الإثنين ".
وصرح مقرر مجلس النواب صالح قلمة بأن "جلسة البرلمان التي سيؤدي خلالها رئيس ووزراء حكومة الوحدة الوطنية اليمين القانونية ستعقد، الإثنين، في مدينة طبرق"، مبيناً أن "جلسة أداء القسم لحكومة الوحدة الوطنية رسمية، لا يشترط فيها تحقق النصاب القانوني، ويمكن الاكتفاء فقط بحضور رئاسة البرلمان، لتتم تأدية اليمين من قِبل الحكومة الجديدة"، ونفى قلمة الأنباء المتواترة عن مناقشة الجلسة إقرار الموازنة العامة للحكومة، قائلًا إن "مناقشة موضوع الموازنة سيكون في جلسة منفصلة، الأسبوع المقبل".
تعهدات المنفي بليبيا جديدة
تعهد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في كلمة تلفزيونية موجهة للشعب الليبي، "ببذل كل الجهود الممكنة لطي صفحات الماضي المؤلمة والانطلاق في مسيرة السلام لاستكمال بناء دولة الديمقراطية، وعزمه على "العمل على تعزيز السلم واستدامته، ودعم مسار اللجنة العسكرية 5+5، بُغية توحيد المؤسسة العسكرية، على أُسس مهنية وعقيدة وطنية خالصة، والعمل مع حكومة الوحدة الوطنية لتهيئة الظروف المناسبة لتباشر بشكل سريع وفوري معالجة الملفات النازفة والضرورية، كمجابهة فيروس كورونا وحل أزمة الكهرباء، وتوفير السيولة النقدية للمواطنين، وقبل كل ذلك، مواصلة الجهود المبذولة لتحقيق الأمن "، وأشار إلى أن "الجهد الأكبر سينصب على التأسيس لمصالحة وطنية شاملة، من خلال بناء هياكلها وتوفير متطلباتها وشروطها المعنوية والمادية والتوطئة لها، عبر ترسيخ قيم العفو والصفح والتسامح، من دون الإخلال بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، لكل من أجرم في حق بنات وأبناء الشعب الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا رئيس المجلس الرئاسي المجتمع الدولي إلى "الإيفاء بالتزاماته تجاه الشعب الليبي، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والتقيّد بها، كوضع حدّ للتدخلات الخارجية السلبية، وحظر توريد الأسلحة، والحفاظ على الأموال والأصول الليبية المجمدة، وتقديم الدعم الفني الذي تتطلّبه المرحلة المقبلة"، وبيّن في كلمته الخطوط العريضة للسياسة الخارجية التي ستنتهجها السلطات التنفيذية الجديدة، بقوله، "نتطلع إلى بناء علاقات خارجية وثيقة، قائمة على الشراكة والمصالح المتبادلة واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وسنعمل مع شركائنا الإقليمين والدوليين للتنسيق على أعلى المستويات، حول القضايا التي تشكل تهديداً لأمننا واستقرارنا، وفي كل ما يسهم في تحقيق الرفاه لشعبنا".
أضاف، "كل هذه الجهود التي ستبذل على المستويات كافة من أجل تحقيق الهدف الأسمى، وهو إجراء انتخابات حرة شفافة ونزيهة في ذكرى الاستقلال المجيد المقبل، ونؤكد ضرورة إجراء العملية الانتخابية في موعدها، من أجل ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتعزيز قيمة إلزامية النصوص القانونية لضمان نجاح العملية الديمقراطية، السبيل الوحيد والأمثل كي نتجاوز جميعاً الأزمة التي يمر بها الوطن".
مصر تدعم السلطات الجديدة
وفي تواصل للدعم الدولي والإقليمي، الذي تتلقاه السلطات التنفيذية الجديدة في ليبيا، منذ انتخابها في جنيف، أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن دعم بلاده الكامل رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، بعد حصول حكومته على ثقة مجلس النواب، ما اعتبرها "خطوة تاريخية مهمة في طريق تسوية الأزمة الليبية"، وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، "الرئيس السيسي أكد في اتصال هاتفي برئيس الحكومة الليبية الجديدة، ثقته في قدرة الدبيبة على إدارة المرحلة الانتقالية الحالية، وتحقيق المصالحة الشاملة بين الليبيين، وتوحيد المؤسسات تمهيداً لإجراء الانتخابات الوطنية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل".
وشدد الرئيس المصري على "دعم مصر الكامل للحكومة الليبية برئاسة الدبيبة، والاستعداد لتقديم خبراتها في المجالات التي من شأنها تحقيق الاستقرار السياسي، فضلاً عن المشاركة في تنفيذ المشروعات التنموية في ليبيا، والتي تمثل أولوية بالنسبة للشعب الليبي الشقيق".
دعوات إلى خروج القوات الأجنبية
في الأثناء، تعاود اللجنة العسكرية الليبية "5+5" اجتماعاتها الدورية، في سرت، الأحد، لبحث تنفيذ الاتفاقات المبرمة سابقاً، وعلى رأسها الملف الأكثر حساسية، وهو تنفيذ اتفاق إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
وكان مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة الأميركية، دعَوَا في بيانين منفصلين، خلال اليومين الماضيين، الحكومة الليبية الجديدة، إلى "الإسراع بإخراج المرتزقة من ليبيا ونزع سلاح الميليشيات، وإنشاء هيكل أمني شامل بقيادة مدنية للبلاد".
وحضّ عضو البرلمان الليبي محمد العباني، رئيس الوزراء الليبي الجديد على الاستجابة لهذه الدعوات، قائلاً إنه من "دون إنهاء الوجود الأجنبي وإخراج المرتزقة وحل الميليشيات ونزع السلاح ودعم المؤسسات الأمنية والعسكرية، لن يتمكن الدبيبة من تنفيذ أي برنامج إصلاحي وطني خلال فترة ولايته".