هل سينتج عن الضغط الأوروبي – الأميركي المستجد من أجل تسريع ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة رفع العراقيل القائمة منذ 7 أشهر من الفراغ الحكومي في لبنان؟ فالتلويح الذي أعلن عنه وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، مساء الإثنين 29 مارس (آذار) الماضي، بزيادة هذه الضغوط على القوى السياسية اللبنانية كافة، وفق المشاورات التي أجراها مع نظرائه الأوروبيين والدوليين (أي الأميركيين)، والإقليميين في هذا الصدد، لا بد أن تكون نبهت بعض الفرقاء الذين يعطلون الحكومة، إلى احتمال أن تصدر بحقهم عقوبات أوروبية. وترصد أوساط سياسية معنية بتسريع تأليف الحكومة، مدى تأثير رسالة لو دريان المتشددة، خصوصاً أن الانطباع العام لدى ممثلي سائر الدول في بيروت، أن الجانب الفرنسي أظهر كثيراً من "التسامح" مع الطبقة السياسية اللبنانية التي أخرت تنفيذ مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون على الرغم من التزام كل القادة بها في 1 سبتمبر (أيلول) الماضي. كما أن معظم البعثات الدبلوماسية في بيروت لم تُخف استغرابها وانزعاجها من استمرار تعليق تأليف الحكومة في وقت يزداد الوضع المالي الاقتصادي تدهوراً، ويتحدث بعضها بلهجة صريحة إلى كل القيادات اللبنانية حول مسؤوليتها عن تأخير مسار الحلول المطلوبة للخروج من المأزق الاقتصادي المالي الذي يزداد حراجة وخطورة كل يوم، بينما تدهور سعر صرف الليرة مقلق جداً، كما أن المال المخصص لدعم بعض السلع ينفد.
لودريان والتلويح بالعقوبات
حديث لودريان عن "التعطيل المتعمد للمخرج من الأزمة من قبل بعض اللاعبين على الساحة اللبنانية، عن طريق إثارة مطالب من الزمن الغابر يجب أن يتوقف فوراً"، أعقبه تسريب أخبار من باريس عن أن ما جرى التداول به بين الوزير الفرنسي ونظرائه الأوروبيين في اجتماعهم الأسبوع الماضي، وكذلك مع مسؤولين دوليين وعرب، هو فرض عقوبات على شخصيات لبنانية متهمة بعرقلة تأليف الحكومة، سيكون ترجمة لإشارة لودريان إلى "زيادة الضغوط على القوى السياسية كافة". وأخذت التسريبات تتناول سيناريوهات عن أنواع هذه العقوبات، وعن معطيات تملكها فرنسا ودول أوروبية أخرى عن حركة أموال بعض السياسيين اللبنانيين. وفي كل الأحوال فإن المسؤولين الفرنسيين أسمعوا المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم ما يكفي عن غضبهم حيال الطبقة السياسية وإفشالها عملية تأليف الحكومة. ونقل إبراهيم ما سمعه إلى بعض القادة السياسيين.
ومع أن أكثر من مصدر دبلوماسي أبلغ "اندبندنت عربية"، أن الآلية القانونية والعملية لفرض عقوبات أوروبية على شخصيات لبنانية ستأخذ وقتاً، فضلاً عن أنها يجب أن تصدر بقرار جماعي عن الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن السياسيين اللبنانيين والدبلوماسيين المتابعين لصيَغ العقوبات الأوروبية يعتبرون أنها عندما تصدر تكون قاسية عادةً، وتشمل إضافة إلى منع السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، تجميد حسابات الشخصيات التي يمكن أن تطالها هذه العقوبات. كما أن آلية القرار في شأن هذا النوع من العقوبات الأوروبية معقدة أيضاً. وترجح معلومات تلقاها سياسيون لبنانيون أن تشارك الإدارة الأميركية في تطبيق بعض هذه العقوبات إذا صدرت، وفق قانون ماغنتسكي. كما يشير هؤلاء إلى التنسيق عن قرب بين كل من باريس وواشنطن حول الملف اللبناني، وبين باريس ولندن أيضاً التي تتواصل في شكل دائم مع الجانب الفرنسي حول لبنان. وفي كل الأحوال، فإن الانطباع العام هو أن العواصم الغربية تراقب الوضع وتتحسس خطورته وتتجه إلى أن تكون أكثر قساوة في ما تقوله وتفعله، حيال الطبقة السياسية، ولا تستبعد أياً من الخيارات للضغط من أجل تسريع الحلول بدءاً من تشكيل الحكومة.
