ودع أكثر من 10 ملايين عامل في السعودية، اليوم الأحد 14 مارس (آذار) 2021، نظام العمل والعلاقة التعاقدية مع أصحاب العمل في السعودية بشكله القديم، بعد سنوات من "نظام الكفالة" الذي واجه انتقادات حقوقية قبل انتقادات الاقتصاديين.
ويأتي التنظيم السعودي الجديد ضمن مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية التي أقرتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، حيث تستهدف بناء سوق عمل جاذب، وتطوير بيئة الاستثمار.
وتفصيلاً، دشنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السعودية، اليوم، مبادرة "تحسين العلاقة التعاقدية" للعاملين في القطاع الخاص، التي تتسم بالمرونة مقارنة بنظام الكفيل، إذ تكون المرجعية في العلاقة العمالية بين صاحب العمل والعامل عبر عقد عمل موثق بينهما، مما يسهم في تقليص التباين في الإجراءات التعاقدية للعامل السعودي، في مقابل نظيره الوافد.
وتعتبر المبادرة إحدى مبادرات برنامج التحول الوطني التي تستهدف دعم رؤية الوزارة في بناء سوق عمل جاذب، وتمكين وتنمية الكفاءات البشرية، وتطوير بيئة العمل لـ10.43 مليون عامل أجنبي، يمثلون 76.5 في المئة من إجمالي الأيدي العاملة في السعودية اليوم، وفقاً لأرقام هيئة الإحصاء السعودية
أوجه الإصلاح
وتقدم المبادرة ثلاث خدمات رئيسة، هي "خدمة التنقل الوظيفي، وتطوير آليات الخروج والعودة، والخروج النهائي". وتشمل خدمات المبادرة جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص ضمن ضوابط محددة، تراعي حقوق طرفي العلاقة التعاقدية.
وأوضحت الوزارة أن هذه المبادرة تأتي ضمن "سعيها لتحسين ورفع كفاءة بيئة العمل، وتأتي استكمالاً لجهودها السابقة في هذا المجال"، من خلال إطلاق العديد من البرامج، من أهمها برنامج حماية أجور العاملين في القطاع الخاص، وبرنامج توثيق العقود إلكترونياً، وبرنامج رفع الوعي بالثقافة العمالية، وبرنامج "ودي" لتسوية الخلافات العمالية، وكذلك اعتماد برنامج التأمين على حقوق العاملين، إلى جانب إطلاق منظومة اللجان العمالية المنتخبة، وغيرها من البرامج التي تعنى بتطوير وتحسين بيئة العمل، وحماية حقوق جميع أطراف العلاقة التعاقدية.
حقوق جديدة للعمالة في السعودية
بعد الحق الأول، وهو إلغاء نظام الكفالة، أصبح للعامل حرية التنقل من وظيفة لأخرى من دون موافقة صاحب العمل، كما أن له حرية السفر خارج السعودية بمجرد إخطار صاحب العمل إلكترونياً، وللعامل حق مغادرة البلاد نهائياً من دون موافقة صاحب العمل، وللعامل حق التنقل من وظيفة لأخرى في أثناء سريان عقده بشروط التزامه بواجباته التعاقدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أنه يستطيع الحصول على الخدمات التي يكفلها له النظام الجديد عبر منصتي "أبشر" و"قوى" الإلكترونيتين، ويجب اختبار العامل في بلده قبل استقدامه كشرط للحصول على التأشيرة، تشمل جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص، على رأس تلك الشروط إجادة القراءة والكتابة كشرط أساسي للحصول على التأشيرة.
نهاية أحد أشكال "الاتجار بالبشر"
هذا التعديل يأتي على خلفية انتقادات قادتها منظمات دولية وحقوقية وجهتها لدول مجلس التعاون والسعودية في هذا الشأن، محاولة الدفع في اتجاه إلغاء النظام الذي تطبقه على العمال الأجانب.
ودعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، في زيارتها إلى السعودية عام 2010، دول الخليج إلى إلغاء نظام الكفالة، وسن قوانين عمل مرنة تتيح "التوازن بين حقوق العمال وواجباتهم".
