تتجه سنغافورة إلى أن تكون "بلا نفايات"، فقد خططت الدولة الصغيرة إلى تقليص حجم المخلفات 30 في المئة حتى 2030، من خلال تدويرها وإعادة استخدامها، كما سعت إلى دعم الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات للوصول إلى مستهدفات العقد الحالي.
وأعادت سنغافورة تدوير ما يقرب من 60 في المئة من نفاياتها الصلبة، وتوصل باحثون قبل أيام في جامعة سنغافورية إلى تطوير "ضمادات هلامية مضادة للبكتيريا" من بقايا قشور الدوريان، في خطوة لتحوير بقايا الأطعمة إلى مواد نافعة، بينما يرى مراقبون أن خطة سنغافورة ستكون "مثالاً يُحتذى في الشرق الآسيوي"، الذي يعاني أزمة نفايات تُعد الأكبر عالمياً.
نفايات العالم في آسيا
ينتج العالم سنوياً ما يزيد على 2.1 مليار طن من النفايات، وتقدر الإحصاءات أن ما يقرب من تُسعها يدخل في حيز تجارة المخلفات العالمية، إذ تُرسل بعض الدول الغنية نفاياتها إلى الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا للتخلص منها.
وكانت الصين هي المحطة الأكثر شهرة، حيث تتوجه أكثر من 45 في المئة من نفايات الدول للتخلص منها أو لإعادة استخدامها أو معالجتها. وتعتبر بكين المشتري الأكبر للمخلفات العالمية منذ وقت قريب، غير أن استيرادها تسبب في تفاقم مشكلات بيئية وصحية، مما حدا بها إلى منعها قبل أعوام.
غير أن إغلاق السور الصيني أبوابه في وجه النفايات العالمية، فتح الباب الخلفي لجارتها في دول جنوب شرقي آسيا لإدارة المخلفات أو إعادة تدويرها أو للتخلص منها، بينما تصارع دول الشرق الآسيوي من خلال قوانين جديدة، للحد من استيراد النفايات، لتقليل آثارها المدمرة للبيئة، فقد أضحت ماليزيا من بين أهم المحطات لمكب النفايات البلاستيكية، وتدر صناعة وتدوير البلاستيك نحو سبعة مليارات دولار في البلاد.
كما تكشف التحقيقات أن الدول السبع الصناعية الكبرى ترمي مخلفاتها إلى الدول الآسيوية في جنوب شرقيها وعلى رأسها ماليزيا، ففي 2018 بلغ وزن النفايات المصدرة إليها 201 طن من الولايات المتحدة الأميركية وحدها، ومن بين دول جنوب شرقي آسيا التي تصلها نفاياتها الدول السبع الكبرى فيتنام وإندونيسيا وتايلاند.
ورفضت كوالالمبور أخيراً أن تكون "مكب نفايات العالم"، إذ صرحت وزيرة البيئة الماليزية أن بلادها أعادت 150 حاوية تحمل نفايات بلاستيكية من 13 دولة، منها فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا.
جنوب شرقي آسيا والبيئة
وفقاً لدراسة علمية حديثة، فإن خمس دول من بين دول آسيان العشر متّهمة بالإضرار بالبيئة البحرية بأكثر من 30 في المئة من النفايات البلاستيكية في المسطحات المائية، وتصنف تلك الدول في أولى قائمة البلدان الـ 20 الأكثر إساءة في إدارة مخلفاتها.
وأظهرت إحصاءات للبنك الدولي في مارس (آذار) الماضي أن دول جنوب شرقي آسيا تخسر ما يقرب من 6 مليارات دولار سنوياً، بسبب نفايات البلاستيك ذات الاستخدام الواحد بدلاً من إعادة تدويرها، مشيرة إلى أن هناك ما يزيد على 75 في المئة من المخلفات البلاستيكية قابلة لإعادة التدوير في ماليزيا وتايلاند والفيليبين، لكن لا يُستفاد منها فتتحول إلى نفايات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أن تايلاند التي تملك أكبر قطاع بتروكيماويات في جنوب شرقي آسيا، تدوّر نحو 18 في المئة وهو معدل قليل للغاية، إذ ما قورن بدول عدة.
وأوضح مدير البنك الدولي في بروناي وماليزيا والفيليبين وتايلاند أن الإحصاء الأخير يشير إلى وجود "فرصة غير مستغلة" يمكنها أن تجني فوائد بيئية واقتصادية للقطاعين العام والخاص من خلال الاستفادة من النفايات وإعادة تدويرها.
وتطوق دول جنوب شرقي آسيا بأزمة النفايات المستوردة من الخارج، التي تفاقم مشكلاتها البيئية. وتذكر صحيفة "ساوث تشينا مورننغ بوست" أن معظم المخلفات التي تصل إلى فيتنام من أجل التصنيع "لا ترقى إلى المعايير التقنية لحماية البيئة"، مما يسبب مزيداً من الضغط على إدارة المخلفات في البلاد.
وتشير بينكوم سايتانغ، وهي مديرة إحدى المنظمات المدنية المهتمة بالبيئة في تايلاند، إلى أن تحول شركات إعادة التدوير الصينية إلى تايلاند والتجاهل الحكومي تسببا في تحويل البلاد إلى مكب للنفايات البلاستيكية والإلكترونية، وتعبر عن خوفها على السكان المحليين من التأثر بالتلوث الناتج من استخدام المواد الكيماوية في عمليات إعادة التدوير، غير أن عدداً من دول جنوب شرقي آسيا تحاول منع استيراد النفايات ودخولها إلى أراضيها، فحظرت تايلاند العام 2018 استيراد المخلفات الإلكترونية التي تحوي مستويات عالية من المواد السامة، ووضعت هدفاً لإنهاء استيراد النفايات البلاستيكية عام 2021.
