يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تمرداً كبيراً من جانب نواب "محافظين" في مجلس العموم، ما لم يوافق وزراؤه على ما يُسمّى تعديل "الإبادة الجماعية" الذي يستهدف منع إجراء صفقات تجارية مع دول متّهمة بارتكاب فظائع إنسانية.
ويأتي هذا التحرّك بعد تعرّض الحكومة لهزيمة ثالثة ساحقة في مجلس اللوردات، في ما يتعلّق بهذه المسألة التي تجدّد التركيز عليها وسط غضب دولي مصدره مزاعم عن انتهاكات لحقوق الإنسان تمارس ضد أقلية الإيغور المسلمة في مقاطعة شينجيانغ الصينية.
وفي هذا الإطار تلقّت صحيفة "اندبندنت" معلومات تفيد بأن ما لا يقلّ عن 30 عضواً في البرلمان البريطاني من حزب "المحافظين"، يمكن أن يتحدَّوا المسؤول عن الانضباط (مهمّته التأكّد من أن أعضاء الحزب يصوّتون وفقاً لبرنامج الحزب)، عندما يُعاد "مشروع القانون التجاري" إلى مجلس العموم في الثاني والعشرين من مارس (آذار)، ما قد يهدّد وضع الأغلبية الكبيرة التي يتمتّع بها رئيس الوزراء.
الاقتراح الأصلي الذي قاده اللورد ألتون العضو المستقل في مجلس اللوردات، كان قد أرغم الوزراء على مراجعة أيّ اتفاقات تجارية ثنائية مع الدول التي قضت "المحكمة العليا" بأنها ترتكب أعمال إبادة جماعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعدما تفادت حكومة جونسون هزيمة بفارق ضئيل في التصويت في يناير (كانون الثاني) الماضي، ألغى التعديل الجديد الإشارة إلى "المحكمة العليا"، ودعا بدلاً من ذلك إلى إنشاء "لجنة قضائية برلمانية" تتألّف من خمسة أعضاء في مجلس اللوردات كانوا قد تولّوا مناصب عليا في السلطة القضائية.
وستعكف هذه الهيئة على درس الادّعاءات المتعلّقة بحدوث انتهاكات، وتتخذ "قراراً تمهيدياً" في شأن ما إذا كانت هناك أدلّة كافية على أن دولة طرفاً في اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة، قد ارتكبت جريمة إبادة جماعية. وفي حال تمّ اتّخاذ قرار في هذا الصدد، يتعيّن على الوزير المعني أن يستجيب للبرلمان، وستتعرّض الحكومة لضغط هائل كي تجري مراجعة لأيّ علاقة تجارية.
الزعيم السابق لحزب "المحافظين" البريطاني إيان دنكن سميث أوضح لصحيفة "اندبندنت" أن "عدداً من أعضاء مجلس العموم من الذين لم يحسموا موقفهم ولم يشأوا التصويت على بند يقضي بإنشاء محكمة قانونية، يرون أن ذلك يشكّل مساومة"، مضيفاً أن "هذا هو الطريق الصحيح الذي يتعيّن سلوكه".
ورأى البرلماني المخضرم الذي أجرى نقاشات في الموضوع مع كبار وزراء الحكومة "أن تلك المساومة تقضي باستخدام المهارات والخبرة المذهلة للوردات المتقاعدين الذين عملوا سابقاً في القضاء، والذين لا يمكن إيجاد أيّ شخص أفضل منهم يمكنه تفحّص الأدلّة وفهمها".
وأشار إلى "أن اللجنة ليست محكمة، من هنا فإن قلق الحكومة حيال مسألة ذهابها إلى المحكمة قد تمّ تبديده. فالمسألة ستبقى ضمن البرلمان. لطالما كرّروا القول إننا صوّتنا لمصلحة خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي كي يكون البرلمان أقوى، والجواب هو أن البرلمان سيكون أقوى".
أما عمران خان العضو في حزب "المحافظين" الذي دخل إلى البرلمان في العام 2019، وهو أحد الذين يفكّرون في التصويت على هذا الإجراء فقال: "إنني "محافظ" مخلص حقّاً وأدعم بحماسة كبيرة رئيس الوزراء، وهذا الأمر يتسبّب لي بحزن وأسى كبيرين على المستوى الشخصي، عندما لا ألتقي مع حكومة أدعمها على مسألة تتعلّق بالسياسة".
