تعتبر السعودية وجهة رئيسة للعمالة الوافدة، بفعل تسارع النمو ونشاط القطاعات الاقتصادية، خصوصاً تلك التي تعتمد على الأيدي العاملة بكثافة، وعلى الرغم من الإجراءات التي تتخذها الدولة الخليجية لتوطين كثير من القطاعات وفرض رسوم على الوافدين، فإن السوق السعودية ما زالت جاذبة للعمالة.
ووفقاً لبيانات هيئة الإحصاء السعودية لعام 2020، فقد بلغ عدد الأجانب المشتغلين 10.43 مليون عامل، يمثلون 76.5 في المئة من إجمالي الأيدي العاملة في البلاد.
والمراقب لخطوات الرياض تجاه الوافدين، يلاحظ تغيراً في نظام العمل من حيث تنظيم العلاقة وشكل التعاقد، فمنذ سنوات قريبة بدأت البلاد تخفيف القيود عن العمالة الوافدة بإعلان الإقامة المميزة.
وأعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الثلاثاء الماضي، أنها تعمل على عديد من المبادرات، لتنظيم وتطوير سوق العمل، وذلك وسط تداول أنباء عن اتجاه السعودية إلى "إعلان إلغاء نظام الكفالة".
إلغاء نظام الكفيل
وقال المتحدث باسم الموارد البشرية ناصر الهزاني، عبر حسابه على تويتر، "إشارة إلى ما جرى تداوله حول تغييرات في إطار العلاقة التعاقدية العمالية في المملكة، توضح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أنها تعمل على عديد من المبادرات لتنظيم وتطوير سوق العمل، وسوف يعلن عنها حال جهوزيتها"، داعياً الجميع إلى الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية، وهو ما أكدته لنا الوزارة من دون الإدلاء بتفاصيل إضافية.
إشارة إلى ما تم تداوله حول تغييرات في إطار العلاقة التعاقدية العمالية في المملكة، توضح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أنها تعمل على العديد من المبادرات لتنظيم وتطوير سوق العمل، وسوف يعلن عنها حال جهوزيتها. وتهيب الوزارة بالجميع للحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية.
— متحدث وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية (@HRSD_SP) October 27, 2020
وجاء تعليق الوزارة رداً على تقارير صحافية ذكرت أن هناك "اتجاهاً إلى الإعلان رسمياً الأسبوع المقبل عن إلغاء نظام الكفالة، على أن يبدأ التطبيق الفعلي للقرار خلال النصف الأول من 2021"، مشيرة إلى أن ذلك يأتي ضمن إصلاحات سوق العمل بما يتماشى مع رؤية 2030.إشارة إلى ما تم تداوله حول تغييرات في إطار العلاقة التعاقدية العمالية في المملكة، توضح وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أنها تعمل على العديد من المبادرات لتنظيم وتطوير سوق العمل، وسوف يعلن عنها حال جهوزيتها. وتهيب الوزارة بالجميع للحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية.
وأضافت التقارير "كان من المفترض الإعلان، الأربعاء، عن فحوى مبادرة الوزارة بتحسين العلاقة بين العامل الوافد وصاحب العمل إلا أنه جرى تأجيل الأمر إلى الأسبوع المقبل، حيث تجري التجهيزات حالياً لذلك، ومن بينها دعوة إعلام دولي لحضور مؤتمر صحافي بهذا الشأن".
مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية
وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلنت وزارة الموارد البشرية مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل كإحدى مبادرات رؤية السعودية 2030 من خلال التعديل على اللوائح والأنظمة.
وتتركز المآخذ على نظام الكفالة في ثلاثة قيود رئيسة يواجهها العمال، وهي تغيير العمل والاستقالة والسفر، إذ لا يسمح القانون للعامل بالقيام بأي منها من دون إذن من الكفيل. ومن المتوقع أن يجري تطوير اللوائح والأنظمة المعدلة لضمان حقوق الوافدين، إضافة إلى تقليص الفجوة في تنافسية الوافد مقارنة بالمواطن، وذلك من خلال تفعيل الخدمات الأساسية للمبادرة، بهدف زيادة إنتاجية الوافدين في سوق العمل.
