ذكرت وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير، الخميس، الأول من أبريل (نيسان)، أن محافظ البنك المركزي التركي الجديد شهاب كافجي أوغلو ناقش مسألة تشديد السياسة النقدية في الكلمة الأولى له للمستثمرين المحليين، ما يعد إشارة إلى التزامه باستمرارية سياسة البنك.
على الرغم من ذلك، ما زال القلق وعدم اليقين يسيطران على المستثمرين الأجانب في شأن استقلالية السياسة النقدية في تركيا مع تغيير أربعة محافظين للبنك المركزي التركي في أقل من عامين، فكافجي أوغلو، الذي عينه الرئيس رجب طيب أردوغان في 20 مارس (آذار) بعد إقالة سلفه ناجي أغبال، هو المحافظ الرابع للمركزي منذ صيف 2019.
وتحفل الصحافة الاقتصادية حول العالم بالتحليلات والتعليقات التي تحاول الإجابة عن السؤال: لماذا تغير تركيا محافظ المركزي كل بضعة أشهر؟
ومنذ يوليو (تموز) 2019، حين أقال أردوغان محافظ البنك المركزي مراد تشتين قايا ليحل محله نائبه مراد أويصال، والإجابة التي يتفق عليها معظم المعلقين والمحللين الأتراك والأجانب هي أن الرئيس يرى عكس كل قواعد الاقتصاد المعروفة أن رفع سعر الفائدة يزيد التضخم، مع أنه في العالم أجمع تستخدم البنوك المركزية أداة سعر الفائدة لكبح جماح التضخم في الاقتصاد، فترفع الفائدة حين يزيد معدل التضخم كي ينخفض، وتلجأ البنوك المركزية إلى تخفيف السياسة النقدية، أي خفض سعر الفائدة، حين يكون معدل التضخم منخفضاً.
أسباب متباينة
حين تعرضت الليرة التركية لأزمة حادة عام 2018 وأخذ سعر الصرف يهوي باضطراد مقابل الدولار، لم يكن أمام البنك المركزي خيار سوى رفع سعر الفائدة، كانت معدلات التضخم وصلت إلى 25 في المئة بحسب الأرقام الرسمية، وكان القرار الأخير لمراد تشتين قايا هو رفع سعر الفائدة إلى 24 في المئة في يونيو (حزيران) 2019.
لكن أردوغان لم يقله من منصبه حينها، على الرغم من اعتراضه على رفع أسعار الفائدة وتصريحاته العلنية المتكررة بهذا الشأن، إنما حين زادت الخلافات بين محافظ البنك المركزي ووزير المالية وقتها بيرات البيرق، وهو زوج ابنة أردوغان، قرر الرئيس إقالة محافظ المركزي من دون أسباب معلنة، وتم تعيين نائبه مراد أويصال مكانه، ولطالما صرح البيرق صهر الرئيس ووزير المالية بأنه لا يعبأ بسعر صرف الليرة، في إشارة إلى أنه لا يتفق مع السياسة النقدية للبنك المركزي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهكذا بدا أن قرار إقالة تشتين قايا هو حسم من جانب الرئيس لمصلحة صهره وزير المالية الذي اتفق رأيه في شأن أسعار الفائدة مع تصوره المخالف لقواعد الاقتصاد، أما أويصال فكان مطيعاً ومتعاوناً مع البيرق ومستجيباً لطلبات الرئيس بخفض سعر الفائدة.
وبعد أسبوع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أقال أردوغان مراد أويصال وعين وزير المالية الأسبق ناجي أغبال محافظاً للبنك المركزي. وفي اليوم التالي لإقالة أويصال استقال صهر الرئيس من منصب وزير المالية، واتفق المراقبون والمعلقون الأتراك وقتها على أن أردوغان فوجئ بشبه نفاد احتياطي العملات الأجنبية، ولطالما كان البنك المركزي يضخ الدولار في السوق ويشتري الليرة لدعم سعر صرف العملة الوطنية.
قاسم مشترك
وفي مقابلة مع قناة "الحرة" الأميركية، وقتها، قال مدير الدراسات الاقتصادية بمركز "أورسام" في العاصمة التركية أنقرة، رجب يورولماظ، وهو أيضاً مدرس في جامعة "يلدريم بيازيت" في أنقرة، إن إقالة محافظ البنك المركزي تعود لسببين رئيسيَن، "الأول هو أداؤه الاقتصادي، والسبب الثاني لإقالة أويصال، هو عدم رده على الإشاعات التي تقول إنه يسير خلف أوامر أردوغان، بينما من المفترض أن يكون مستقلاً في قراراته، لم يكن أويصال جيداً في الرد على هذه الإشاعات".
أما آخر من أقيل الشهر الماضي، ناجي أغبال، فكان واضحاً أنه اُبعد من منصبه بسبب قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة إلى 19 في المئة لوقف تدهور سعر صرف الليرة وكبح جماح التضخم المرتفع، واختار الرئيس نائباً سابقاً عن الحزب الحاكم وكاتب في الصحيفة الموالية للرئيس والحزب، وفي فبراير (شباط) الماضي كتب شهاب كافجي أوغلو مقالة في صحيفة "يني شفق" جاء فيها أن "البنك المركزي ينبغي ألا يطبق سياسة الفوائد المرتفعة، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من التضخم".
هذا الرأي الذي يختلف مع القواعد الاقتصادية المعروفة، هو رأي الرئيس التركي، وهو القاسم المشترك وراء كل قرارات التغيير في رئاسة البنك المركزي التركي، وذلك على الرغم من تباين الأسباب في كل مرة، حتى بالنسبة إلى مراد أويصال الذي كان يعمل بتناغم شديد مع صهر أردوغان ووزير المالية وقتها.