كانت الفنانة سمية بعلبكي بصدد إصدار مجموعة من الأعمال، من بينها أغنية مع الملحن بلال الزين وقصيدة بعنوان "امرأة شرقية" للشاعر نزار قباني وأعمال أخرى مع إحسان المنذر وبهاء الدين محمد وغيرهم من الملحنين، لكنها أرجأت المشروع نتيجة أزمة كورونا.
المطربة سمية بعلبكي، سليلة أسرة معروفة في عالم الفن والرسم، صاحبة صوت جميل وخبرة في عالم الغناء الشرقي، اختارت سلوك سبيل الطرب الأصيل، ورفضت الانجرار وراء الغناء الخفيف والاستهلاكي، وسعت إلى تجديد المعطيات الفنية الراسخة معتمدة صيغاً حديثة في الأداء والتعبير. كيف ترى بعلبكي إلى هذا الالتزام الغنائي الأصيل والجاد في زمن انتشار الفن الاستهلاكي؟ تقول "لا أعتبر نفسي فنانة ملتزمة، بل فنانة لها اتجاه خاص بقناعاتها وبلونها الموسيقي، لأن الالتزام يمكن أن يفسر بمعنى آخر أحياناً. الصعوبات هي نفسها في هذه الفترة، بالنسبة للفنان الذي يقدم فناً تجارياً أو كلاسيكياً، والوضع الذي نعيشه على كافة المستويات لم يستثن أحداً، عدا عن أننا في لبنان لا نعاني من كورونا وحسب، بل من تداعيات تفجير المرفأ، وقبلهما من الثورة إضافة إلى عدد من الأزمات المفصلية التي تطال حياة كل الناس. لم يعد مناسباً طرح أي عمل في ظل الأزمة الراهنة، لأنه "سيحترق" إلا إذا كان عملاً له علاقة بالأزمة. لا يمكن أن يكون الفنان خارج مزاج الناس، ليس في لبنان فقط بل في العالم كله".
فن مختلف
بعلبكي التي استبعدت تسمية "أعمال غير تجارية" عن أغانيها، توضح "التجارة تدخل في أي عمل فني بما فيها الأعمال التي أقدمها، لأنها تحتاج إلى تسويق ولها مردود مادي. لست ضد الأغنية التجارية، وهذا المصطلح لا يعبّر عن المعنى الذي يستخدم فيه، وحتى الفن الكلاسيكي تجاري. ألا يعتبر الفن الذي يقدمه كاظم الساهر كلاسيكياً؟ وأليس تجارياً أيضاً؟ طبعاً هو تجاري، لأنه يتجه إلى شريحة كبيرة من الناس، ويتابعه جمهور عريض، وأنا أيضاً قدمت أغاني تجارية، لأنها ليست موجهة للنخبة فقط بل لكل الناس".
وعن السبب الذي يجعل كاظم الساهر أكثر انتشاراً ونجومية وتواجداً منها حتى من خلال حضوره في برامج الهواة، بما أنه يقدم أعمالاً كلاسيكية مثلها، تجيب "ما يحصل في البدايات يمتد تأثيره إلى مراحل لاحقة من مسيرة الفنان. هناك فنانون محظوظون، حصلوا على فرصة دعم من جهات ضخمة، إنتاجياً وتسويقياً، وللأسف الشديد، أنا لم يحالفني الحظ، وحتى الحظ نحن مسؤولون عنه. في بداياتي في أواخر التسعينيات، التزمت خطاً موسيقياً معيناً لم يكن مطلوباً، وكان المسيطر موجة الأغاني الاستهلاكية، وأنا رفضتها، ولم أوفق إلى شركة إنتاج تسوق لاسمي، بل اعتمدت على نفسي ورضيت بنصيبي".
بعلبكي التي شاركت في مهرجان الأغنية العربية في قرطاج عام 1994 إلى جانب "صابر الرباعي، وأنغام، وأمل عرفة"، لا ترى أن هذه الأسماء تفوقها ذكاء لكونها أكثر انتشاراً منها، تقول "هذه المشاركة حصلت بعد سنة واحدة من دخولي الفن، ومن المؤكد أن تلك الأسماء ليست أكثر ذكاء مني، لأن هذا الأمر لا علاقة له بالذكاء. أما بالنسبة إلى الحظ فهو يقوم على عدة معطيات تتوفر للإنسان. من يقدم الطرب، ويقيم في مصر ليس كمن يقيم في لبنان، حيث توقفت الشركات اللبنانية عن الإنتاج منذ سنوات بعيدة". في المقابل أشارت بعلبكي إلى أنها لا تخطط للاستقرار لاحقاً في مصر، بل يمكن أن تزورها وأن تحيي فيها الحفلات، لأن لديها جمهوراً يحبها هناك، وتضيف: "بيني وبين نفسي أقول، إنه كان يجب أن أقوم بهذه الخطوة منذ زمن بعيد، وهذا الأمر لم يحصل".
الفن مراحل
وفي مقارنة بين تجربتها مع الرحابنة وتجربتيّ كارول سماحة وهبة طوجي، توضح "تجربتي مختلفة تماماً، وهو لم يكن تعاوناً مستمراً، كما في تجربتي كارول وهبة. تجمعني بالرحابنة علاقة طيبة، وتعاملي معهم كتعاوني مع أي فنان آخر، واقتصر على إحياء حفل في جبيل. والتجربة جيدة، وأنا أكن لهم كل الاحترام والتقدير".
