كشف تقرير محكمة المحاسبات حول تسجيل تبرعات لحركة النهضة بين سنتي 2016 و2018 أن وصولات التبرع وقائمة التبرعات تضمنت هويّات وأرقام بطاقات هوية 68 متبرّعاً، تبين أنهم متوفون عند تاريخ تسجيل التبرّعات، ومنهم 25 شخصاً تراوحت تواريخ وفاتهم بين ثلاث سنوات إلى 11 سنة قبل موعد التبرّع.
وجاء هذا الاعلان المفاجئ خلال ندوة صحفية لمحكمة المحاسبات، نظمت 24 أبريل (نيسان) قدمت خلالها ملخصاً للتقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملة الانتخابية لعضوية المجالس البلدية سنة 2018.
حركة النهضة قدمت لدائرة المحاسبات تبريرات لهذه التبرعات في 11 حالة بان المتبرع كان أحد اقارب الشخص المتوفي، وأن البقية اخطاء في تدوين الأرقام والأسماء، فضلاً عن اخطاء موجودة في سجلات التبرع ناتجة عن سهو غير مقصود في تدوين البيانات.
انتقادات بالجملة وتشكيك في مصادر التمويل
وعلى إثر انتهاء الندوة الصحفية للمحكمة، اشتعلت المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر الخبر والتعليق عليه خصوصاً وأن كثيراً من الاتهامات والشبهات حول التلاعب بالسجلات الانتخابية واستعمال اسماء الموتى في التصويت لبعض الاحزاب ما زالت تفرض نفسها بقوة في تونس، بالتزامن مع فتح باب التسجيل مرة اخرى لمن يريدون المشاركة في التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة نهاية هذه السنة.
التقرير توجه بكثير من الملاحظات لطرق تصرف بقية الاحزاب والقائمات المستقلة التي شاركت في الانتخابات البلدية، وهذا ما جعلها تصمت عن توجيه انتقادات لحركة النهضة حول تفردها بتبرع الاموات لحملتها الانتخابية. وكان للتقرير صدى كبير في المجتمع المدني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي سخرت بشكل كبير من تبرع الاموات بالأموال للحركة.
فساد... للبقاء في الحكم؟
وقالت الناشطة في المجتمع المدني ورئيسة جمعية نبض الوطن السيدة ابتسام جمعة في تصريح لـ "اندبندنت عربية" "فضيحة تمويل الأموات لانتخابات البلدية لحركة النهضة كانت مدوية خصوصاً في مثل هكذا توقيت، ولم يبق على إجراء الانتخابات الا أشهر عدة، مع تصريحات الكثيرين من المواطنين بعدم المشاركة بعد تدهور الأوضاع للأسوأ وخيبة الأمل بعد انتخابات 2014، بعد قضية الجهاز السري الذي تمتلكه النهضة والذي أحدث بلبلة في صفوف التونسيين، والمطالبة بنتائج التحقيق في المسألة قبل الانتخابات والان تحقيق جديد يبين أمواتاً يتبرعون بمبالغ كبيرة في الانتخابات البلدية وهذا ينمي شكوكنا في تطبيع حزب النهضة مع الفساد واستعمال كل الوسائل مهما كانت منافية للمنافسة النزيهة للبقاء في الحكم".
تبريرات لا تقنع
القيادي في حركة النهضة ورئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية والناشط الاسلامي رضوان المصمودي علّق على ما جاء في تقرير دائرة المحاسبات حول تبرّع 68 من المتوفين لحركة النهضة بالقول "من الطبيعي جدّا" أن يضع مناضل أو منتم أو متعاطف مع حركة النهضة وصيته تبرعاً للحركة، "ومن العادي جدّاً" أن يقوم ورثته بتسليم هذا المبلغ لفائدة حركة النهضة.
الموقف القانوني من تبرع الاموات
هذا التبرير اعتبره المحامي رمزي الجبابلي مخالفاً للقانون لأن المتبرع يجب ان يملك الأهلية والشخصية المعنوية والقانونية واهلية التصرف في امواله العينية، وبوفاة الشخص تنتفي الأهلية والوجود القانوني للشخص. أضاف الجبابلي أن الموضوع اليوم سياسي واخلاقي بامتياز لأن هناك تلاعباً في التقرير المالي المقدم من الحركة، وتبرير التبرعات من شخصيات متوفيه منها من توفي قبل 12 سنة أمر يرتّب مسؤولية سياسية واخلاقية وقانونية تتعلق بالقوانين المتبعة في مجال تمويل الأحزاب وتثبت تلاعباً في الطرق المحاسبية للحزب.
الحكومة ملزمة باتخاذ موقف
واوضح المحامي الجبابلي أن هذه القضية سيكون لها تأثير وانعكاس كبيران على مصداقية الاحزاب في الانتخابات المقبلة، ودور الدولة في تأمين نزاهتها وشفافيتها، لأن هذه الممارسات تؤدي لعدم تكافؤ الفرص بين المتنافسين، وهذه الاموال التي أتت مصادرها مجهولة وقرينة سوء النية موجودة باعتبار عدم معرفة من أين أتت وكيف استعملت.
وحول مسؤولية الحكومة قال الجبابلي إن رئاسة الحكومة والكتابة العامة للحكومة ملزمة باتخاذ موقف، لأن كل الاحزاب والجمعيات تخضع لها ومثل هذه المخالفات الجسيمة في التمويل تفرض اتخاذ إجراءات قانونية بحقها وعلى النيابة العمومية أن تتحرك لفتح بحث تحقيقي في الموضوع.
النهضة تعترف بالأخطاء وتنفي مسؤوليتها
حركة النهضة استشعرت بخطر التقرير وتفاعل الرأي العام معه فسارعت لعقد مؤتمر صحفي في 25 أبريل قال فيه الناطق الرسمي باسم الحركة عماد الخميري "إنه من الطبيعي أن توجد اخطاء بسيطة بخصوص التقارير المالية للحركة مقارنة بعدد اعضائها الذي يفوق 100 ألف". وسعى الخميري إلى عكس الهجوم على المحكمة التي قال إنها تجاهلت في تقريرها الاشارة الى التقرير المفصل الذي سلمته الحركة للمحكمة بخصوص اوضاعها المالية وردود مفصلة عن الشبهات والتجاوزات التي وردت في التقرير.
تبرير التمويلات المشبوهة
في المقابل، اعتبر القيادي في الجبهة الشعبية عمار عمروسية أن حركة النهضة لا تستطيع التشكيك في تقرير دائرة المحاسبات التي كشفت عن أن النهضة تتلقى اموالاً مشبوهة. أضاف عمروسية أن حركة النهضة ستعمد للمراوغة لعدم تقديم توضيحات حول مصادر تمويلها، وان على الحركة التقدمية في تونس رفع الصوت عالياً من اجل إجبارها على تقديم توضيحات مقنعة حول التقرير ومصادر تمويلها المشبوهة.