Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذبول أعشاب البرية يهدد أرزاق الريفيات في تونس

تغير المناخ قلص إنتاج أنواع مختلفة من الريحان والإكليل والقضوم

تكلف التغيرات المناخية الاقتصاد التونسي 2.1 في المئة من الناتج المحلي وفق إحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (أ ف ب)

ملخص

تمثل النساء في سن العمل نصف السكان البالغ عددهم 12 مليون نسمة إلا أن 27.9 في المئة فقط منهن ناشطات اقتصادياً

تراقب مبروكة على هضبة بين جبال منطقة الشمال الغربي التونسي بتحسر عاملاتها يجمعن الأعشاب البرية التي تستعمل زيوتها لأغراض طبية وعطرية، وبالكاد امتلأت سلالهن إلى الثلث بعد انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ.

في مدخل قرية التباينية داخل منطقة عين دراهم في أقصى الشمال الغربي التونسي، وفي سهل عميق تلفح أشعة الشمس الصباحية قطرات الندى الملتصقة بأعشاب نبتة القضوم (المستكة)، بينما تقطفها أنامل نحو 10 من النسوة انتشرن في المكان بسلالهن شبه الفارغة يحاولن جمع ما أمكن من الأعشاب الطبية والعطرية البرية، من الغابات الممتدة لتقطيرها وبيع زيوتها.

تقول مبروكة العثيمني (62 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية "شتان بين ما كان عليه الوضع وما أصبحنا نعيشه، بالكاد نحصل نصف الدخل وأحياناً الثلث".

تدير العثيمني منذ أكثر من 20 عاماً مجمع "البركة" الذي يشغل 51 امرأة في منطقة التباينية أقصى أرياف تونس المهمشة، يقمن بجمع وتقطير الأعشاب البرية وبيع زيوتها داخل بلد ينتج نحو 10 آلاف طن سنوياً، وتمثل نبتة الإكليل الجبلي أكثر من 40 في المئة من الزيوت التي تصدرها البلاد إلى الأسواق الفرنسية والأميركية، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة.

والعاملات هن السند الأول لعائلاتهن في منطقة الشمال الغربي حيث نسبة الفقر 25.8 في المئة (المعدل الوطني 15.3 في المئة)، وفقاً لإحصاء رسمي عام 2020.

الريحان والإكليل والقضوم

وتوضح العثيمني "هناك أمراض تظهر بحكم التغيرات المناخية إضافة لارتفاع درجات الحرارة"، ولذلك أصبحت النباتات "تدر زيتاً قليلاً".

وتجمع النساء أعشاباً بأنواع مختلفة من الريحان والإكليل والقضوم طوال فصول العام، غير أن "ينابيع المياه في الجبل قلت ونضبت والثلوج التي كانت تغذيها لم تعد تنزل بالكمية الكافية"، بحسب العثيمني.

وتشهد تونس موجة جفاف للعام السادس على التوالي، وبسبب نقص الموارد المائية المتأتية أساساً من الأمطار تراجعت نسبة امتلاء الـ36 سداً المتمركزة غالبيتها في محافظات الشمال الغربي إلى 20 في المئة، وهي نسبة لم تشهدها البلاد منذ عقود.

فضلاً عن ذلك وخلال الأعوام الأخيرة، واصلت معدلات الحرارة ارتفاعها خلال الصيف وتجاوزت الـ50 درجة مئوية في بعض المناطق.

وكنتيجة لذلك تكلف التغيرات المناخية الاقتصاد التونسي 2.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق إحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

تصطحب منجية السوداني (58 سنة) ابنتها العشرينية معها خلال عمليات التقطير داخل المجمع، وتؤكد هذه الأم لثلاث أبناء التي تعتمد على دخلها الوحيد من عملها الذي تمارسه منذ خمسة أعوام لتوفير مستلزمات عائلتها "كنا خلال الأعوام السابقة نجمع ما بين ثلاثة وأربعة أكياس كبيرة من أوراق النباتات، وهذه الأيام لم نعد نحصل كيساً واحداً، والمناخ هو السبب".