وهل ترى أن كارول سماحة حققت نفسها أكثر، شهرة وانتشاراً، عندما خرجت من عباءة الرحابنة؟ تجيب "هي لديها وجهة نظرها في الموضوع. وكمراقبة، أنا حب كارول في المسرح الرحباني كما بأعمالها بعيداً عنه، والتجربتان تكملان بعضهما بعضاً. لا يوجد فنان يعتمد على مرحلة واحدة، حتى من يحيط بهم فنانون يهتمون بهم ويتبنونهم. الفن عبارة عن مراحل وتجارب، ويحق لأي فنان أن يخوض تجربته انطلاقاً من وجهة النظر التي يراها في فترة ما".
ورداً على سؤال ما إذا كانت أصالة هي الفنانة الأهم عربياً، ردت "لست أنا من يقرر ذلك بل الناس. في الأساس السؤال خطأ، ومنطق التعميم لا وجود له، ولا يمكن المقارنة بين تجربتين". ولأن السؤال لا علاقة له بالمقارنة، قالت "هل يعقل أن يكون هناك فنان واحد هو الأهم! كل فنان له اسمه وتاريخه وصوته وتجربته، حتى أنني لا أقبل بأن يقال إنني أهم صوت في لبنان".
"يا جارة الوادي" وفيروز
ولماذا من المسموح أن يقال مثلاً إن صوتي عبد الحليم حافظ أو عبد الوهاب هما الأهم؟ أجابت "لا يُقال عنهما أنهما الأهم بل العمالقة أو الكبار، وهم أكثر من فنان وليس فناناً واحداً". رداً على سؤال: هل يوجد أم لا يوجد عمالقة في هذا الزمن؟ تجيب "طبعاً، وهم الفنانون الذين سيستمرون مع الوقت. هناك أسماء كبيرة موجودة وأعمالهم ومسيرتهم وتأثيرهم يوازي في أهميته ما تحقق في الحقبة الذهبية. صحيح أنهم ليسوا بالعدد نفسه، ولكنهم موجودون في السينما والتلفزيون والمسرح والإخراج. مثلاً، لا يمكن إلا أن نضع اسم كاظم الساهر إلى جانب أسماء الكبار، وهو ليس بحاجة إلى الوقت لكي يبرهن ذلك، ولكي يكون اسمه قبل غيره من الأسماء. وأنا أيضاً من بين أبرز هؤلاء الكبار مسيرة وقيمة وألحاناً". وبالنسبة للانتشار؟ تقول "هو مهم ولكنه ليس الأهم. اليوم يمكن أن ننام ونستيقظ مشهورين بفضل "التيك توك". الشهرة ليست هاجساً، ولو أنني أريدها لكنت حققت من خلال السوشيال ميديا شهرة أكبر من تلك التي فاتتني، ولكنها لا تشبهني. صحيح أنني أستفيد من السوشيال ميديا في عملي، ولكن ليس بالقدر الكافي. ومع أنني أتقن أصول اللعبة، لكنني لا أريد. هناك نماذج مضحكة تحولت إلى مشاهير بفضلها. وهذا الأمر لا يزعجني ما دمت أشبه نفسي، ولأنني أفعل ذلك بإرادتي. الانتشار أصبح سهلاً في هذا الزمن، حتى من دون إنتاج ومن خلال فيديو نسجله في البيت يمكن أن نحقق الملايين المشاهدات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعلبكي التي جددت أعمال الكبار بصوتها، كيف ترد على من يعترضون على هذه التجربة، تقول "لو أنهم كانوا مطلعين على الموسيقى العالمية لوجدوا أن بعض الأغنيات القديمة تمت إعادة غنائها بعشرات الأصوات، وكل فنان غناها على طريقته. بينما نحن العرب نعاني عقدة الفرد المقدس. لكن التجديد غير مسموح، عندما يتعرض العمل للتشويه، على مستوى الصوت أو التوزيع الموسيقي، مع أنه لا يوجد ممنوعات في الفن. مثلاً "يا جارة الوادي" بصوت محمد عبد الوهاب تختلف عنها بصوت نور الهدى أو بصوت فيروز، وأنا أسمعها بإعجاب شديد بهذه الأصوات الثلاثة، وكل منهم أعطاها نكهة وأهمية. بصراحة، ربما لو لم تغنها فيروز لما كنت سمعتها. أنا أعتبر أن إعادة غناء أعمال الكبار إضافة ومسؤولية لأنها لم تعد مسموعة، وهناك من لا يعرفون شيئاً عن هذا الإرث الفني الكبير، وأنا أبحث عن سماع الفنانين الذين أحبهم وهم يغنون أعمال الكبار".
وعن موقفها من اعتراض المخرجة ريما الرحباني على غناء أعمال والدتها فيروز بأصوات أخرى مثل إليسا ومايا دياب، قالت "أحترم رأيها، وهذا الإرث هو لفنانة موجودة. وربما هم لهم الحق في أن يقرروا. التشويه غير مسموح، مع أنه يحصل أحياناً، ولكن المنع صعب في الفن، والزمن كفيل بمحو التطفل على الفن والأعمال الكبيرة".