صُدمت الأوساط الفنية والإعلامية السورية بخبر رحيل الفنانة ميادة بسيليس (1967-2021)، بعد أسابيع فقط على إعلان زوجها المايسترو سمير كويفاتي خبر إصابتها بالسرطان على صفحته في "فيسبوك"، موجهاً نداء إلى جمهورها بالدعاء لها. إلا أن المرض العضال أسدل عيني المغنية السورية عن أربعة وخمسين عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة.
وكانت ميادة بدأتها باكراً من "إذاعة حلب" ولما تكمل بعد التاسعة من عمرها، حين سجلت عام 1976 دوراً من أصعب الأدوار في برنامج المواهب بعنوان "أصل الغرام"، فلفتت إليها آنذاك العديد من الملحنين وشعراء الأغنية، وعلى رأسهم الشاعر الحلبي سمير طحان الذي كتب لها جل أغنياتها.
الألبوم الأول لبسيليس لم يتأخر وجاء عام 1986 بعنوان "يا قاتلي بالهجرِ" مستلهمة إياه من تراث مدينتها. فقد وجدت الفتاة الحلبية في القدود والأدوار والموشحات فرصة لصوتها ذي القدرات الأدائية العالية، لا سيما في أداء التراتيل الكنسية التي زاوجت بينها وبين خبرتها ودراستها للفلكلور الحلبي، ولتقدم عبره العديد من مشاركاتها الأولى سواء في أوبريت "ملكة القطن والشمس" (1978) والبرنامج الإذاعي "حكايات عمو رضوان" الذي كانت المطربة الراحلة تختتم حلقاته بأداء أغنية الخاتمة على أثير الإذاعة الحلبية، لتقدم بعده ألبومين في هذا السياق هما "خُلقتُ جميلة" و"أبانا" عام 1999.
14 ألبوماً غنائياً
بزغ نجم المغنية الراحلة مع ألحان شريكها في الحياة والفن الفنان سمير كويفاتي، وقدم هذا الثنائي ما يقارب أربعة عشر ألبوماً غنائياً، لعل أبرزها كان عام 1993 وجاء بعنوان "بقلبي فيه حكي" تبعه ألبومات "أمسية ميلادية" و"حنين" و"مريميات" عام 1997، إضافة لألبوم "أجراس بيت لحم" عام 2002. وفيها جميعها حافظ الثنائي بسيليس وكويفاتي على أداء ما عُرف بالأغنية الملتزمة، بعيداً من السوق التجارية للأغنية العربية، وصيحات الفيديو كليب، والاستعراض البصري المجاني على حساب جودة اللحن والكلمة.
ووجها جهديهما للانتصار لقضايا الإنسان، وعلاقته بأرضه، ولقيم المحبة والمساواة العدالة الاجتماعية. وقدما في هذا السياق العديد من أغنيات شارات المسلسلات السورية ذات الإنتاجات الضخمة التي اختصت بهذا الخطاب، وكان في مقدمتها "أخوة التراب" و"أيام الغضب" و"أبناء القهر" و"جواد الليل".
وبزغ نجم هذه الفنانة عربياً منذ أدائها أغنية "كذبك حلو" عام 1999، ونالت عليها الجائزة الذهبية في مهرجان الأغنية العربية بالقاهرة، وكانت بمثابة جواز سفرها إلى عالم الشهرة، لتتابع بعدها تقديم حفلاتها على أهم مسارح العالم. وكان منها حفلاتها في كل من قصر الفنون الجميلة في سان فرانسيسكو الأمريكية، وفي دار الأوبرا في مدريد، ودار الأوبرا المصرية في القاهرة.
عبرت ميادة في أغنياتها عن حساسية غنائية مغايرة عن السائد، وحققت مجدها الغنائي في الأوساط العربية والدولية، وأطلق عليها البعض لقب "فيروز سوريا".
جوائز وأغنيات
حصدت بسيليس العديد من الجوائز الدولية كان في مقدمها جائزة الأورنينا الذهبية عن أغنيتها "هوى تاني" في مهرجان الأغنية السورية السابع عام 2004، وجائزة مهرجان الأغنية العربية في الدار البيضاء عن أغنيتها "يا رجائي" عام 2005، مما عزز تجربة الفنانة لدى جمهورها، وجعلها تقوم بأداء العديد من الأغنيات الأجنبية، وتقديم العديد منها بنسخة عربية، وكان أبرزها أغنية شارل آزنافور (comme ils disent) "كما يقولون" والتي كتب لها كلمات النسخة العربية سمير كويفاتي لتصبح بعنوان "ويضلوا يقولوا" مع إعداد موسيقي للفنان كمال سكيكر.
جاءت الأغنية في صيغة سورية جديدة، وذهبت نحو مخاطبة الآخر المختلف سياسياً ودينياً. وقد خاضا سابقاً تجربة أخرى مع أغنية (will always love you) "سأحبكَ دائماً" لمغنية البوب والممثلة الأميركية الراحلة ويتني هيوستين لتصبح في نسختها السورية "رح ديماً أهواك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أعمال الثنائي الحلبي لم تتوقف منذ نهاية تسعينيات القرن الفائت، في تقديم مغامرات على صعيد خلخلة السائد في قوالب الألحان التقليدية وأشعار الأغنيات التي قدماها معاً. وبموازاة ذلك اختطت" أيقونة" الفن السوري أسلوباً جديداً في مخاطبة وجدان "السميعة"، محققةً بذلك إضافة لافتة إلى المكتبة الغنائية.
ونجحت كثيراً أغنيتها "وسختوا الصابون" في الحديث عن الحرب السورية، خصوصاً أن إسقاطاتها السياسية جاءت واضحة وصريحة ضد سلاطين الحرب وغلاة التشدد الديني، بعيداً عن الأغاني السياسية التي غلبت عليها سمة البروباغندا المنحازة لهذا الطرف أو ذاك.
نعت وزارتا الإعلام والثقافة ونقابة الفنانين السورية الفنانة الراحلة، وكتبت الفنانة سلاف فواخرجي رثاء على حسابها تقول في رحيل بسيليس "حجر من حجارة قلعة حلب وقعت، وعند كل سوري منا لديه غصة ودمعة، قطعة من القلب أنتِ، شيء يشبه الوجدان أنتِ، شجرة غرقى في الأرض، وفارعة في السماء أنتِ... أم وابنة وأخت ومثل كل شيء جميل أنتِ، الله معك يا ميادة يا حبيبة".
بينما كتب الفنان أيمن زيدان الذي أخرج لها كليب أغنياتها الأشهر "أيقونة مبدعة وصديقة درب من الحلم والطموح، هذه المرة لم تكن كذبة الحياة حلوة، كم أوجعني رحيلكِ يا ميادة... خسارتكِ كبيرة في زمن ما أحوجه لإبداعكِ. تهزمني الكلمات وأنا أشيع قطعة من القلب. عزائي لكَ يا توأم الروح سمير". بينما كتب المخرج باسل الخطيب في وداعها "القديسة ميادة بسيليس... الرب سيكون معكِ".