ولم يكن هذا الانتقاد الأول من نوعه؛ إذ سبق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن دعا السعودية إلى "المسارعة لتغيير نظام الكفيل المتبع في التعامل مع العمالة الأجنبية"، مشيراً إلى أن "المشكلة في هذا النظام لا تقف عند هذا الحد؛ فبحسب إفادات جمعها المرصد، يقوم العديد من الكفلاء وأصحاب العمل في السعودية بالتحكم في العامل وابتزازه من خلال طلب مقابل مالي من أجل الموافقة على طلب السفر أو استصدار رخصة قيادة".
وقال المرصد الحقوقي الأوروبي عام 2014، إن "نظام الكفيل المتبع في السعودية وبشكل مشابه في بعض دول الخليج، يمنع أي أجنبي من العمل في السعودية، إلا من خلال كافل سعودي"، وهو ما دافعت عنه الرياض وفق بيان المرصد، برغبتها في "ضمان سداد الديون والالتزامات التي قد تكون على العامل الأجنبي عند مغادرته أراضيها"، وهو ما يتفهمه المرصد، لكنه لا يراه مبرراً كافياً للإبقاء على الوضع قائماً كما هو.
ودعت منظمة "هيومان رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان دول الخليج إلى التخلي عن نظام كفالة العمال الأجانب، الذي قالت إنه يساعد في تفشي الاتجار بالبشر.
وأضافت المنظمة، في بيان سابق "يتعين على حكومات دول الشرق الأوسط إعادة النظر في نظامها الحالي لكفالة العمال من قبل مواطنين لحصولهم على إذن إقامة وعمل، من أجل النجاح في جهودها للقضاء على العمل القسري والاتجار بالبشر".
وأكدت المنظمة "عندما يمتلك رب العمل سيطرة شبه مطلقة على حرية العمال في تغيير وظيفتهم، وأحياناً على حريتهم في مغادرة البلاد، فإن العمال يمكن أن يصبحوا في وضعية استغلال"، وهو ما يساعد على تعزيز استغلالهم من قبل بعض الكفلاء.
وفي عام 2008 صنف تقرير صادر عن الخارجية الأميركية، السعودية، ضمن دول الفئة الثالثة التي لا تمتثل حكوماتها كلياً لـ"الحد الأدنى من المعايير التي تحد من الممارسات المؤدية إلى الاتجار في البشر"، ولا تبذل جهوداً قصوى لإيقافه.
وطالبت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية في 2013 بإلغاء مفهوم الكفالة لفظاً وممارسة، لافتة إلى أن أنظمة يجري تطبيقها حالياً تتنافى مع تشريعات العمل والإقامة، ومن ذلك احتجاز الكفيل جواز سفر المكفول، وهو مخالفة صريحة لقرار مجلس الوزراء، كما أن هذا القرار على الرغم من صدوره في عام 2000، فإنه لم ينفذ حتى الآن.
وكانت النيابة العامة السعودية، أفادت في 2018، بأن احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل يعد من جرائم الاتجار بالبشر، ويعاقب مرتكبها بالسجن 15 سنة والغرامة مليون ريال، ما يقارب (266 ألف دولار أميركي).
مهن مستمرة تحت مظلة الكفيل
غير أن الإصلاحات لا تشمل 5 مهن وهي "السائق، والعاملة المنزلية، والحارس، والراعي، والبستاني"، وفق ما ذكرته وزارة الموارد البشرية.
وقالت إن المبادرة "لا تشمل العاملات في المنازل، بعد ورود العديد من الأسئلة لها حولهن، وعددهن نحو 3.7 مليون، فهن لا يزلن باقيات على نظام الكفالة".
ولم يتطرق بيان الوزارة إلى موضوع الهرب الذي بموجبه يمكن لأصحاب العمل الإبلاغ عن اختفاء العامل، مما يعني أنه يصبح تلقائياً من دون وثائق وبالتالي يُرحل، لكن سطام الحربي، وكيل الوزارة للتفتيش، أكد أن الإصلاحات تشمل "إلغاء الهرب"، واستبداله بنظام يحدد آليات إنهاء عقود العمل.
