يبدو أن بغداد مصرة على الانتهاء من ملف الغاز المحترق وتزويد حقولها الجنوبية العملاقة بالمياه عبر أنبوب يمتد من السواحل العراقية إلى هذه الحقول في محافظات البصرة وميسان وذي قار وواسط بهدف زيادة الإنتاج فيها.
وحاولت الحكومة خلال عقد التوصل إلى اتفاقات مع شركات عالمية، وكان آخرها شركة "إكسون موبيل" الأميركية لتنفيذ مشروع ماء البحر المشترك الذي يغذّي الحقول النفطية بنحو خمسة ملايين برميل من ماء البحر يومياً، إلا أن كل المحاولات فشلت، خصوصاً مع الشركة الأميركية التي رفضت بغداد الشروط التي وضعتها بتنفيذ المشروع مقابل شراكة في الإنتاج ببعض الحقول النفطية.
"توتال" هي البديلة
وأعلنت وزارة النفط العراقية توقيع مجموعة عقود مع شركة "توتال" الفرنسية، منها تنفيذ مشروع ماء البحر واستثمار الغاز المحترق في عدد من الحقول النفطية خارج صلاحيات "شركة غاز البصرة"، وهي شراكة عراقية مع شركة "شل".
وقال وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار إن الاتفاق مع شركة "توتال" يتضمن تنفيذ أربعة مشاريع عملاقة، هي جمع وتكرير الغاز في الحقول كافة خارج اتفاقية غاز البصرة والمتمثلة في حقول أرطاوي وغرب القرنة 2 ومجنون والطوبة واللحيس التي تحرق كميات كبير من الغاز. وأضاف عبد الجبار في بيان، "المشروع العملاق الآخر هو مشروع ماء البحر المتكامل التي كانت الوزارة تحاول تنفيذه منذ أكثر من 10 سنوات، وأبدت شركة توتال استعدادها لإنجازه"، لافتاً إلى أن المشروع الثالث هو مشروع تطوير حقل "أرطاوي" بهدف تعظيم إمكانات إمدادات الغاز. وأوضح أن المشروع الرابع هو إنشاء منشآت لإنتاج 1000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية.
منشآت لمعالجة الغاز
من جانبه، قال وكيل وزارة النفط العراقية لشؤون الغاز حامد يونس إن الاتفاق يتضمن بناء منشآت لمعالجة الغاز لحقول أرطاوي واللحيس والطوبة وغرب القرنة 2.
تجهيز الكهرباء وماء البحر
بدوره، أكد المدير العام لشركة غاز الجنوب حمزة عبد الباقي أن الاتفاق سيسهم في تقليل كميات حرق الغاز المصاحب واستثمارها في رفد شبكة الغاز الوطنية لتوليد الطاقة الكهربائية، وأيضاً رفع الطاقات من المنتجات الغازية الأخرى (الغاز السائل والمكثفات). وأضاف أن الاتفاقية تتضمن تطوير حقل "أرطاوي" ليصل الإنتاج فيه إلى 200 ألف برميل يومياً، مشيراً إلى أن الطاقة الإنتاجية الحالية للحقل تبلغ 50 ألف برميل يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح عبد الباقي أن الاتفاق يشمل أيضاً مشروع ماء البحر، وهو من المشاريع المهمة في ديمومة الإنتاج في الحقول النفطية وزيادة إنتاجيتها لتأمين 2.5 مليون برميل من المياه كمرحلة أولى، بما سيزيد من الطاقات الإنتاجية والتصديرية مستقبلاً.
