رحل صباح اليوم الشاعر اللبناني والزميل في أسرة "اندبندنت عربية" جوزيف دعبول عن 62 سنة، بعد ذبحة قلبية مفاجئة. ونعى رئيس التحرير عضوان الأحمري وأسرة المؤسسة، الفقيد الذي كان رمزاً للتفاني في العمل والزمالة.
بدأ دعبول مسيرته المهنية في التعليم ثم انتقل للعمل الصحافي في مجلة "المسيرة" وبعدها في جريدة "الحياة" اللندنية، وبعد إقفالها، انتقل للعمل في "اندبندنت عربية" عام 2019 كمدقق لغوي. ولد في قضاء عكار شمال لبنان عام 1959، وحصل على إجازة في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية.
من يعرف جوزيف دعبول، كما يطلق عليه زملاؤه في المكتب، يدرك مدى عشقه للمفردات، يتعامل مع النص على أنه طفل صغير، يجب الاهتمام والاعتناء به.
يبحث دوماً عمّا هو جديد في اللغة، يغوص في أعماقها لسبر أغوارها، ويبتسم مع كل جملة يطلع عليها. قضى دعبول حياته بين الكتب والمجلات، ولذلك حين قرّر مشاركة القراء تجربته الشعرية، كانت مختلفة وأنيقة.
كتب عن الحب بطريقة سحرية، وتخيّل حياة وعاشها، بعيداً من واقعه المرير، ورسم بمفرداته حرية بلا عادات أو تقاليد.
له ثلاثة دواوين شعرية هي "الأخبل" و"البحر وردة الرؤيا" و"ألهو بوريقاتي"، الذي ترجم إلى الفارسية. تزخر جملته الشعرية بكثافة الصور التي تتضمنها، والجهد الواضح فيها لتمييز نبرته اللغوية، كما يظهر فيها أيضاً الحب والغضب والحياة والتهكم والأمل والفرح والنشوة والمغامرة.
الكتابة بالنسبة إليه فعل يومي كالطعام أو الشراب. ثمة قلق في كل ما يفعله، رجاء للكمال والتكامل. خوف من الغدر، وتعلّق بالحياة. حين كنا نسمع ضحكاته المتعالية في المكتب، ندرك أنه يمر بلحظات سعادة غامرة.
وجّه الراحل التحية في عددٍ من قصائده إلى مقاومة كوباني ضد تنظيم "داعش"، ومقاومة "قوات سوريا الديمقراطية" ضد الجيش التركي خلال الاجتياح التركي لعفرين قبل نحو ثلاثة أعوام. كما كتبَ قصيدةً مطوّلة عن بارين كوباني، المقاتلة الكردية التي شوّه جثمانها من قبل مقاتلين أتراك خلال محاولة أنقرة السيطرة على عفرين، مُستنكراً فيها وحشية الجماعات السورية المسلحة الموالية لأنقرة.
من ديوان "البحر وردة الرؤيا" نتذكر، "لا أريد دماً جديداً ولا حديقة ولا بيتاً ولا طريقاً أريد نسيان الريح والموت وعفن الأقحوان وسراديب الورود في أوردتي".
ومن ديوان الأخبل، "خوَّضت في النهر وحملت الزبد إلى حبيبتي أطلقت عليَّ حبَّها وسألتني الإتيان بجثتي الأخرى".
أما أحدث قصيدة كتبها، فكانت قبل وفاته بقليل وخصّ بها والدته بمناسبة عيد الأم: "أمي شعور مرتبك، وعقدة اضطهاد، شتائم، وصلبان على امتداد ساحل بيروت إلى المقبرة، وأوصدتِ بابها، ولم تخرجي؟ الشجرة أمام البيت العتيق أثمرت رغم شح المياه يا أمي! فقلتِ إن موتكِ أفضل، وكم اعتذرتُ لعينيكِ المغمضتين كشمسٍ بردت في العراء، فقراتي تتفتت، أسناني تتساقط، وأرفع يديّ عارياً أمام ثلج ينهمر من شراييني، أمي، لم أستطع استعادتكِ، ولم تمشِ الكنيسة إلينا ولم يشعَّ الله!".