إلغاء الكفالة يحد من التستر
فيما اعتبر فهد بن جمعة، الاقتصادي وعضو الشورى السابق، أن إلغاء نظام الكفالة هو "الخطوة الأولى لتصحيح حالة سوق العمل السعودي، إذ تسبب نظام الكفيل في تشوهاته وإرباك أساسياته، وزيادة عرض العمالة الوافدة على حساب العمالة الوطنية وأجورها".
وقال ابن جمعة، هو "ضرورة للحد من ظاهرة التستر، ويكشف الغطاء عن المتستر عليهم من العمالة الأجنبية".
وأضاف "لقد كلفت ظاهرة التستر الاقتصاد السعودي مليارات الدولارات، بحسب بعض التقديرات، وأسهمت في زيادة معدل البطالة بين السعوديين، وحدت من قدرة الشباب الذين لديهم الرغبة في بدء المشروعات التجارية".
نظام منذ حقبة الاستعمار البريطاني
وتشير دراسة تاريخية حول نشوء نظام الكفالة للعاملين الوافدين في دول الخليج، قدمها الباحث عمر الشهابي، إلى أن النظام بوصفه تنظيماً بيروقراطياً نشأ أساساً خلال حقبة الاستعمار البريطاني في الخليج، وبخاصة في البحرين، ومن ثم الكويت في الفترة من عشرينيات القرن الماضي إلى السبعينيات، التي شكلت أساس نشوء سوق العمل في الخليج المعتمدة بشكل جذري على العمالة الوافدة.
ويعود دافع هذا التنظيم البريطاني، بحسب الباحث إلى أن البريطانيون "نظروا بصورة متزايدة إلى العمالة الوافدة إلى الخليج على أنها ضرورة اقتصادية ومشكلة أمنية في آن واحد، ولذلك فإنها تحتاج إلى التنظيم سواء من وجهة النظر الأمنية أو بغرض النمو الاقتصادي، فقد مهدت لدخول العمالة الوافدة بشكل موسع إلى الخليج للعمل، وتم ربط ذلك بحزمة من القوانين والإجراءات للتحكم في هذا التدفق من العمال، مما أسس لجوهر نظام الكفالة الحالي"، وهو المبرر الذي استمر على أساسه النظام بعد استقلال هذه الدول.
وأشار البحث المنشور في مركز الخليج لدراسات التنمية، إلى أن البحرين هي نقطة البداية لتبلور هذا النظام في الخليج، لكونها أول منطقة في الخليج بسط فيها البريطانيون نفوذهم على المجتمع المحلي في خضم المنافسات مع الإمبراطوريات الأوروبية الأخرى في بداية القرن العشرين، والتي دفعت اللورد كرزون حاكم الهند آنذاك إلى السير في "السياسة الأمامية، التي اقتضت توسعة نفوذ الإمبراطورية البريطانية في الخليج، ففي عام 1904 دخل البريطانيون مباشرة في إدارة الأمور الداخلية للبلاد وباشروا توسعة نفوذهم محلياً، ودأبوا على إنشاء البيروقراطية الحديثة فيها كي تتولى إدارة عملية توسعة نفوذهم محلياً، فيما كان اهتمامهم سابقاً مقتصراً على تنظيم العلاقات الخارجية لحكام الخليج"، لينتهي هذا الهيكل التنظيمي الجديد إلى تصنيف السكان القاطنين في البحرين إما إلى "أجانب" أو "محليين"، بحيث أصبح الأجانب تحت حكم وسيادة البريطانيين، و"الرعايا المحليين" تحت سيادة الحاكم المحلي.
وكانت صناعة اللؤلؤ القديمة والغوص في المنطقة هي المحرك الرئيس لاقتصادها، وباتت تمثل مصدراً للسلطات البريطانية في البحرين. فمع بداية كل موسم لؤلؤ، وكما كان الحال لأجيال متعاقبة، يتدفق إلى البحرين الآلاف من العمال من المناطق المجاورة في شرق السعودية، وقطر، والساحل الشرقي للخليج للعمل في سفن الغوص في البحرين.