"توتال" آتية لتعويض خسائرها
ويرى الخبير النفطي حمزة الجواهري أن شركة "شل" العالمية جاءت إلى العراق لتعويض خسائرها النفطية في أوروبا بسبب كورونا، مشيراً إلى أن "شل" ستسرّع وتيرة استثمار الغاز المصاحب لاستخراج النفط والغاز. ويضيف، "أوروبا تعيش حال كساد بسبب جائحة كورونا، ما أدى إلى خسائر لشركة توتال المسيطرة على صناعة النفط والغاز في فرنسا، لهذا فإنها جاءت إلى العراق لتعوّض خسائرها"، لافتاً إلى أن تحسّن الوضع الأمني بشكل كبير شجّع الشركة العالمية على الاستثمار، لا سيما أن المشاريع ستكون ضمن نطاق المناطق المحروسة أمنياً. ويؤكد عدم وجود مشكلات اجتماعية مع البيئة المحيطة لأن الأراضي المستثمرة لم تكن ملاصقة للبيئة المحلية للسكان، وهذه من المخاطر التي تحسبها الشركات .
ويبيّن الخبير النفطي أن شركة "توتال" هي من كبريات الشركات العالمية والأعمال التي أوكلت بالعراق، وهي مسألة معالجة الغاز وتطوير حقل "أرطاوي" ومشروع سحب ماء البحر، من تخصصات هذه الشركة ولذلك هي مؤهلة.
فشل التفاوض مع "إكسون موبيل"
ويوضح الجواهري أن كل هذه المشاريع نوقشت مع شركات عالمية أخرى، إلا أنها لم تؤدِّ إلى اتفاق نهائي بسبب الكُلف العالية التي طلبت من هذه الشركات، لافتاً إلى أن من أكبر المشاريع التي أُعلن عنها هو ضخ مياه البحر للحقول، الذي كانت "إكسون موبيل" تفاوضت عليه إلا أن المحادثات فشلت لطلبها عقود مشاركة في الإنتاج.
ويردف أن المفاوضات مع "توتال" لن تطول للتوقيع على الصيغة النهائية لتنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن الشركة الفرنسية مؤهلة للاستثمار بهذا العقد الكبير، لا سيما في قضية استثمار الغاز المصاحب باعتبارها من الشركات المتخصصة في هذا الاتجاه.
بديل عن الغاز الإيراني
من جهته، يرى الخبير في شؤون الطاقة كوفند شيرواني أن مجيء "شل" إلى العراق سيسهم في التعجيل باستثمار الغاز المصاحب، وسيوفّر بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار قيمة الغاز المستورد من إيران. ويضيف، "الحقول في العادة تحتوي على غاز ونفط، وكان يُحرق الغاز ويتم استثمار النفط لوجود تركيز على استثمار النفط بصورة خاصة"، مبيّناً أن "استثمار الغاز بحاجة إلى معدات خاصة لم تكن متوافرة، وكانت تشكّل تكاليف إضافية على الحقول، وفي وقتها، النفط كان يسدّ الحاجة". ويشير إلى أن "مجموع مشتريات العراق من الغاز أو الكهرباء يتراوح بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار سنوياً، المستورد معظمه من إيران، فضلاً عن أنه يحرق بحدود 17 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب سنوياً، وهذه الكمية يمكن توفيرها إذا تم استثمارها ".
وتعتقد بغداد أن استمرار العقوبات الأميركية على إيران، وعدم قدرتها على تسديد ديون الأخيرة، البالغة نحو ستة مليارات دولار عن استيراد الغاز لفترة تجاوزت العام بسبب هذه العقوبات، يصعّب اعتمادها مستقبلاً على الغاز الإيراني، لكون رفع العقوبات عن طهران قد يحتاج إلى فترة طويلة، ما يتسبب بإحراج كبير للدولة العراقية في إدارة ملفات اقتصادية مهمة تعتمد على إنتاج الطاقة الكهربائية.
وكانت وزارة الكهرباء أعلنت، نهاية العام الماضي، فقدان 6000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية نتيجة توقف إيران عن تجهيز العراق بالغاز، ما أدى إلى توقف محطات القدس الحرارية والصدر الغازية وبسماية في بغداد والمنصورية في محافظة ديالى، بالتزامن مع قيام الوزارة بصيانة عدد آخر من المحطات، الأمر الذي أدى إلى تراجع إنتاج الطاقة الكهربائية إلى مستويات غير معهودة منذ سنوات عدة.