بعد انتظار طويل دام أكثر من عشرة أعوام، أطلق تطبيق "ديليفيرو" الرقمي الإدراج المتوقع في سوق الأوراق المالية بلندن. وبالنسبة إلى ويل شو، مؤسس ذلك التطبيق، يعني ذلك الإطلاق ضرورة الانتقال من التركيز على الوعد بيوم حافل بالعوائد إلى موضوع غير مريح يتمثّل في حقوق العاملين.
فقد أوردت تقارير أن شو، وهو مصرفي استثماري سابق تتلخّص قصته كمؤسس في أنه سلّم أول طلبية طعام تلقّتها الشركة في 2013، يبيع ما قيمته نحو 30 مليون جنيه إسترليني (حوالي 41 مليون دولار أميركي) من أسهمه، في حين ارتفعت قيمة حصته إلى نحو نصف مليار جنيه إسترليني.
وتبدو المفارقة صارخة عند مقارنة ذلك المبلغ بما يكسبه بعض سائقي الدراجات، إذ توصّل استطلاع أجراه "مكتب الصحافة الاستقصائية" بشأن آلاف الفواتير، إلى أن السائقين الأقل أجراً لم يكسبوا سوى جنيهين في الساعة لكل منهم، فيما كسب ثلث السائقين أقل من الحد الأدنى للأجور. وتشكّك شركة "ديليفيرو" في الأرقام، زاعمة أن متوسط الأجور يبلغ 13 جنيهاً إسترلينيا (حوالي 18 دولارا أميركيا) في الساعة في أكثر الأوقات ازدحاماً وأن مستوى الرضا بين السائقين لم يكن يوماً أعلى مما هو عليه الآن. وليست الأجور التي تقلّ عن الحد الأدنى غير قانونية، لأن "ديليفيرو" تصنّف السائقين كمتعاقدين، وليس كعاملين.
وأبعد من السؤال المتعلق بالأخلاق، ثمة سؤال يرتبط بالمال قد يكون أكثر حساسية للشركة بالتزامن مع إطلاق مبيعات أسهمها، إذ ذكر عدد من كبار مديري الصناديق أنهم لن يشتروا تلك الأسهم. وتركز غالبيتهم على الأسباب الأخلاقية التي أدت إلى اتخاذ قراراتهم، وتستحضر المخاوف المرتبطة بتصنيف العاملين. وربما برز خوف أكبر يتعلق بأن "ديليفيرو" ببساطة قد لا تساوي الثمن الباهظ المطروح، إذ لم تحقق أي ربح على الإطلاق على الرغم من انخفاض معدلات الأجور. وقد خفّضت 30 في المئة من الأسعار التي تتقاضاها المطاعم، وتمتعت بدفعة هائلة في المبيعات أثناء جائحة فيروس كورونا.
كذلك تنفق "ديليفيرو" كثيراً على اكتساب العملاء، بينما تتصارع من أجل الحصول على حصة في السوق مع منصات أخرى تملك أموالاً أكثر منها كـ"أوبر إيتس" و"جست إيت تايك أواي".
واستطراداً، خفّضت "ديليفيرو" بالفعل 1.2 مليار جنيه إسترليني (حوالي 1.7 مليار دولار أميركي) من تقييمها المستهدف. ويبلغ سعر السهم الآن 390 بنساً، ما يعني أن الشركة تقدّر قيمتها بحوالى 7.6 مليار جنيه فقط. وتستشهد الشركة بـ"تقلّب السوق"، لكن النقابات والناشطين يزعمون تحقيقهم فوزاً.
في ذلك السياق، يورد رئيس اتحاد العمال المستقلين في بريطانيا العظمى أليكس مارشال أن "الأمر لا يقتصر على كون السوق متقلبة في الوقت الحالي، بل إن حقوق العاملين حلّت في المقدمة أثناء الفترة التي سبقت هذا الطرح العام الأولي، وهذا ما يعبّر عنه هؤلاء المستثمرون الكبار".
واستطراداً، يرى مارشال أن السائقين يستطيعون الحصول على المرونة التي كثيراً ما تستشهد بها "ديليفيرو" كسبب إيجابي لاستخدام نموذج المتعاقدين، مع إعطائهم حقوقاً تشمل الإجازة المرضية المدفوعة والعطل المدفوعة واشتراكات المعاش التقاعدي وحدّاً أدنى مضموناً للأجور. ولدى المملكة المتحدة بالفعل تصنيف قانوني يُسمَّى بـ"العامل الفرعي باء" يتيح فعل ذلك تحديداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيضرب العاملون الأعضاء في اتحاد العمال المستقلين في بريطانيا العظمى عن العمل، فيرفضون تسليم الطلبيات في 7 أبريل (نيسان) 2021، عندما تبدأ أسهم "ديليفيرو" بالتداول بحرّية.
واتصالاً بذلك، يعتقد رئيس "اتحاد سائقي التطبيقات وعمال التوصيل" ياسين أسلم أن معركته التي دامت ستة أعوام ضد شركة "أوبر"، وانتهت بفوز في المحكمة العليا الشهر الماضي، قد ساعدت في إقناع كبار المستثمرين بالتخلي عن "ديليفيرو".