لهجة نصر الله المختلفة
ودفع ذلك إلى السؤال عما إذا كانت هذه الضغوط قد تؤتي ثمارها في تسهيل قيام الحكومة، إذ إن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله تحدث، مساء الأربعاء 31 مارس، عن "جهود جادة وجماعية من أكثر من جهة للتفاوض على تذليل العقبات من أمام تأليف الحكومة"، على الرغم من انسداد الأفق لا سيما في العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وبين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري. كما أقر نصر الله بأن "البلد استنفد وقته وحاله وروحه" بسبب الخلاف على الحكومة. وجاء كلامه مخالفاً لموقف له في 16 مارس، طالب فيه بحكومة "تكنو- سياسية"، وخاطب بلغة التنبيه تارة والتهديد تارة أخرى، حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، إذا لم يضبط ارتفاع سعر صرف الدولار، وكذلك الحريري حين قال، إن حكومة من المستقلين ستقضي على البلد وعليه لأنها لا تتمتع بحماية سياسية. ورأى كثيرون من خصوم "الحزب" في حينها أن نصر الله أنعش بكلامه التشدد الذي يمارسه عون وباسيل بطرحهما شروطاً عدة على الحريري، متهمين الأخير بمصادرة حق الرئيس بتسمية الوزراء المسيحيين، مطالبين بالثلث المعطل في الحكومة، وبرفع عدد وزرائها من 18 وزيراً كما تضمنت مسودة الحريري التي سبق أن سلمها لعون، إلى 20 أو 22 وزيراً.
العودة إلى صيغة الـ24؟
وبينما يستكشف بعض الأوساط السياسية إذا كان تعديل نصر الله لهجته وحديثه عن جهود جديدة جاء نتيجة رسالة لودريان الضاغطة التي أعقبتها التسريبات حول العقوبات، فإن الخشية لدى بعض حلفاء الحزب لا سيما بعض قيادات "التيار الوطني الحر" من أن تطالهم العقوبات الأوروبية، ربما تكون وراء هذا التعديل في اللهجة. وسبقت موقف "حزب الله"، معطيات عن جهود يبذلها رئيس البرلمان نبيه بري لإيجاد حلول وسط منها زيادة عدد الوزراء إلى 24 وزيراً بناء لاقتراح رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط على الرئيس عون، من دون حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل في الحكومة. ويقضي هذا المخرج بحصول تحالف عون و"التيار الوطني الحر" مع حزب "الطاشناق" الأرمني والنائب طلال أرسلان على 8 وزراء، كما يحصل تحالف "حزب الله" و"أمل" مع تيار "المردة" والحزب السوري القومي الاجتماعي على 8 وزراء، فيما يحصل الحريري و"الحزب الاشتراكي" على 8 وزراء، بحيث لا يحظى أي فريق بأكثر من الثلث.