ويحمل نظام الكفالة كثيراً من السلبيات التي انعكست على معدلات البطالة، وصورة البلاد من ناحية جاذبية الاستثمار فيما يتعلق بآلية التعاقد ومرونة انتقال العمالة، بسبب مجموعة من القوانين واللوائح الإدارية والمعايير والممارسات العرفية التي تنظم تدفق اليد العاملة من الوافدين إلى دول الخليج.
إلغاء مصطلح "الكفيل "
وبدأت الرياض خطوات سابقة لتحسين العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل، منها إقرار مجلس الوزراء قبل عشرين سنة بإلغاء مصطلح "الكفيل والمكفول" واستبداله "بصاحب العمل والعامل"، وكذلك عدم أحقية صاحب العمل في الاحتفاظ بجواز سفر العامل وإعطائه حرية التنقل والسماح للعامل بمراجعة الجهات الحكومية وغيرها، للحصول على الخدمات التي توفر له ولعائلته، مثل إصدار رخص القيادة وشراء السيارات، وغير ذلك من دون شرط الحصول على موافقة صاحب العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت النيابة العامة السعودية، في 2018، بأن احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل يعد من جرائم الاتجار بالأشخاص، ويعاقب مرتكبها بالسجن 15 سنة والغرامة مليون ريال، ما يقارب ( 266 ألف دولار أميركي).
وطالبت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان حقوق الإنسان السعودية في 2013 بإلغاء مفهوم الكفالة لفظاً وممارسة، لافتة إلى أن أنظمة يجري تطبيقها حالياً تتنافى مع تشريعات العمل والإقامة، ومن ذلك احتجاز الكفيل لجواز سفر المكفول وهو مخالفة صريحة لقرار مجلس الوزراء، وأن هذا القرار على الرغم من صدوره في عام 2000، فإنه لم ينفذ حتى الآن.
كما أكدت ضرورة إلغاء موافقة الكفيل على كثير من الأمور الشخصية للعامل، مثل استقدامه عائلته أو زواجه أو طلبه تصريحاً للحج أو التدخل بتعاملاته مع الأفراد أو الشركات، وعدم تحميل الكفيل أي مسؤولية شخصية بسبب تصرفات الوافد خارج أطر العمل.
انتقادات حقوقية
كانت منظمات دولية وحقوقية قد وجهت انتقادات لدول مجلس التعاون والسعودية بهذا الشأن، محاولة الدفع باتجاه إلغاء النظام الذي تطبقه على العمال الأجانب.
ودعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، في زيارتها إلى السعودية عام 2010، دول الخليج إلى إلغاء نظام الكفالة، وسن قوانين عمل مرنة تتيح "التوازن بين حقوق العمال وواجباتهم".
ولم يكن هذا الانتقاد الأول من نوعه؛ إذ سبق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن دعا السعودية إلى "المسارعة لتغيير نظام الكفيل المتبع في التعامل مع العمالة الأجنبية"، مشيراً إلى أن هذا النظام لا يزال معمولاً به على الرغم من الدعوات المتكررة من المنظمات داخل السعودية وخارجها إلى إلغائه".
ويضيف المرصد أن "المشكلة في هذا النظام لا تقف عند هذا الحد؛ فبحسب إفادات جمعها المرصد، يقوم العديد من الكفلاء وأصحاب العمل في السعودية بالتحكم في العامل وابتزازه من خلال طلب مقابل مالي من أجل الموافقة على طلب السفر أو استصدار رخصة قيادة".