وفي سياق تلك القضية، حكم القضاة بأن سائقي "أوبر" كانوا في واقع الأمر عاملين، وليس متعاقدين. وحتى يومنا هذا، مُنِح سائقو "أوبر" زيادة فعلية في الأجور بـ15 في المئة (12 في المئة من استحقاقات العطل وثلاثة في المئة من اشتراكات المعاشات التقاعدية) وسيُضمَن لهم الحد الأدنى الوطني للأجور في مقابل الوقت الذي يقلّون ركاباً، مستخدمين سياراتهم.
وعلى الرغم من أن الحكم لم ينطبق على شركات أخرى غير "أوبر"، يعتقد أسلم بأن الحكم شكّل بياناً واضحاً عن نماذج الأعمال التي تستخدمها منصات اقتصاد العمل المؤقت.
وبحسب رأيه، "تعتمد ديليفيرو إلى حد كبير على نموذج يستغل الناس"، ولو أن أسلم يحتفظ بأقوى انتقاداته للحكومة والهيئات التنظيمية التي فشلت في التدخل.
وكذلك يعتقد أسلم بأنه بدا محظوظاً لأنه تمكّن مع المدعي المشارك جيمس فارير، من التقدّم بقضية حقوقية. وقد نال زعمهما دعماً من "الاتحاد العمالي العام".
ووفق كلماته، "امتلكنا جيشاً من المحامين عندما ذهبنا إلى المحكمة للمرة الأولى، لكن الشركة قررت المحاربة حتى النهاية وإنفاق المال على ذلك. لقد عانيت، وعانت عائلتي، وعانى أطفالي. لقد دفعنا الثمن لكننا بقينا ثابتين".
وأضاف، "من الجيد أن نرى المستثمرين يأخذون الآن حقوق العاملين على محمل الجد، فيتّخذون موقفاً أخلاقياً منها، وهو ما لم يحدث عندما أُدرجت "أوبر" في سوق الأوراق المالية، لكن يتعيّن على شخص ما في المستوى الحكومي أن يطرح أسئلة [عن ذلك]".
ويخشى البعض في القلب التجاري للندن من أن الحكومات تلاحظ الأمر في شكل متزايد، مع كونه غير مفيد بالنسبة إلى العوائد.
ويعتقد أسلم بأن منصات تسليم الطعام يمكن أن تكون مربحة مع إعطاء العاملين صفقة عادلة، إذ تفاوض "جست إيت"، المنافسة الكبرى لـ"ديليفيرو"، الموظفين وتتعهّد بالابتعاد عن نموذج اقتصاد العمل المؤقت.
وعلى نحو مغاير، يُبدي تايلر ريوردان، وهو أكاديمي في جامعة كوينزلاند، شكوكاً أكبر. وينخرط حاضراً في بحوث بهدف الحصول على شهادة الدكتوراه في مجال أثر المنصات عبر الإنترنت في العاملين المهاجرين. وقد أمضى ساعات في توثيق سرّي عن تجربة سائقي "ديليفيرو".
وبحسب رأيه، "بدأ بريق هذه المنصات الرقمية يتآكل مع إدراك مزيد من الناس أن هذه النماذج الابتكارية لا تفكر في المستقبل، وفق ما تزعم".
وعلى الرغم من أن "ديليفيرو" صدّت تحديات قانونية في ما يتصل بحقوق العاملين في المملكة المتحدة، أصبحت الهيئات التنظيمية والحكومات في مختلف أنحاء العالم أكثر إدراكاً للطريقة التي تعمل بها تلك المنصات.
واستكمالاً، يضيف ريوردان، "تتبع الأمور أنماطاً مماثلة في عدد من البلدان، إذ تأتي الجهة الابتكارية كي تحاول زعزعة القطاعات الراسخة كسيارات الأجرة، وبمجرد إرغام الحكومات أو العاملين أو النقابات إياها على التغيير، تتكيّف المنصات في تلك السوق".
ويضيف أن معظم العاملين في تسليم الطعام في أستراليا هم من المهاجرين المؤقتين الأقل وعياً بحقوقهم.
ويشدد ريوردان على أن "تولّي المرء زمام عمله عظيم حين تنجح الأمور، لكن إذا كان المرء مهاجراً مؤقتاً يتحمل فواتير ويعاني من مشكلات وفي حاجة إلى استئجار منزل، يتعيّن عليه أن يذهب إلى العمل. ماذا يمكنه أن يفعل؟ لا توجد مرونة إذا كان عليه أن يعمل، مع عدم توافر العمل وغياب العطل المدفوعة".
وفي السياق الأسترالي، يعتقد ريوردان بأن العاملين إذا مُنِحوا الحقوق الكاملة عبر الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية، "من الصعب أن نرى كيف قد تكون هذه المنصات مستدامة من دون الحاجة إلى تحميل العملاء ضعفَي التكلفة أو ثلاثة أضعافها عن كل تسليم".
وفي ذلك الصدد، يبرز واقع أن تكاليف قوة العمل في اقتصاد العمل المؤقت لدى "ديليفيرو" تبدو كأنها في اتجاه واحد. وقد يشكّل سعر السهم مسألة أخرى.
وفي نفسٍ مغاير، ذكر ناطق باسم "ديليفيرو" أنها "تشعر بالفخر، إذ تتعاون مع 50 ألف سائق يعملون لحسابهم الخاص في المملكة المتحدة. وكذلك يتقدّم الآلاف من الناس بطلب للعمل كسائقين لدينا في المملكة المتحدة كل أسبوع. ويقع السائقون في صميم أعمالنا، ورفاههم يشكّل أولويتنا المطلقة".
© The Independent