وأفادت مصادر مقربة من الحريري أنه على الرغم من اعتقاده أن صيغة الـ18 وزيراً هي الأفضل من أجل تجنب مطالب توزيرية تؤدي إلى الثلث المعطل لأي فريق، فإنه ترك لجهود بري وجنبلاط أن تأخذ مداها من دون أن يعطي موافقته النهائية على زيادة عدد الوزراء، لأن الخشية هي من أن يصر فريق الرئيس عون وباسيل على الحصول على الثلث المعطل مهما كان العدد، فيما رئيس الحكومة المكلف ليس في هذا الوارد على الإطلاق لأنه يعتبر أن قبوله بحصول فريق على القدرة التعطيلية يعني فشل الحكومة قبل أن تنطلق. ويرى المحيطون بالحريري أن مَن يحصل على الثلث المعطل يصبح هو بمثابة رئيس الحكومة ويتحكم بعملها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليست كل العراقيل خارجية
وفي وقت رأت أوساط سياسية لبنانية أن تصريح لودريان الضاغط جاء رداً على ما قاله المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي هاجم في 26 مارس، أميركا وفرنسا والسعودية "لأنها لا تريد حكومة قوية في لبنان"، فإن أوساطاً دبلوماسية في بيروت دعت إلى عدم ربط كل شيء بالعامل الخارجي، على الرغم من أن معارضي دور إيران ونفوذها رأوا في تصريح المسؤول الإيراني تشجيعاً لحليفه باسيل على مواصلة وضع الشروط على الحريري في عملية تأليف الحكومة. فخصوم "حزب الله" اللبنانيون يعتقدون أن طهران تبقي على الوضع اللبناني معلقاً كورقة تفاوض مع الولايات المتحدة عندما يحين وقت انطلاق المفاوضات بشأن الملف النووي. والسؤال الذي يردده بعض الدبلوماسيين الذين يدعون إلى عدم ربط كل العراقيل أمام تأليف الحكومة بالعامل الخارجي هو: هل طرح شرط الثلث المعطل مطلب خارجي أم محلي؟ وهل أن الخلاف على عدد الوزراء مطروح من الخارج أم من فرقاء داخليين؟ وإذا كان البعض يعتقد أن العامل الخارجي هو سبب التعطيل، فإن مجريات الأمور تدل على أنه إذا كان هناك من تأثير للعامل الخارجي، فالسبب في ذلك هو أن جهات داخلية أقحمت الخارج في أمور يُفترَض أن تكون من شأن القوى المحلية. وبهذا المعنى شُوِّهت السيادة التي نسمع الحديث عنها كثيراً. كما أن الوضع اللبناني من آخر الهموم بالنسبة إلى الولايات المتحدة، في حال كان البعض ينتظر أن تسعى لمعالجة أزمته أو أن تشمله المفاوضات حول الأوضاع الإقليمية. فرنسا هي الدولة الوحيدة المهتمة ببذل جهود في لبنان. ومع ذلك فإن الثقة بالبلد وقادته اهتزت في باريس.
وفي رأي دول عدة تتابع الوضع اللبناني، فإن المشكلة هي أن تعطيل الحكومة لا يقتصر فقط على تأخير ولادتها بل يؤدي أيضاً إلى تعطيلِ ما يمكن أن يحصل بعد تشكيلها، أي الإصلاحات التي يتعين عليها القيام بها، والتي لا مجال لإتمامها في ظل الحكومة الحالية المستقيلة. والحكومة الجديدة مطلوبة بإلحاح، إذ يُفترض أن يكون لها برنامج مقبول يطلق الإصلاحات ويستعيد بعض الاستثمارات إلى البلد، وحتى خريطة الطريق الفرنسية التي وضِعت في سبتمبر الماضي، لم تعد كافية لأن تطورات كثيرة حصلت منذ ذلك الحين على الصعيدين الاقتصادي والمالي.
ولا يخفي مَن يتعاطون بالأزمة اللبنانية من منظار الاهتمام، عبر تقديم الدعم إلى لبنان، استنتاجهم بأن تأخير الحكومة قد يعود إلى رفض الطبقة السياسية وأقطاب النظام السياسي الإصلاحات لأنهم ببساطة لا يريدونها لأنها تقوض نفوذهم.