عندما بنت السعودية أركان التحالف العربي في اليمن، أوضحت أنه لا مصلحة لها من الحرب، وأن تدخلها يأتي لإنقاذ ما تبقى من الحكومة الشرعية، بعد التمرد الذي بدأه الحوثيون عام 2013، وأدى بعد عام إلى الاستيلاء على العاصمة صنعاء، ومن ثم التصعيد ضد العاصمة المؤقتة عدن، حيث يقيم الرئيس عبد ربه هادي منصور، ما فاقم معاناة الشعب اليمني، وزاد من قسوة الظروف المعيشية.
تبعات الدعوة لحل سياسي
وفيما يكمل التحالف العسكري بقيادة السعودية هذا الأسبوع عامه السادس منذ انطلاقه في عام 2015، ولم يتبقَ إلا أسابيع قليلة على مرور الذكرى السادسة لقرار مجلس الأمن الدولي 2216، الداعم للرئيس هادي ولجهود دول مجلس التعاون الخليجي، بدأ تغير موقف بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة بشأن الأزمة اليمنية يثير التساؤلات، فبعد ما قدمت إدارة أوباما الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للتحالف، وصنفت إدارة ترمب الحوثيين جماعة إرهابية، أفصح بايدن عن نهج جديد عنوانه إنهاء الحرب.
ففي الوقت الذي رفعت فيه الولايات المتحدة مستوى التنسيق مع الرياض والحكومة اليمنية، وأثيرت الأحاديث حول لقاء سري بين مسؤولين أميركيين وقياديين حوثيين، في العاصمة العمانية مسقط، وفقاً لما أفادت به "رويترز"، شهدت المدن السعودية تصعيداً حوثياً بالمسيرات والصواريخ الباليستية، ما زاد التكهنات حول قدرة الإدارة الأميركية على تحقيق هدف إنهاء الحرب، وعما إذا كان التلويح بالحل السياسي بعد تعيين المبعوث الخاص تيم ليندركينغ، سيدفع الحوثيين فعلاً لإيقاف الهجمات الصاروخية المستمرة على الأراضي والسعودية والمحافظات اليمنية التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.
وفور تصعيد جماعة الحوثي بإطلاق 10 طائرات من دون طيار، استهدف بعضها مدناً سعودية، وذلك في أعقاب إلغاء تصنيفهم منظمة إرهابية، شن التحالف العسكري لدعم الشرعية، هجمات دقيقة استهدفت مواقع ومعسكرات تابعة للميليشيات وتجمعاتها في صنعاء وعدد من المحافظات، وقال التحالف في بيان، "رفع الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية فُسّر بطريقة عدائية من الميليشيات"، مشيراً إلى أن الواقع وانتصارات الجيش اليمني والقبائل بمأرب تفسر وتيرة التصعيد.
وبعد إيقاف الدعم الأميركي للعمليات العسكرية في اليمن، بادرت إدارة بايدن بإلغاء التصنيف الإرهابي للحوثيين، وبررت خطوتها بأنها تهدف إلى تقليل آثار الكارثة الإنسانية التي يمر بها اليمن، ولا علاقة لها بموقفها الرافض لهجمات الميليشيات على حليف واشنطن الوثيق في المنطقة. وفيما بعث الخطاب الأميركي المؤكد على مبدأ الدفاع عن الحلفاء رسالة مطمئنة للسعودية، فإنه بحسب مراقبين، ليس كافياً بعد تجميد مبيعات الأسلحة الأميركية للرياض، وأبوظبي التي كانت ركناً رئيساً في التحالف العربي.
دوافع الدعم المطلق
متغيرات الساحة تعيدنا سنوات إلى الوراء، وذلك حين نجحت الدبلوماسية السعودية في 26 مارس (آذار) 2015 في تمرير قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي أكد على عبد ربه منصور هادي كرئيس شرعي لليمن. جاء القرار بعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وفر الرئيس هادي، إلى مدينة عدن، ومن ثم استنجد بالرياض عسكرياً.