وعلى الرغم من أن التعديل المطروح لا يذكر الصين على وجه التحديد، فقد أصبح نوّاب حزب "المحافظين" يتحدّثون بشكل متزايد عن الطريقة التي تتعامل بها السلطات الصينية مع أقليّة الإيغور. وفي وقت تصرّ فيه السلطات الصينية على نفي الأمر، اتّهمت الولايات المتحدة بكين بارتكاب إبادة جماعية، فيما أوردت شبكة "بي بي سي" البريطانية التي تمّ حظرها الآن في الصين، مزاعم تفيد عن تعرّض نساء محتجزات في معسكرات "إعادة التثقيف" للاغتصاب والاعتداء الجنسي والتعذيب بشكل منهجي.
وفي هذا الإطار، طرح نصرت غني - وزير سابق في الحكومة البريطانية يدعم التعديل - السؤال الآتي: "بما أننا نتّبع معايير استثنائية ورائدة عالمياً في القضايا المتعلقة بالبيئة وسلامة الحيوانات، لماذا لا تكون لدينا معايير مماثلة للحؤول دون منح صفقات تجارية تفضيلية للدول المتهمة بارتكاب أعمال إبادة جماعية؟".
ورأى بوب بلاكمان وهو نائب آخر من حزب "المحافظين" يؤيّد هذا الإجراء، أنه "يتعيّن علينا أن نكون حذرين للغاية في ما يتّصل بالتجارة مع بلدان مثل الصين، حين يُعامَل مسلمو الإيغور على هذا النحو المشين. إن نوع التسوية التي اقترحناها هو الحلّ الذي أعتقد أنه يمكن للجميع التعايش معه".
أما ليزا ناندي وزيرة الخارجية في حكومة الظل "العمّالية" فادّعت أنه على الرغم من "المداخلات القاسية" التي قام بها الوزراء حول الصين، كانت الحكومة "تبحث في إطار مناقشاتها الخاصّة، عن إمكان عقد اتفاق تجارة حرّة" مع بكين.
وقالت لصحيفة "اندبندنت": "عندما يعود تعديل قانون التجارة إلى مجلس العموم في وقت لاحق من هذا الشهر، ستكون الفرصة متاحة أمام أعضاء البرلمان من مختلف الأطراف، لبعث رسالة واضحة إلى العالم، مفادها أنه لا يجوز أبداً أن يتمّ التعامل مع جرائم الإبادة الجماعية بعدم اكتراث، أو السماح بالإفلات من العقاب، أو بالتقاعس. لقد آن الأوان كي تبدي الحكومة قيادة أخلاقية، وحزماً في التزامها دعم حقوق الإنسان".
مع ذلك، لم تعط رئاسة الوزراء في "10 دوانينغ ستريت" أيّ إشارات على قبولها التعديل القانوني، وفي أثناء المناقشات التي كان يجريها مجلس اللوردات الشهر الماضي في شأنه، اعتبر الوزير اللورد غريمستون أن "إنشاء لجنة قضائية برلمانية محدّدة لمعالجة هذه القضية سيكون بمثابة إصلاح دستوري جوهري".
ونبّه إلى أن ذلك "يزيل الفارق بين المحاكم والبرلمان، ويخل بمبدأ الفصل الدستوري بين السلطات". وقال: "في نهاية المطاف، إن طريقة استجابتنا للمخاوف المتعلّقة بأعمال الإبادة الجماعية لجهة ارتباطها بسياستنا التجارية، هي مسألة سياسية".
وفي إشارة إلى كلمة (وزير الخارجية) دومينيك راب الشهر الماضي التي تطرّق فيها إلى "النطاق المؤسّسي" للانتهاكات المرتكبة بحقّ أقلية الإيغور، قال اللورد ألتون الذي اقترح مشروع التعديل القانوني: "لقد ألقى وزير الخارجية خطاباً رائعاً أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة، ذكر فيه أن ما يحصل يندرج ضمن نطاق مؤسّسي، ووصف بعبارات مروعة ودقيقة أفعال التعذيب والسخرة والتعقيم القسري للنساء، قائلاً إنها متطرّفة ومفرطة".
وأضاف: "في غضون ذلك، نرى أن هناك محادثات في شأن معاودة التداولات التجارية مع الصين، التي كان قد تمّ تعليقها في أعقاب ما حدث في هونغ كونغ".
وختم اللورد ألتون قائلاً إن "المسألة مرتبطة بالصراع الدائر داخل الحكومة، حيث لا يزال عدد من المسؤولين فيها يرى أن لدينا فرصة ذهبية لا تُفوّت مع الصين كجزء من إرث جورج أوزبورن (زير مالية سابق في حكومة كاميرون)، فيما يوجد آخرون - مثل دومينيك راب وغيره - يقولون إن ما يحدث في شينجيانغ يمكن مقارنته بأفعال كنا نعتقد أننا لن نراها مرّة أخرى على الإطلاق".
© The Independent