وقال المرصد الحقوقي الأوروبي عام 2014، إن "نظام الكفيل المتبع في السعودية وبشكل مشابه في بعض دول الخليج، يمنع أي أجنبي من العمل في السعودية، إلا من خلال كافل سعودي"، وهو ما تدافع عنه الرياض وفق بيان المرصد، برغبتها في "ضمان سداد الديون والالتزامات التي قد تكون على العامل الأجنبي عند مغادرته أراضيها"، وهو ما يتفهمه المرصد، لكنه لا يراه مبرراً كافياً للإبقاء على الوضع قائماً كما هو.
ودعت منظمة "هيومان رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان دول الخليج إلى التخلي عن نظام كفالة العمال الأجانب، الذي قالت إنه يساعد في تفشي الاتجار بالبشر.
وأضافت المنظمة، في بيان سابق "يتعين على حكومات دول الشرق الأوسط إعادة النظر في نظامها الحالي لكفالة العمال من قبل مواطنين لحصولهم على إذن إقامة وعمل، من أجل النجاح في جهودها للقضاء على العمل القسري والاتجار بالبشر".
وأكدت المنظمة "عندما يمتلك رب العمل سيطرة شبه مطلقة على حرية العمال في تغيير وظيفتهم، وأحياناً على حريتهم في مغادرة البلاد، فإن العمال يمكن أن يصبحوا في وضعية استغلال"، وهو ما يساعد على تعزيز استغلالهم من قبل بعض الكفلاء.
وفي عام 2008 صنف تقرير صادر عن الخارجية الأميركية، السعودية، ضمن دول الفئة الثالثة التي لا تمتثل حكوماتها كلياً لـ"الحد الأدنى من المعايير التي تحد من الممارسات المؤدية إلى الاتجار في البشر"، ولا تبذل جهوداً قصوى لإيقافه.
وتتوافق التصريحات الرسمية مع المطالب بالتغيير؛ إذ وعدت الحكومة منذ أكثر من سنتين بالعمل جدياً لمعالجته، إلا أن العاملين غير السعوديين لم يلمسوا أثراً عميقاً حتى اللحظة.
خطوات دول الخليج
وما زالت خطوات بعض دول الخليج بطيئة في هذا الملف، ومتفاوتة فيما بينها، إذ تصدر تصريحات كثيرة من مسؤولين خليجيين عن عزمهم إلغاء أحكام الكفالة وإحلالها بقواعد جديدة تتوافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان ومع توجهات منظمة العمل الدولية.
وتعتبر دولة البحرين الأولى التي قررت إلغاء نظام الكفيل الخاص بالعمالة الوافدة، وأصدرت عوضاً عنه نظام العمل المرن، وسمحت للعمال الأجانب بحرية الانتقال بحسب النظام المعلن في أغسطس (آب) 2010، إلا أنها أعلنت موعد إلغاء نظام الكفيل في أبريل (نيسان) 2017، ونصت المادة المشار إليه على أن "يكون للعامل الأجنبي، من دون موافقة صاحب العمل، حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر، وذلك من دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون المنصوص عليها".
كما فعلت قطر هي الأخرى تنظيماً جديداً لوضع العمالة في البلاد، بعد ضغوط تلقتها من هيئات حقوق الإنسان ومنظمات دولية، على إثر تقارير عن سوء معاملة يتعرض لها العمال المنشغلون في تجهيز منشآت استضافة كأس العالم 2022، وبحسب مركز الاتصال الحكومي القطري "يسمح للعامل بتغيير جهة عمله بحرية من دون طلب شهادة عدم ممانعة صاحب العمل".
وأعلنت شرطة عمان إلغاء رسالة "عدم الممانعة" على نقل كفالة العامل الوافد، الذي يسري اعتباراً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2021، واعتمدت السلطنة إصدار شهادة عدم الممانعة عند انتقال عامل أجنبي من كفيل إلى آخر في عام 1996، وهو ما جرى إلغاؤه، أخيراً، في تقدمها الخجول في ملف العمالة.