ملخص
اتهمت وزارة الخارجية السودانية عبر تعميم صحافي اليوم الثلاثاء، قوات "الدعم السريع" بتنفيذ تدمير معتمد للمتحف القومي السوداني "ونهب مقتنياته التي تلخص حضارة سبعة آلاف عام، مع استهداف جميع المتاحف الموجودة في العاصمة الكبرى.
"لم يبقَ سوى عدد قليل من التماثيل، مع فقدان آلاف القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن من ممالك النوبة والكوش"، عنوان عريض في "ذا غارديان" البريطانية والإشارة الواضحة هنا إلى المتحف الوطني السوداني الذي كشفت صور جديدة عن حجم النهب الذي تعرض له خلال عامين من الحرب المستمرة في البلاد، بحيث جُردت غرفه من كنوز لتاريخ عريق يمتد لآلاف السنين.
وكان مقطع فيديو نشرته صحيفة "سودان تريبيون" أظهر المتحف وقد جرّد بالكامل، فبقيت بضعة تماثيل ضخمة فقط، من بينها تمثال الملك تهارقا الذي يزن نحو سبعة أطنان، وربما كان ثقله سبباً في إنقاذه من السرقة، ليبقى الملك الذي حكم مصر وكوش (شمال السودان حالياً) من عام 690 إلى عام 664 قبل الميلاد، وفي مقاطع أخرى بدت غرف منهوبة وخزائن عرض محطمة.
وهذا المتحف يعتبر الحارس الرئيس في السودان للتراث التاريخي للبلاد وتأسس عام 1971 في بدايات عهد الرئيس السابق جعفر النميري، في إطار مشروع للتوثيق والحفظ للمواد الثقافية القديمة في السودان. أما بالنسبة إلى موقعه فهو في مكان استراتيجي في الخرطوم القديمة، حيث يطل على النيل الأزرق قبيل التقائه النيل الأبيض في مقرن النيلين.
ويتكون المتحف من قسمين رئيسين، الأول عبارة عن حديقة خارجية بها مساحات خضراء مورقة تضم قناة مائية ترمز إلى النيل، وفي هذا الموقع أعيد بناء وتجسيد آثار ومعابد من العصور النبتية (ما قبل المسيحية) والمسيحية، بعد إنقاذها من الفيضانات التي سببها بناء سد أسوان خلال الستينيات.
أما القسم الثاني من المتحف، فهو عبارة عن مبنى من طابقين يضم مجموعة ضخمة من القطع الأثرية النادرة تغطي جميع مراحل وعهود الحضارات السودانية، من أوائل العصر الحجري القديم حتى العصور النبتية والمروية والمسيحية إلى الإسلامية منذ عام 1505 بنشوء دولة الفونج أو سنار.
ويضم المتحف ما يقدر بـ100000 قطعة أثرية تعود لآلاف السنين من تاريخ البلاد، وتحظى مجموعة القطع الأثرية النادرة التي تنتمي إلى حضارة كرمة (2500-1800 قبل الميلاد) باهتمام خاص من جانب الزوار. كما أن المتحف يضم مومياوات يعود تاريخها لـ2500 قبل الميلاد، مما يجعلها من أقدم وأهم الآثار في العالم.
واتهمت وزارة الخارجية السودانية عبر تعميم صحافي اليوم الثلاثاء، قوات "الدعم السريع" بتنفيذ تدمير معتمد للمتحف القومي السوداني "ونهب مقتنياته التي تلخص حضارة سبعة آلاف عام، مع استهداف جميع المتاحف الموجودة في العاصمة الكبرى، وهي متحف بيت الخليفة ومتحف الإثنوغرافيا ومتحف القصر الجمهوري ومتحف القوات المسلحة ومتحف التاريخ الطبيعي في جامعة الخرطوم، إلي جانب متحف السلطان علي دينار بالفاشر".
وتابع البيان "في الوقت نفسه استهدفت الميليشيات دار الوثائق القومية وعددا كبيراً من المكتبات العامة والخاصة والجامعات والمعامل والمساجد والكنائس ذات القيمة التاريخية في العاصمة وود مدني، مما يوضح أن المخطط كان يستهدف محو الهوية الثقافية الوطنية"، بحسب البيان.
وكانت صحيفة "ذا غارديان" نقلت تصريحاً لأمين المتحف الإثنوغرافي في الخرطوم النذير تيراب أبكر هارون، بأن "فريقاً متخصصاً زار الموقع بعد طرد قوات ’الدعم السريع‘ لتقييم الأضرار التي ستُوثق ضمن تقرير"، موضحاً أن "المأساة كانت هائلة، إذ فقدت معظم القطع الأثرية النادرة في المتحف، إضافة إلى الذهب والأحجار الكريمة الثمينة".
وشملت السرقة العناصر المعروضة للعامة، فضلاً عن تلك المحفوظة داخل غرفة محصنة، بما في ذلك الذهب، ويخشى تهريبها إلى خارج السودان لبيعها في بلدان أخرى.
الخارجية السودانية ذكّرت بأن ما جرى عبارة عن عمل ممنهج استهدف التاريخ والتراث القومي للبلاد، موضحة أن المحفوظات الأثرية في المتحف القومي تعرضت للنهب والتهريب عبر اثنين من دول الجوار، واعتبرت في بيانها أن تلك الاعتداءات تشكل جرائم حرب بموجب المادة 8 من "نظام روما" الأساس و"اتفاقية لاهاي" 1954 لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات، و"اتفاقية يونيسكو" لعام 1970 بخصوص حظر الاتجار بالممتلكات الثقافية، كما تماثل سلوك الجماعات الإرهابية في استهداف الآثار والتراث الثقافي للمجتمعات.
وأكدت أن "حكومة السودان ستواصل جهودها مع ’يونيسكو‘ والـ"إنتربول" وكل المنظمات المعنية بحماية المتاحف والآثار والممتلكات الثقافية، لاستعادة ما نُهب من محتويات المتحف القومي وبقية المتاحف ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. وتطالب المجتمع الدولي بإدانة ذلك السلوك الإرهابي من الميليشيات ومن يقفون وراءها". وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) دعت في وقت سابق تجار الفن إلى عدم الاتجار أو استيراد أو تصدير القطع الأثرية المهربة من السودان .
وتنقل "ذا غارديان" مشاعر لسودانيين عن حجم هذه المأساة الثقافية التي تضاف إلى الوضع الإنساني، وتقول إن السودانيين شعروا بعمق بحجم الضرر الذي لحق بالمتحف والتراث السودانيين. وتنقل عن هالة الكارب، وهي ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة السودانية أن "رؤية متحف السودان الوطني ينهب ويدمر على يد قوات ’الدعم السريع‘ كانت من أكثر الجرائم إيلاماً... لقد شعرت بالخجل والغضب"، فبالنسبة إليها وإلى أصدقائها يمثل المتحف ذكريات لا تنسى، إذ كنّ خلال أعوام الدراسة يتجولن في المبنى معجبات بالقطع الأثرية من الممالك القديمة، ويتظاهرن مازحات بأنهن الملكات اللواتي جرى تصويرهن.