أعطى تصويت أعضاء مجلس الأمن الـ15، عدا روسيا على مشروع القرار العربي زخماً معنوياً لتحالف دعم الشرعية، وعكس أيضاً الدعم الغربي لمساعي السعودية وحلفائها في مساعدة الحكومة اليمنية، وربما اعتبار المجتمع الدولي، استيلاء الحوثيين على الحكم، انقلاباً مدعوماً من إيران، رغم نفي الأخيرة في ذلك الوقت دورها في اليمن، وفقاً لتصريحات وزير خارجيتها جواد ظريف.
لكن النهج الجديد الذي اعتمده بايدن في اليمن وإيقافه دعم التحالف، يتعارضان مع سياسة الولايات المتحدة عندما اندلعت الحرب الأهلية في اليمن، إذ قدمت إدارة الرئيس أوباما الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للرياض لمساعدة حكومة هادي، ويمكن تبرير هذا الاختلاف بمقتضيات التوقيت، إذ يرى بيتر سالزبوري المتخصص في الشؤون اليمنية، أن صناع السياسة الأميركيين احتاجوا آنذاك إلى إظهار دعمهم السعودية، وتهدئة مخاوف المسؤولين الخليجيين، سعياً لإنجاح محادثات الاتفاق النووي الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول سالزبوري، إن واقع اليمن أكثر تعقيداً مما يعتقد بايدن، فإنهاء الحرب لا يتوقف على إقناع الرياض، إذ أرادت الأخيرة انتهاء الصراع منذ سنوات، لكن التحدي الأساسي يتمثل في إقناع الحوثيين، مشدداً في مقالة نشرتها "بلومبيرغ"، على ضرورة أن يوقف الحوثيون استهدافهم المدن السعودية، وإقناع الرئيس هادي لقبول صيغة تفاهم مشتركة، كما يشير إلى أن إمداد إيران حليفها اليمني بالأسلحة، رغم نفي طهران لذلك، ينضم إلى العوامل الأخرى التي تدفع إدارة بايدن إلى الاكتشاف بأن أزمة اليمن بلا خيارات جيدة.
تداخل المصالح
وفي الوقت الذي يهدف فيه بايدن إلى استعادة الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران، بعد ما انسحب منه سلفه دونالد ترمب عام 2018، قال مسؤول سعودي طلب عدم نشر اسمه، لـ "رويترز" إن "التصعيد العسكري ضد مأرب وغيرها يظهر أن إيران تريد الضغط على الولايات المتحدة بشكل غير مباشر بشأن الملف النووي".
لكن بصورة عامة، يبدو أن إدارة بايدن تعتمد نهج الجزرة والعصا في اليمن، فهي كما ألغت التصنيف الإرهابي على الحوثيين، فرضت لاحقاً عقوبات على اثنين من القادة العسكريين للجماعة.
إلا أن السعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً في اليمن منذ 2015، تتمسك بموقفها الذي يرى ضرورة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وتحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن بسبب "إيقاف المساعدات، أو سرقتها لتمويل آلة الحرب" وفقاً لتصريحات وزير الشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير.
وتساءل الجبير، خلال مقابلة أخيرة مع موقع "عرب نيوز"، لماذا ينظر إلى تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية بأنه سيمنع وصول المساعدات، في الوقت الذي تصنف طالبان جماعة إرهابية ولم يمنع ذلك وصول المساعدات إلى أفغانستان؟
وذكر الوزير السعودي جماعات أخرى في قوائم الإرهاب، متمركزة في بلدان يستمر تدفق المساعدات الإنسانية إليها، مثل "داعش" في سوريا، و"حزب الله" في لبنان، و"جماعة الشباب" في الصومال، معرباً في هذا السياق عن استغرابه من إسقاط الحوثيين من قائمة الإرهاب بذريعة الوضع الإنساني.
مع ذلك، يصر المسؤولون السعوديون على عدم وجود اختلاف بين إدارتي بايدن وترمب فيما يتعلق بالتزامات واشنطن تجاه الدفاع عن السعودية، فضلاً عن موقف الرياض الداعم لرغبة الإدارة الحالية إنهاء الحرب، لكن السعودية وفقاً لـ"رويترز"، "تريد مزيداً من الضمانات بشأن أمن حدودها وكبح نفوذ إيران في اليمن".