Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصمد أوكرانيا أمام عملية "ضربة قاضية" الروسية في كورسك؟

يعد خبراء أن السؤال الرئيس هو حول عدد الإصابات التي يمكن أن يلحقها جنود كييف بالروس كثمن لاستعادة أراضي المنطقة

"سولنتسيبيوك" قاذفة صواريخ متعددة تابعة للجيش الروسي تطلق النار على مواقع أوكرانية في منطقة كورسك (أ ب)

ملخص

حصل التقدم الروسي الظاهري في كورسك خلال وقت تزايدت فيه التساؤلات، بعد إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، في شأن النهج المستقبلي لواشنطن في دعم أوكرانيا، وفي شأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقدم تنازلات محتملة لموسكو، وبخاصة أن ترمب صرح سابقاً أنه قادر على إنهاء الحرب الروسية خلال يوم واحد.

بعد أشهر من التقدم داخل الأراضي الروسية في أعقاب هجوم جريء شنته القوات الأوكرانية الصيف الماضي، صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن بلاده تخوض اليوم معركة ضد قوات روسية قوامها 50 ألف جندي، حشدهم فلاديمير بوتين في منطقة كورسك الحدودية.

التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية كان أكبر عملية من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، محدثاً مفاجأة لموسكو وحتى لأقرب حلفاء كييف.

لكن على رغم تمكن الجيش الأوكراني من التمركز في عمق منطقة كورسك، أثار الهجوم ردود فعل متفاوتة من المحللين، إذ تساءلوا عن مدى حكمة إبعاد قوات دفاعية حيوية من القتال في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، حيث تواصل قوات بوتين إحراز تقدم مستدام وتحقق مكاسب متتالية منذ بضعة أشهر.

وفي هذا السياق، كشف عدد من كبار المسؤولين الأوكرانيين لـ"اندبندنت" خلال أغسطس (آب) الماضي أنهم اعتبروا هجوم كورسك أداة "نفسية" حيوية لدفع فلاديمير بوتين نحو طاولة المفاوضات، مشيرين إلى أن قوات كييف نجحت في التمسك بمواقعها داخل كورسك لفترة أطول بكثير مما توقعه بداية بعض المحللين.

غير أن موسكو تسعى الآن إلى استعادة أراضيها، وسط تقارير تفيد بتمركز آلاف الجنود الكوريين الشماليين في كورسك. وفي المقابل زعم الجيش الأوكراني أن روسيا تكبدت خسائر فادحة على مدى يومين متتاليين، في إشارة إلى أن حدة القتال تتصاعد وإلى أن المعارك تكتسب زخماً جديداً.

وفي حديث مع "اندبندنت" كشف أندرو بيربيتوا الذي يرصد الخسائر الميدانية الروسية على الجبهة، أنه اطلع أخيراً على تقارير نشرتها عائلات عن فقدان أفرادها خلال هجوم كورسك، مشيراً إلى أن توثيق مثل هذه الحالات يستغرق عادة ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع.

وعلى رغم الغموض حول أسباب هذا التسارع المفاجئ في الأحداث، تحدث عن "احتمال أن يكون عدد القتلى كبيراً لدرجة تزيد من احتمالية العثور عليهم، حتى وإن كانت الفرص ضئيلة".

ومن جهته، يرى المؤرخ مارك غاليوتي مؤلف كتاب "مصقول في الحرب: تاريخ روسي عسكري" Forged in War: A Military History of Russia، أن التقارير عن ارتفاع الخسائر بين الروس لا تعكس فقط تصعيداً في حدة القتال، بل تكشف أيضاً مدى استعداد موسكو لتحمل هذا المستوى من الإصابات. وأوضح قائلاً "يكشف ذلك مدى استعداد موسكو لتكبد الخسائر، وتحديداً لأنها [أي روسيا] مقيدة بجدول زمني".