كما أعلن رئيس الوزراء الفيتنامي قبل سنوات تقليص حجم النفايات التي تُصدر إلى بلاده بـ 90 في المئة، وتخطط الحكومة لمنع استيراد مخلفات البلاستيك بحلول العام 2025.
وفي 2019 أرست دول آسيان إطار عمل في شأن النفايات البحرية، لكن بعض الخبراء يرون أنها تحتاج إلى مزيد من التعاون لتحسين تقنيات إعادة تدوير المخلفات، إلى جانب التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والجامعات لتحقيق ذلك الهدف. كما رصدت إندونيسيا مليار دولار أميركي لتقليص حجم النفايات البلاستيكية في المحيطات بنسبة 70 في المئة بحلول العام 2025.
يقول المدرس المساعد بسياسات البيئة في جامعة دوبلن، داني ماركس، إن إعادة تدوير المخلفات من الممكن أن تكون لها آثار سيئة على الاقتصادات في جنوب شرقي آسيا، نتيجة التأثيرات السلبية على الأفراد والبيئة المحيطة، إذ تسبب عمليات إعادة التدوير مشكلات صحية طويلة المدى من التلوث الهوائي الناتج من مصانع إعادة التدوير، إلى جانب تسبب التلوث البلاستيكي للمسطحات المائية في تدمير السياحة بهذه الدول.
أضرار جسيمة
تسبب أزمة النفايات العالمية عدداً لا يُستهان به من الأضرار في جوانب مختلفة، تشمل المناخ والصحة الإنسانية والحياة البحرية، فالمخلفات التي تُدفن في الأرض تسبب انبعاث غاز الميثان الذي يُعد أحد ملوثات الهواء، كما أنه من أهم مسببات الاحتباس الحراري.
وتشير بعض التقديرات إلى أن مكبات القمامة المفتوحة قد تتسبب في 91 في المئة من كامل انبعاثات غاز الميثان، ويؤدي حرق كميات كبيرة من النفايات في مناطق مفتوحة بأماكن مختلفة من العالم إلى انبعاث مستويات خطرة من غاز ثاني أكسيد الكربون.
ويشمل ذلك تأثير النفايات على الحياة البرية والبحرية وكائناتها الحية، إذ إن الانبعاثات الغازية والكربونية للمخلفات سبب مباشر لأمراض مزمنة، مثل الربو والعيوب الخلقية والسرطان وأمراض القلب والأمراض المعدية.
سنغافورة بلا مخلفات
وتتجه سنغافورة على سبيل المثال إلى تجربة رائدة في المنطقة، إذ وضعت خطة "صفر مخلفات" لتكون استراتيجية تقود البلد المتقدم إلى تقليص حجم النفايات وتوسيع رقعة إعادة تدويرها.
وتهدف الخطة إلى بناء دولة مستدامة، وتستخدم مصادرها بفاعلية وقادرة على التكيف مع تغير المناخ، وذلك من خلال تبني نهج الاقتصاد الدائري لممارسات إدارة الموارد والمخلفات، والتحول إلى نمط إنتاج واستهلاك أكثر استدامة.
ومن بين الأهداف التي وضعتها الخطة الحفاظ على مكب النفايات سيماكاو، وهو الوحيد في سنغافورة، والتي تشير الإحصاءات إلى أنه سيصبح ممتلئاً بحلول العام 2035.
وتسعى الخطة إلى تقليص حجم المخلفات في المكب بنسبة 30 في المئة وصولاً إلى العام 2030 لإطالة أمده.
وتتضمن خطة سنغافورة التوعية المجتمعية من خلال التشجيع على تقليل الاستهلاك والحفاظ على الموارد بشكل أكبر، وإدارة نفايات الغذاء والتغليف والنفايات الإلكترونية بطريقة صديقة للبيئة، وتحسين فاعلية البنية التحتية، للاستفادة بحد أقصى من الموارد وتحويل صناعة الخدمات البيئية ودعمها، وتشكيل مستقبل أكثر اخضراراً باستخدام العلوم والتقنية.
وصاحبت الخطة مشاريع وأبحاث تدعم تحقيقها في سنغافورة، ففي مارس الحالي افتُتحت أول منشأة في جنوب شرقي آسيا لإعادة تدوير بطاريات الليثيوم الخاصة بالهواتف المحمولة.
وذكرت صحيفة "ستريتس تايمز" أن المنشأة قادرة على إعادة تدوير 14 طناً من بطاريات الليثيوم، أو ما يساوي 280 ألف بطارية للهواتف المحمولة، وكذلك استعادة ما يقرب من 90 في المئة من الحديد الموجود في بطاريات الليثيوم لإعادة استخدامه في إنتاج بطاريات جديدة.
كما توصل علماء في "جامعة نانيانج" للتقنية في سبتمبر الماضي إلى تطوير طريقة جديدة في استخدام بقايا قشور الفاكهة لاستخراج المعادن الثمينة من بطاريات "الليثيوم أيون" وإنشاء بطاريات جديدة.
ووفقاً لإحصاءات العام 2019، استطاعت سنغافورة إعادة تدوير ما يقرب من 60 في المئة من نفاياتها الصلبة، وشهدت تقلص مخلفاتها المنتجة عن العام الذي سبقه بنسبة ستة في المئة.