ومع تطبيق نظام الحدود الجديد في عشرينيات القرن الماضي، أصبح هذا التنقل للسكان بين ضفاف الخليج بالطريقة التي اعتادوا عليها لمئات السنين يمر على حدود أكثر من دولة، وكان هذا مصدر قلق متزايد للبريطانيين. ولذلك أصبحت قضية تنظيم الغواصين الآتين إلى البحرين مسألة ملحة لسلطات الاستعمار، بخاصة وأنهم صنفوا هؤلاء الغواصين أجانب.
وكان الحل الذي طوره البريطانيون هو تطبيق مبدأ الكفالة على الغواصين القادمين إلى البحرين، ممهداً لأول استعمال حديث للنظام في الخليج، ليعلن المستشار البريطاني بلغريف عن القانون الجديد في ديسمبر (كانون الأول) 1928، وأعقبته سريعاً إجراءات جوازات سفر جديدة في يناير (كانون الثاني) 1929 نصت على أن "النظام في البحرين يعتبر كل قبطان سفينة (نوخذة) مسؤولاً عن كل "الأجانب" المتواجدين في مركبه، بحيث يلزم عليه أن يبلغ موظفي الجمارك عن عددهم واسم كل منهم وتصاريح سفرهم الصالحة. ويسمح فقط للغواصين المسجلين في سجلات الغوص الصادرة عن حكومة البحرين بالنزول إلى أرض البحرين، وإذا اكتُشف أي غواصين فارين من متن السفينة حين مغادرتها للميناء، فسيتحمل قائد السفينة مسؤوليتهم وستصادر قواربه".
إصلاحات دول الخليج
كما كانت البحرين أولى الدول التي فرضت نظام الكفالة كانت أول الدول التي قررت إلغاءه، وأصدرت عوضاً عنه نظام العمل المرن، وسمحت للعمال الأجانب بحرية الانتقال بحسب النظام المعلن في أغسطس (آب) 2010، إلا أنها أعلنت موعد إلغاء نظام الكفيل في أبريل (نيسان) 2017، ونصت المادة المشار إليه على أن "يكون للعامل الأجنبي، من دون موافقة صاحب العمل، حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر، وذلك من دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون المنصوص عليها".
كما فعلت قطر هي الأخرى تنظيماً جديداً لوضع العمالة في البلاد، بعد ضغوط تلقتها من هيئات حقوق الإنسان ومنظمات دولية، على إثر تقارير عن سوء معاملة يتعرض لها العمال المنشغلون في تجهيز منشآت استضافة كأس العالم 2022، وبحسب مركز الاتصال الحكومي القطري "يسمح للعامل بتغيير جهة عمله بحرية من دون طلب شهادة عدم ممانعة صاحب العمل".
وأعلنت شرطة عمان إلغاء رسالة "عدم الممانعة" على نقل كفالة العامل الوافد، الذي يسري اعتباراً من الأول من يناير 2021، واعتمدت السلطنة إصدار شهادة عدم الممانعة عند انتقال عامل أجنبي من كفيل إلى آخر في عام 1996، وهو ما جرى إلغاؤه، أخيراً، في تقدمها الخجول في ملف العمالة.
وكانت قد بدأت الرياض خطوات سابقة لتحسين العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل، منها إقرار مجلس الوزراء قبل عشرين سنة بإلغاء مصطلح "الكفيل والمكفول" واستبداله "بصاحب العمل والعامل"، وكذلك عدم أحقية صاحب العمل في الاحتفاظ بجواز سفر العامل وإعطائه حرية التنقل والسماح للعامل بمراجعة الجهات الحكومية وغيرها، للحصول على الخدمات التي توفر له ولعائلته، مثل إصدار رخص القيادة وشراء السيارات، وغير ذلك من دون شرط الحصول على موافقة صاحب العمل، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتحسين وضع الأجانب في البلاد.