 

من ثم، حصل التقدم الروسي الظاهري في كورسك خلال وقت تزايدت فيه التساؤلات، بعد إعادة انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، في شأن النهج المستقبلي لواشنطن في دعم أوكرانيا، وفي شأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقدم تنازلات محتملة لموسكو، وبخاصة أن ترمب صرح سابقاً أنه قادر على إنهاء الحرب الروسية خلال يوم واحد.

ولفت الدكتور غاليوتي قائلاً "إن الميزة الكبرى التي تمتع بها الأوكرانيون في كورسك تكمن في أن التركيز حتى الآن كان منصباً على قطاع دونباس [الذي يشمل منطقتي دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا]، وهو المكان الذي تمركزت فيه الجيوش المخضرمة وما إلى ذلك... والآن، ووسط احتمال وقف إطلاق النار وتجميد العمليات العسكرية على الجبهة مع تسلم ترمب مقاليد الرئاسة بات واضحاً أن بوتين يسعى جاهداً إلى القضاء على محور كورسك الاستراتيجي قبل تنصيب ترمب. وبرأيي هذا تحديداً ما نشهده اليوم".

 لكن الدكتور غاليوتي أضاف "يمكنهم الاستمرار في تحمل هذا الكم من الإصابات إلى ما لا نهاية. لكن بالنظر إلى ما يسعون إلى تحقيقه خلال الفترة المتبقية من العام، يبدون مستعدين لتحمل مزيد من الخسائر لاختبار مدى تقدمهم [على الجبهة]".

 

أما محلل المصادر المفتوحة إميل كاستيلمي الذي يتابع مستجدات الحرب لمصلحة مجموعة "بلاك بيرد غروب" Black Bird Group الفنلندية، فيرى أنه حتى حال خسارة ترمب الانتخابات الأميركية، "لكانت روسيا ستواصل محاولاتها الهجومية في كورسك"، مرجحاً أن تكون خطط الهجوم المضاد داخل كورسك وضعت قبل وقت طويل من يوم الانتخابات".

ولفت كاستيلمي إلى أن "المنطقة التي تسيطر عليها أوكرانيا، حتى في أقصى مداها، مؤلفة من أراض ريفية في منطقة حدودية تضم بضع عشرات من القرى، إلى جانب بلدة صغيرة يقطنها 6 آلاف نسمة". وأضاف أن "العمليات البرية الأوكرانية لم تكن قادرة على تهديد أي من الطرق اللوجستية أو المنشآت العسكرية أو المدن أو البنى التحتية ذات الأهمية".

لذا، قال إنه يفهم السبب الذي يجعل موسكو غير مضطرة لاتخاذ أية مبادرة فورية لحشد قوة كبيرة في كورسك، وبخاصة أنها تمكنت في السابق من استعادة نحو نصف الأراضي التي سيطرت عليها أوكرانيا، بالاعتماد على عدد أقل من القوات.

لكن أيضاً برر المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة "كيل" البريطانية بولنت غوكاي بالقول إن إعادة انتخاب ترمب زادت من إلحاح روسيا على استعادة كورسك. وخلال الوقت نفسه منحت زيلينسكي حافزاً لمواصلة سيطرة أوكرانيا على المنطقة، وحذر من أن "محاولة الإبقاء على هذه الأراضي ستكون مكلفة جداً للجنود الأوكرانيين".

 

أما عن احتمال نجاح الروس في استعادة كورسك، فيرى غاليوتي أنها "فعلاً مسألة موارد. ولست مقتنعاً من أنهم سيتمكنون من ذلك من دون نقل بعض القوات من جبهة دونباس [دونيتسك]... من ثم، يبقى السؤال حول مدى عزم بوتين وإصراره. فإذا كان مصراً على تدمير جبهة كورسك الاستراتيجية بحلول مطلع يناير (كانون الثاني)، وإن كان مستعداً لنقل الموارد اللازمة إلى المنطقة، فالجواب هو نعم، سيتمكن من استعادتها".

وفي شأن المساعي إلى حشد الموارد على جبهة شرق أوكرانيا عدَّ الدكتور غاليوتي أن الهدف هناك أيضاً هو الاستيلاء على أكبر عدد ممكن من الأراضي بحلول العام الجديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع أن الدكتور غاليوتي استبعد أن تتمكن روسيا من فرض سيادتها على أية مدن أو بلدات رئيسة أخرى شرق أوكرانيا، إلا أنه اعتبر أن بوتين سيكون "شديد الامتنان" حيال التقدم الروسي المحرز في حال تجميد الجبهات موقتاً خلال عام 2025، كونه استولى بصورة غير متوازنة على عدد كبير من الأراضي التي يقطنها سكان ناطقون باللغة الروسية شرق أوكرانيا.

ومع ذلك، قد تثير أية خسائر إضافية تتكبدها كييف شرق أوكرانيا تساؤلات سياسية صعبة حول مدى حكمة التوغل إلى كورسك.

وفي سياق متصل، يرى المحلل السابق في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الدكتور باتريك بوري الذي يعمل الآن في جامعة "باث" البريطانية، أن تعليقات زيلينسكي عن قوة عسكرية قوامها 50 ألف جندي داخل كورسك تتوافق مع تأكيدات المسؤولين الأوكرانيين أنهم يجذبون القوات الروسية التي كانت ستنتشر في أماكن أخرى.

ويضيف "السيف ذو الحدين هو أن الروس قد يكون لديهم تفوق عددي بنسبة خمسة إلى واحد في حال كان ذلك صحيحاً. وربما كانوا يواجهون هجوماً كبيراً في المنطقة... لسوء الحظ، على رغم أن هذه الخطوة نجحت في حشد الموارد الروسية هناك، فإن ذلك لم ينجح في إضعاف الجبهات [الشرقية] بصورة جذرية كما كانوا يأملون".

 

وفي حين أن حشد القوات الكبير هذا يشير إلى نية روسيا في محاولة سحق جبهة كورسك الاستراتيجية "بضربة قاضية" قبل الدخول في أية مفاوضات محتملة، يلفت الدكتور بوري إلى أن الآفاق الأوكرانية تعتمد بصورة كبيرة على المعنويات، وعلى نوعية التناغم بين الجنود المتمركزين في المنطقة.

وأكد قائلاً "إذا صمدوا واستمروا في القتال فلديهم مراكز دفاعية جيدة نسبياً، إضافة إلى ضفاف نهر يمكنهم استخدامها للدفاع عن أنفسهم. من ثم إذا تمكنوا من الصمود فعلينا أن نتوقع أن تكون المعركة دامية ومكلفة للروس، مع احتمال أن تمنعهم من تحقيق مكاسب تراكمية".

وأضاف "وفي حال أنهكت قواهم أو خارت عزيمتهم، فقد تتسارع الأمور. لكن –ولو كانت في أحداث الماضي دلالة على الحاضر– فقد اعتدنا على حصول حرب استنزاف ومعارك ضارية مع الروس، تكبدوا فيها خسائر كبيرة، لكنهم عادوا واستولوا على الأراضي الأوكرانية تدريجاً".

وصحيح أن الدكتور بوري أشار إلى أن روسيا في الماضي كانت مضطرة لبناء جيش "بعدد هائل" من الجنود للتفوق على الأوكرانيين. لكنه لفت إلى أن أية قوة تضم 50 ألف جندي في كورسك "ستكون على الأرجح مزيجاً متفاوتاً جداً من الجنود، بدءاً بعناصر النظام العسكري الأقل كفاءة ومروراً بقوات عالية الكفاءة ووصولاً إلى العنصر المجهول تماماً، والمتمثل بجنود كوريا الشمالية.

وختم الدكتور غاليوتي قائلاً "إن كورسك مع ذلك لن تصمد [بين أيادي الأوكرانيين]"، مضيفاً أن "السؤال الفعلي هو حول عدد الإصابات التي يمكن إلحاقها بالروس كثمن لاستعادة المنطقة، وإلى أي مدى سيضطر بوتين إلى خفض الأولوية عن مهاجمة دونباس".

© The Independent

المزيد من تحلیل