تراوح الأزمة السياسية في تونس مكانها، وسط تمسك كل طرف بموقفه، بينما تتدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ما دفع بعدد من الشخصيات السياسية والأحزاب إلى الدعوة لكسر جمود هذه الأزمة، وتذويب جليد الخلافات بين الأطراف المتنازعة، والتفرغ للحوار الوطني، الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، وتفاعل معه إيجابياً في الفترة الأخيرة رئيس الجمهورية قيس سعيد، من أجل الخروج بحلول تضع حداً لنزيف الاقتصاد الوطني، وتسهم في الحد من التداعيات الاجتماعية الخطيرة، لجائحة كورونا ولعدم الاستقرار السياسي.
برنامج اقتصادي للإنقاذ
ومن بين المبادرات لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة، مبادرة الاتحاد الشعبي الجمهوري (ممثلاً بثلاث نواب في البرلمان)، بقيادة لطفي المرايحي، الذي دعا في حديث لــ"اندبندنت عربية"، إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، بمشاركة جميع الجهات السياسية الراغبة في إنقاذ البلاد، من الوضع الراهن الذي تردت فيه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وعلى ألا تتجاوز فترة مفاوضات تشكيلها مدة الشهر، يتم خلاله ضبط برنامج اقتصادي حقيقي، للإنقاذ الوطني، وتتخلى بموجبه حكومة هشام المشيشي لتحل محلها الحكومة الجديدة.
وبين المرايحي، أن المبادرة تتضمن أيضاً، التزام مجلس نواب الشعب، باستكمال تركيز المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، وهيئة مستقلة للإعلام والاتصال، ومراجعة قانون الأحزاب، وتنظيم تمويلها، مع الاتفاق على هدنة اجتماعية لا تقل عن ستة أشهر.
استقالة الغنوشي
واعتبر المرايحي أن ما يُرَوج له في الآونة الأخيرة عن حكومة إنقاذ وطني هو في الأصل دعم لمبادرة حزبه التي قدمها منذ أكثر من شهرين، مؤكداً أهمية التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب لضمان نجاح هذه المبادرة.
كما دعا أمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، رئيس مجلس نواب الشعب، راشد الغنوشي، إلى الاستقالة الطوعية، حتى وإن لم تحظ لائحة سحب الثقة بعدد الأصوات المطلوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهة أخرى، دعا المرايحي الرؤساء الثلاث، والأحزاب السياسية، إلى تقديم تنازلات من أجل مصلحة تونس، لافتاً إلى أن الفاعلين السياسيين ينادون بسياسة حمائية للاقتصاد الوطني، ومعتبراً أن الفرصة ملائمة الآن، للبدء في إنقاذ البلاد من خلال لعب رئيس الجمهورية دوره التوفيقي وبترفعه عن الصراعات إعلاء لمصلحة تونس.
هدنة سياسية بعامين
ومن جهته، اقترح رئيس الكتلة الديمقراطية، محمد عمار، ضرورة حدوث ما وصفه بـ"الرجة النفسية" في تونس، من خلال إزاحة راشد الغنوشي، من رئاسة البرلمان، ثم تكوين حكومة جديدة بأقطاب واضحة، مع هدنة سياسية لمدة عامين، مع عمل البرلمان على إصلاح المنظومة الانتخابية، بالتوازي مع تكوين حكومة إنقاذ حقيقية، يفتح لها المجال باتخاذ كل القرارات ولها الجرأة في استرجاع الأموال من الداخل.
تنازلات متبادلة من أجل تونس
واعتبر رئيس الكتلة الديمقراطية، أن "الحكومة الحالية انتهت"، مشيراً إلى أن تكوين حكومة إنقاذ وطني مسألة وقت، ومشدداً على ضرورة تقديم جميع الأطراف تنازلات كبيرة للخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة.
ويتقاسم النائب حاتم المليكي، الفكرة نفسها، حيث دعا بدوره إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، مشيراً إلى أن الظروف الحالية لا تسمح لرئيس الحكومة بمواصلة مهامه، داعياً إياه إلى الاستقالة.
وفي تدوينة له على صفحات التواصل الاجتماعي، نبه رئيس الهيئة السياسية لحركة أمل، أحمد نجيب الشابي، في وقت سابق، إلى احتمال فشل الحوار الوطني، والذي يتم النظر إليه على أنه الحل للأزمة السياسية، مؤكداً أن تونس اليوم في أشد الحاجة إلى الإنقاذ من خلال عقد مؤتمر وطني للإنقاذ، للخروج من الأزمة الاقتصادية.
11 حكومة في عشر سنوات
تتغير الحكومات، إلا أن المشهد السياسي في تونس موسوم بالتنازع على السلطة، بين الرئاسات الثلاث، (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان)، علاوة على تنامي الخلافات بين الأحزاب في البرلمان، وهو ما ألهى الطبقة السياسية عن المشاغل الحقيقية للتونسيين، وأجل الحلول الاقتصادية والاجتماعية.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تداول على السلطة في تونس، على مدى عشر سنوات، (2011-2021) 11 حكومة، من دون أن تشهد البلاد استقراراً سياسياً يسمح برسم سياسات عمومية اقتصادية واجتماعية.
النهضة متمسكة بالمشيشي
في المقابل، تتمسك حركة النهضة بحكومة المشيشي، وشدد الناطق الرسمي باسم الحركة فتحي العيادي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، على أن حركة النهضة ستدافع عن هذه الحكومة في الحوار الوطني، إلا أنه لفت إلى أن الحوار قد يحدد ترتيبات جديدة للمساعدة على الخروج من الأزمة، داعياً الجميع إلى تقديم تنازلات من أجل مصلحة البلاد.
كما أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي في تصريح سابق، أنه يرفض الاستقالة، معتبراً نفسه "جندياً في خدمة تونس".
وبين تمسك رئيس الحكومة بعدم الاستقالة، ومطالبة قيس سعيد برحيله، ووسط نداءات بضرورة إنقاذ البلاد، قد تتغير التوازنات السياسية، وينجح الحوار الوطني في إيجاد تسوية سياسية تقنع حركة النهضة، بالتخلي عن المشيشي، وتشكيل حكومة جديدة، مقابل تأجيل أو إلغاء لائحة سحب الثقة من الغنوشي من رئاسة البرلمان.