لم يكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلن قبل أيام قليلة عن قرار تجميد العمل بالإعفاءات الممنوحة للدول من العقوبات على استيراد النفط الإيراني، حتى أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعلاناً عن تقديم مكافآت مالية قيمتها 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات ترمي إلى "تجفيف منابع تمويل حزب الله"، وتسهم في عرقلة تمويله.
وقبل أن تشرح الخارجية آليات هذا القرار، الذي استهدف ثلاثة رجال أعمال متهمين بتسهيل العمليات المالية للحزب، وهم أدهم طباجة ومحمد بزي وعلي شرارة، استتبعت وزارة الخزانة إعلان الخارجية بإجراء عقابي جديد يقضي بفرض عقوبات على أفراد وكيانات تابعة للحزب، وذلك في إطار برنامج "المكافآت من أجل العدالة" الذي أنشأته وزارة الخارجية في العام 1984، لأغراض تتصل بإعطاء حوافز مالية من أجل الكشف عن المجرمين والإرهابيين. وقد أعادت الوزارة إحياء هذا البرنامج، اليوم، انطلاقاً من اقتناع بأن العقوبات المالية تشكل الوسيلة الأكثر تأثيراً وفعالية في تحقيق الهدف المرجو.
ويشكل الإعلان الأميركي عن تخصيص مكافآت مالية خطوة هي الأولى من نوعها. إذ خصصت للمرة الأولى مبالغ نقدية، بعدما كانت تعتمد في السابق على مكافآت مالية للحصول على معلومات حول الإرهابيين المطلوبين.
رجلا أعمال وثلاث مؤسسات
تناول الإجراء الجديد، الذي اتخذه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة (OFAC)، رجلَي أعمال من الحزب وثلاث مؤسسات، وهما اللبناني المقيم في بلجيكا وائل بزي لعمله نيابة عن والده محمد بزي، وشركته Voltra Transcor Energy BVBA ومقرها بلجيكا وشركة OFFISCOOP NV ومقرها المملكة المتحدة وشركة BSQRD Limited ومقرها أيضاً المملكة المتحدة لامتلاكها أو السيطرة عليها من قبل وائل بزي.
واستهدف القرار أيضاً حسن طباجة، ومقره لبنان، لعمله لمصلحة أو نيابة عن أخيه أدهم طباجة، وهو عضو في "حزب الله" وممول له. وقد عُيّن هذا المؤسِسان والكيانات بموجب "الأمر التنفيذي (E.O. 13224)، الذي يستهدف الإرهابيين الذين يقدمون الدعم للإرهابيين أو يقومون بأعمال الإرهاب".
ويسعى قرار تسمية طباجة وبزي وشركاتهما وإعلان المكافآت الذي أصدرته الخارجية في 22 أبريل (نيسان) 2019 إلى الحصول على معلومات تؤدي إلى تعطيل الآليات المالية للحزب. والبرنامج يرمي أساساً إلى التحفيز على تقديم معلومات تساعد على تقديم الإرهابيين إلى العدالة ويمنع أعمال الإرهاب الدولية ضد الأشخاص أو الممتلكات الأميركية. وقد وضعت الخزانة على موقعها عنواناً بريدياً وإلكترونياً سرّياً لمن يرغب في الإفصاح عن معلومات.
كذلك يستند القرار إلى الإجراءات السابقة، المتخذة منذ العام 2018، التي ترمي إلى "الكشف عن شبكات دعم الإرهاب التابعة للحزب والاستخدام الواسع للأعمال التجارية التي تبدو شرعية لغسل الأموال وإثارة الصراع الإقليمي"، على ما جاء في بيان وزارة الخزانة، الذي أضاف أن "حزب الله" يستمر وعملائه في "استخدام أفراد الأسر وغيرهم للوصول إلى النظام المالي الرسمي في لبنان وخارجه".
ويؤكد بيان الخزانة وجوب التنبه لضمان عدم انتهاك العقوبات الأميركية، من جانب أي نشاطات مالية مشدداً على أن "وزارة الخزانة مصممة على حماية نزاهة النظام المالي الأميركي واللبناني والدولي لضمان عدم قدرة الحزب على استغلاله لتعزيز جدول أعماله السياسي أو المالي".
وفيما لم يصدر أي رد فعل عن الحزب في لبنان، خصوصاً أن القرارين الأميركيين الأخيرين جاءا غداة خطاب لأمينه العام، تناول قرار الرئيس الأميركي في شأن التضييق على صادرات إيران النفطية، تلقفت الأوساط اللبنانية القرارين بكثير من الحذر والخشية، من دون أن يصدر أي تعليق رسمي حولهما، على اعتبار أنهما شأن أميركي يتصل بحماية المصالح والأمن الأميركيين، وهما يستهدفان أفراداً ومؤسسات خاصة. لكن الثابت لدى هذه الأوساط، ما لمسته من جدية تعكس التوجه الأميركي الحاسم نحو المضي تصاعدياً في الضغط على إيران والحزب، ضمن حملة "الضغط الأقصى" التي تشنها منذ أعوام.
على المصارف توخي الدقة
حول هذا الموضوع استوضحت "اندبندنت عربية" وكيلة وزارة الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والاستخبارات المالية سيغال ماندلكر، التي أكدت أن الخزانة تسعى بإجراءاتها هذه "وراء الأشخاص أو المؤسسات التي تؤمن التسهيلات المالية لحزب الله". وقالت "مع استمرار الحزب في محاولة حجب أنشطته باستخدام أعمال تبدو شرعية، سنواصل العمل ضد الأشخاص الذين يشكلون واجهة لتلك الأعمال وحركة الأموال، بما في ذلك أقارب الإرهابيين المستهدفين".
وإذ أكدت أن إدارة بلادها "حاسمة في قرارها منع حزب الله من الولوج إلى النظام المالي العالمي بأي طريقة كانت، وأن الولايات المتحدة ستعمل بكل الوسائل المتاحة لمنع ذلك"، قللت من أهمية تأثير هذه العقوبات في لبنان، داعية المصارف إلى توخي الدقة والحذر والرقابة المتشددة لمنع تسلل عمليات الحزب إلى داخل النظام المصرفي اللبناني. وقالت إنها تتوقع من المصارف أن "تكون على دراية بالمخاطر المحدقة وأن تعمل على تشديد إجراءاتها الرقابية والتزامها تطبيق القوانين لتلافي أي تفلت".
وعن الإجراء المتخذ، الأربعاء، أكدت المسؤولة الأميركية أنه "يستهدف الحزب ومناصريه ورجال الأعمال أو الأقارب والأهل الذين يؤمنون له التسهيلات المالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعما إذا كان سيتوسع أكثر ليشمل حلفاء الحزب في السلطة، أكدت ماندلكر أن هذا الأمر ليس مطروحاً حالياً، مشيرة إلى أن "برنامج المكافآت المالية سيساعد كثيراً في الكشف عن متورطين وتقديم إثباتات في حقهم".
وأكدت أن على الحزب أن يقلق لأن العقوبات لن تتوقف، وهي الخيار الأفضل لوقف الأعمال الإرهابية التي يقوم بها.
يذكر أن وزارة الخارجية الأميركية كانت صنّفت "حزب الله" منظمة إرهابية أجنبية في أكتوبر (تشرين الأول) العام 1997، ثم أدرجته في العام 2001 كمنظمة إرهابية دولية. وهو كان صنف منذ العام 1995 ضمن لائحة الإرهابيين الذين يهددون مسار السلام في الشرق الأوسط، وأدرج في العام 2012 على لائحة العقوبات التي تستهدف الحكومة السورية وحلفاءها.