تمثل النساء في سن العمل نصف السكان داخل تونس البالغ عددهم نحو 12 مليون نسمة، إلا أن 27.9 في المئة فقط منهن ناشطات اقتصادياً، كما أن نسبة البطالة بينهن 21.3 في المئة وغالباً ما يشغلن وظائف هشة، مما يجعلهن أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية والمناخية، وفق تقارير أممية.

ونحو 70 في المئة من القوة العاملة في قطاع الزراعة من النساء، ويواجهن التداعيات المباشرة للتغير المناخي، لا سيما "في ظل هشاشة أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية التي تعوق تمكينهن من الوصول إلى فرص اقتصادية بديلة"، بحسب الأمم المتحدة.

ويستفيد المجمع النسائي الريفي من تدريب تقدمه منظمات دولية مثل "منظمة الأغذية والزراعة" للأمم المتحدة، لمساعدتهن في الحفاظ على الثروة الحرجية أمام تزايد تهديدات تغيرات المناخ. لكن على رغم ذلك فإن الوضع بالنسبة إلى مبروكة ساء لدرجة "لم أعد باستطاعتي تجهيز طلبيات العملاء من خلال جمع الكميات المطلوبة، وأضطر تبعاً لذلك للرفض لأن النبات قل"، مما يؤثر مباشرة على دخل المجمع.

وتضيف منجية بينما تملأ خزان آلة التقطير "كنا نجمع بمعدل أربعة كيلوغرامات من نبتة الضرو، وأصبحت الكمية لا تتجاوز 1.5 كيلوغرام... مما يؤثر في مدخول العائلة"، و"بطبيعة الحال عندما ينقص المنتج ينقص الدخل".

حرائق الغابات

وتكشف دراسة نشرها "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، أن الأضرار التي لحقت بالغابات نتيجة التغير المناخي تؤثر بصورة كبيرة في سكانها الذين يعتمدون على مواردها لكسب رزقهم، و"تعاني النساء خصوصاً من التأثيرات إذ أصبحت الأنشطة التي يمارسنها أكثر صعوبة ومشقة".

تغطي الغابات في تونس مساحة تقدر بـ1.25 مليون هكتار، وتوجد 10 في المئة منها في شمال غربي البلاد وخصوصاً داخل محافظة جندوبة، حيث يمتد الغطاء الحرجي على نحو 40 في المئة من مساحتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحرائق الغابات في هذه المناطق الحدودية مع الجزائر أمر شائع، وأتت النيران خلال صيف عام 2023 على مساحة 1120 هكتاراً في منطقة ملولة المتاخمة للتباينية.

ولم يعد أمام نساء المجمع من بد سوى اللجوء لحلول بديلة لتنويع أنشطتهن والتخلص تدريجاً من اعتمادهن الكلي على موارد الغابات، وبتن "مضطرات للبحث عن حلول بدلية لأن الموارد الطبيعية وحدها لم تعد كافية لكي يحصلن رزقهن"، بحسب الباحثة في مجال العدالة البيئية والمناخية في المنتدى إيناس الأبيض.

وصادقت تونس على اتفاقات دولية مهمة منها اتفاق الأمم المتحدة الإطاري في شأن تغير المناخ عام 1996 واتفاق باريس للمناخ عام 2016.

غير أن الأبيض توضح لوكالة الصحافة الفرنسية أن "تفعيلها على أرض الواقع يبقى منقوصاً وخصوصاً في تبني مقاربة جندرية في علاقة بالتغيرات المناخي... المرأة اليوم هي في الصف الأول وفي واجهة التغيرات المناخية".

لكن في الحقول، تحمل بعض قاطفات الأعشاب بينهن بشرى بن صالح سلتها وتمشي بخطى حثيثة بين الأجمات وتردد "ليس في يدنا شيء سوى انتظار رحمة الله".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات