على الرغم من وفرة الإثباتات وتكرار التطمينات من الجهات التنظيمية بأن "لقاح أكسفورد/أسترازينيكا" آمن للاستخدام، ما زالت الثقة باللقاح المنقذ للحياة في أدنى مستوياتها. بدءاً من الأسئلة حول فاعليته بالنسبة إلى المسنين، ووصولاً إلى تقارير عن معاناة بعض متلقيه تجلطات في الدم، تعثر نشر اللقاح مرات عدة وتعرض إلى التأخير خارج بريطانيا.
في الإثنين الماضي، بعثت بيانات تجارب مشجعة من الولايات المتحدة على الأمل بتهدئة أي شكوك ما زالت تحيط باللقاح نهائياً. في المقابل، لم تمض سوى ساعات قليلة قبل أن يثير مسؤولون صحيون أميركيون القلق مجدداً حول اعتماد شركة "أسترازينيكا" على "بيانات قديمة" في دراستها الموسعة، ما يحمل إمكانية أنها أعطت "صورة غير مكتملة عن بيانات الفعالية". واستطراداً، أورد الدكتور آنثوني فاوتشي، كبير المستشارين الطبيين في البيت الأبيض، أن تفسير الشركة لنتائج التجارب، بدت "في ذهني... هفوة" unforced error.
وكذلك علق فاوتشي على الأمر نفسه صبيحة، الثلاثاء الماضي، "كنت مصعوقاً بعض الشيء" بدرجة إيجابية النتائج حتى بالمقارنة مع بيانات تجارب سابقة أصدرتها الشركة. وأضاف، "شعرنا أنه لا يمكننا التزام الصمت".
وبالنتيجة، تهدد هذه الانتكاسة بإضعاف الثقة أكثر في اللقاح الذي ينتظر ملايين الأشخاص حول العالم الحصول عليه.
إذ تشير دراسات عدة إلى أن أجزاء كبيرة من أوروبا فقدت تماماً الثقة في اللقاح فعلياً، بعد أن لقي ترحاباً على اعتبار أنه قد ينذر بنهاية الجائحة بفضل بساطة متطلباته اللوجستية، وأهمها أنه يمكن حفظه في درجة حرارة البراد طيلة أشهر، إضافة إلى تدني كلفته.
وجد استطلاع جديد للآراء أجرته مؤسسة "يوغوف" على 8 آلاف شخص من كل أنحاء القارة الأوروبية، أن 55 في المئة من الألمان باتوا يعتبرون اللقاح غير آمن، ما يشكل زيادة بـ15 نقطة خلال شهر واحد، فيما يعده 32 في المئة منهم آمناً. وفي فرنسا، اعتبر 61 في المئة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم أن ["لقاح أسترازينيكا"] غير آمن. وكذلك سجلت إيطاليا وإسبانيا ارتفاعاً يقدر بـ27 نقطة في نسبة الأشخاص الذين فقدوا ثقتهم في اللقاح.
في مقلب مغاير، لم تسجل أي زيادة في المخاوف بشأن لقاحات الحمض النووي الريبوزي التي تصنعها شركتا "بيونتك" و"مودرنا". وربما يكون ذلك مصدر تعزية بعض الشيء لكن بما أن الغرب حجز أغلبية الكمية المتاحة من اللقاحين حتى الآن، بات باقي العالم أكثر اعتماداً على خيار "أسترازينيكا" الذي بات موضعاً لشكوك عدة.
وفي هذا السياق، أصدرت "معاهد الصحة الوطنية" الأميركية بياناً نادراً شككت فيه بنتائج آخر دراسة سريرية للقاح.
وشدد الدكتور فاوتشي على أنه "من المرجح" أن اللقاح ما زال "جيداً جداً" لكنه شرح أن "مجلس مراقبة البيانات والسلامة" في "معاهد الصحة الوطنية"، أعرب عن "القلق" من أن تكون المعلومات الموجودة في البيان الصحافي الذي نشرته "أسترازينيكا" قد باتت "قديمة بعض الشيء، وربما تكون مضللة قليلاً في حقيقة الأمر".
ولاحقاً، أدلى فاوتشي بتصريح إلى صحيفة "فايننشال تايمز"، ورد فيه أنه "عندما رأوا البيان الصحافي، انزعجوا كثيراً. وشعرنا بأنه من الضروري بالنسبة لنا بصفتنا "معاهد الصحة الوطنية" أن نقدم رداً ما في شكل من الأشكال، وإلا سيبدو كأننا نخفي أمراً".
وأضاف، "هذا من دواعي الأسف فعلاً. لأن اللقاح جيد جداً على الأرجح. وهذا لا يزيد الوضع سوى مزيد من الارتباك".
وفي نفس مشابه، أوضح ستيفن إيفانز، بروفيسور في علم الأدوية الوبائية في "كلية لندن للصحة العامة وطب المناطق المدارية" أنه "من غير المستغرب" أن يجري التشكيك في نتائج التجارب. وفي المقابل، أضاف أن ذلك "يحدث غالباً في جلسات خاصة، ما يعني أن هذا الموضوع غير مسبوق، بحسب رأيي".
في تطور متصل، تستمر تجارب "أسترازينيكا" التي أطلقت في بعض مناطق أميركا وتشيلي وبيرو، فيما تستند النتائج التي أعلنت، الإثنين الماضي، على تحليل مبدئي لبيانات ينتهي مداها الزمني في 17 فبراير (شباط) 2021، وهو تفصيل لم تكشف عنه الشركة قبلاً.
وهذا يعني أن أي تطور مهم حدث في التجربة بعد ذلك التاريخ، وقد يؤثر على النتائج المستخلصة بشأن فعالة اللقاح وسلامته، لم يؤخذ بعد بعين الاعتبار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، بينما لم تضع "أسترازينيكا" ذلك التسلسل الزمني في بيانها الصحافي، أوضحت أن نتائجها غير نهائية أو قطعية. وذكرت تلك الشركة العملاقة في صناعة الأدوية أنها سوف "تواصل تحليل البيانات وتحضير التحليل الأولي بهدف رفعه" إلى هيئة تنظيم الأدوية الأميركية "خلال الأسابيع المقبلة".
واقعياً، لا بد أن المشهد في أميركا تغير كثيراً منذ 17 فبراير، بالنظر إلى تفشي النسخة المتحورة من كورونا المعروفة باسم "طفرة كنت" التي تتميز بأنها شديدة العدوى. وقبل شهر، توقعت "مراكز ترصد الأمراض والوقاية منها" في أميركا أنها ستصبح الطفرة الطاغية مع حلول مارس (آذار)، ما قد يؤدي إلى معاودة ارتفاع الحالات.
وفي ذلك المنحى، توقع البروفيسور إيفانز أن أحد التفسيرات عن بيان "معاهد الصحة الوطنية" الأميركية "قد يكون" أن تجارب "أسترازينيكا" تجري "في أماكن تنتشر فيها، أخيراً، حالات كثيرة متأتية من الطفرة الجديدة". ومع ذلك، بينت دراسات في المملكة المتحدة وغيرها من المناطق، أن اللقاح ما زال فعالاً في القضاء على "طفرة كنت"، ما يثير أسئلة حول حقيقة المشكلة.
في ذلك الصدد، أشار البروفيسور إيفانز إلى أنه غير مهتم بهذا التطور الأخير، "سوى أنهم وجدوا مشكلة في السلامة جرى التكتم عليها، ولا يبدو أن تلك هي الحالة".
وفي سياق متصل، صرح الدكتور ستيفن غريفين، خبير الفيروسات في "جامعة ليدز" بأن كل هذه القصة سلطت الضوء على "أهمية توفير البيانات تزامناً مع الإعلان عن خلاصة النتائج".
وفي تطور له دلالة، أعلنت "أسترازينيكا" أنها سوف تنشر مزيداً من البيانات حول تجارب لقاحاتها "خلال 48 ساعة". وكذلك أوضحت "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية نيتها إجراء مراجعة مستقلة "لكل معلومة بنفسها"، بدل الاعتماد حصرياً على الشركة أو أي تفسير آخر.
وفي هذه الأثناء، ستتابع بقية العالم ما يجري، وتنتظر إجابات على حدث مربك جديد من المرجح أن يثير مخاوف بشأن اللقاح.
واتصالاً بذلك، لا شك أن حملة "أسترازينيكا" الإعلامية لم تكن خالية من الأخطاء خلال الجائحة. إذ لم تفصح بداية عن تفاصيل الخطأ في الجرعات الذي أدى "صدفة"، بحسب تعبير أحد مسؤولي الشركة، إلى تحسين معدلات فاعلية اللقاح. وبعد ذلك، ثارت حالة من الارتباك بشأن استراتيجية الشركة غير الاعتيادية في جمع البيانات من التجارب السريرية ضمن تحليلاتها التي تجري في المملكة المتحدة.
وكخلاصة، قد لا يكون مفاجئاً أن البلد الذي نظر إلى اللقاح بارتياب طيلة أشهر يواصل الحذر منه الآن. ومن الناحية الواقعية، لن نستطيع أن نستنتج مدى تبرير تلك المقاربة أو من يتحمل مسؤولية الهفوة الأخيرة، إلا عبر إعادة النظر في هذه الحوادث بعد مرور فترة من الزمن.
© The Independent