"كان البحث الدائم عن مقر للجمعية والمبالغ المالية التي تدفع كإيجار لهذه الأماكن يشكل عبئاً كبيراً ويعيق استقرار وديمومة الأنشطة لدينا، ومن هنا جاءت فكرة ترميم المباني القديمة واستخدامها"، تقول رحاب العامور عن نشأة جمعية "التعاون للتنمية المجتمعية"، التي جابت أكثر من قرية بحثاً عن الاستقرار، لينتهي بها المطاف في السنوات الأخيرة في قرية رافات قرب سلفيت، بعد أن حصلت على موافقة مالكي مجمع بيوت يعود لخمس عائلات في القرية لترميمه، واستخدامه لتنفيذ أنشطة الجمعية وتقديم خدماتها لفئات المجتمع المختلفة، من نساء وأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.
المباني القديمة تخدم فئات المجتمع كافة
وتوضح العامور أن عملية الترميم وفرت لها مقراً دائماً يمكنها من تنفيذ البرامج التمكينية والتشغيلية للنساء، وفرص عمل اللواتي لا يستطعن الذهاب إلى العمل في مناطق أخرى بسبب الثقافة المجتمعية. ففي البداية كانت الجمعية تعمل على توظيف النساء في المقاصف المدرسية، وتعليمهن صناعة الصابون، والخياطة والأشغال اليدوية والتصنيع الغذائي، ومن ثم تطورت الفكرة لتأسيس مطبخ إنتاجي للخضار المجمدة وتسويقها، وتزويد المقاصف بالوجبات الغذائية.
تتابع رحاب، أن مرافق المباني الأخرى يجري استخدامها للمخيمات الصيفية والورشات التثقيفية والتوعوية للأطفال، وبرامج التوعية والتدريب لسوق العمل للشباب، إضافة إلى إنشاء مركز لعلاج صعوبات النطق لدى الأطفال وتأهيل الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وذوي الحاجة للعلاج الطبيعي والفيزيائي، مشيرة إلى أن هناك خطة مستقبلية لترميم مزيد من المباني والمناطق التراثية في أكثر من قرية، واستغلالها لتوفير فرص عمل للنساء في تلك المناطق.
"قصر الكايد"
وأثناء عملية الترميم يحرص المعماريون على الحفاظ على قصة المكان وتاريخه، ومنها على سبيل المثال قصر "الكايد العثماني" في قرية سبسطية شمال نابلس، إذ حافظ القصر حتى الآن على بلاط أرضيته الملون وبوابته الكبيرة. وأعيد استخدام مرافقه للفعاليات المجتمعية، فالطبقة الأولى تضم قاعة تدريبية، ومطبخاً للنساء، أما الثانية ففيها غرف ضيافة لاستقبال السياح القادمين للقرية، لزيارة المنطقة الرومانية الشهيرة هناك.
ويشرف على القصر هذه الأيام نادي لجنة المرأة الشبابي، وتقول مديرته سماح كايد، إنه تم تأسيس مطبخ تعمل فيه أكثر من 20 سيدة من سبسطية والقرى المجاورة على إعداد الوجبات للمناسبات الاجتماعية والمقاصف المدرسية والإشراف عليها، في محاولة لتشغيل أكبر قدر ممكن من النساء، إضافة إلى عقد ورشات توعوية وتعليمية لمختلف أنواع الحرف اليدوية.
وتتابع مديرة النادي أن القصر يستخدم أيضاً لإعطاء الحصص الدراسية لطلبة المدارس والجامعات وتنظيم المعارض والفعاليات من حفلات ورسم جداريات، وأنشطة تطوعية كالتنظيف وزراعة الأشجار، ولكن بسبب جائحة كورونا فإن معظم هذه الأنشطة توقفت أو يُعقد جزء منها بشكل بسيط إلكترونياً، عدا عن الأضرار المادية على القصر بشكل خاص والقرية بشكل عام، بسبب تراجع الحركة السياحية وإغلاق المقاصف المدرسية منذ ما يقارب العام.
خطة لترميم 50 قرية فلسطينية
"قصر كايد" والبيوت في رافات ليست المناطق الوحيدة التي يجري ترميمها، فمؤسسة "رواق" (مركز المعمار الشعبي) بدأت حملة لترميم كثير من البلدات القديمة والمباني لاستخدامها كجمعيات نسوية ونواد شبابية ومكتبات أطفال، من أجل الحفاظ على الهوية المعمارية الفلسطينية لهذه المباني ودمج كافة فئات المجتمع في الأنشطة الثقافية والاجتماعية المختلفة، إضافة إلى وضع برنامج لترميم 50 قرية فلسطينية، تم الانتهاء من 20 قرية منها، بعد إتمام مسح توثيقي لكافة المباني التاريخية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير إحدى المهندسات المعماريات في رواق آية الطحان إلى أن الفعالية المجتمعية ونشاط الجمعية النسوية في المنطقة شرط أساسي لعملية الترميم التي لا تتم بطريقة سهلة. ففي بعض الأحيان يتم إنشاء بنية تحتية، ومرافق عامة، وساحات، وترميم بعض المباني السكنية الخاصة الملاصقة ضمن موازنات محدودة، إضافة للعمل على توعية ساكني هذه المناطق بأهمية المباني وإعادة استخدامها خصوصاً أنها مبان بيئية، تكون دافئة في الشتاء وباردة في الصيف، بدل التوجه لهدمها وبناء العمارات الحديثة، كما يحدث أخيراً في عدد من المناطق.
القرى المقدسية لها ظروف مختلفة
صعوبات أخرى قد تواجه عملية الترميم في القرى المقدسية مثل كفر عقب، خصوصاً أن هذه المناطق تتمتع بأهمية جيوساسية، فهي كانت تابعة للقدس تاريخياً، لكن بناء جدار الفصل الإسرائيلي حال بينها وبين المدينة، إضافة إلى وجودها ضمن تصنيف "ج" ما يعني أنها خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ولا سلطة فيها للمؤسسات الفلسطينية كوزارات الحكم المحلي والسياحة، وليس من السهل الحصول على تنسيق للعمل فيها، وهذا يسبب كثيراً من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ويدفع إلى بذل كثير من الجهد لإحياء الحركة الثقافية والأنشطة الاجتماعية في البلدات القديمة داخل هذه القرى بعد ترميمها، كما أوضحت الطحان.