بالنظر إلى البيئة الحالية لأسعار الفائدة المنخفضة والتدابير التحفيزية المستمرة من قبل الحكومات والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، يتوقع الخبراء عاماً قوياً لكل من أسواق الأسهم العالمية وأسواق الأسهم الخليجية. وعلى الرغم من الموجات المتتابعة من فيروس كورونا، التي لا تزال تتسبب في حملات إغلاق جديدة، تجتاح أوروبا وآسيا والأميركتين، وتتأثر بتداعياتها منطقة الشرق الأوسط، حيث تعطي سرعة تقديم اللقاحات في البلدان الخليجية، الأمل بسرعة تعافي قطاعات العقار والطيران والسياحة والخدمات والأغذية، ما سيترك أثراً إيجابياً على أداء الشركات العاملة في هذه القطاعات المدرجة في أسواق المنطقة. ولكن مع هذه التوقعات الإيجابية تتعالى دعوات المحللين الماليين، إلى ضرورة تثقيف المُتداولين في عمليات شراء الأسهم في ما يتعلق بدراسة الشركات ووضعيتها وربحيتها، قبل الإقدام على شراء أسهم فيها. فلا يمكن إلقاء كل اللوم على الجائحة عندما اكتست شاشات معظم أسواق المال الخليجية باللون الأحمر العام الماضي، باستثناء الشهرين الأخيرين من عام 2020، حين أخذت أسواق المال في الانتعاش وواصلت انتعاشها في الربع الأول من العام الحالي مدفوعة بالتحسن الذي طال أسعار النفط والأداء القوي لكبرى البنوك الخليجية.
وحذر محللون ماليون تحدثوا لـ "اندبندنت عربية"، من "مخاطر الانصياع وراء إشاعات السوق وأحاديث المجالس الخاصة في قرارات شراء الأسهم"، التي قالوا إنها "المتسبب الأول في خسائر الأفراد". وشددوا على ضرورة استخدام السيولة المُدخرة في شراء الأسهم وليست المُقترضة. وأن يكون هدف الاستثمار بعيد المدى وليس قصيراً.
عدم الانصياع وراء الإشاعات
ودعا محمد على ياسين، الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، المستثمرين في الأسواق الخليجية إلى "عدم الانصياع خلف الإشاعات، وعدم تتبع مواقع إلكترونية غير معروفة قد تُوجه المستثمر نحو طرق استثمار خاطئة، أو الاستماع إلى نصائح أفراد غير معروفة توجهاتهم". وحض ياسين المستثمرين على ضرورة النظر إلى أسواق الأسهم على أنها استثمار طويل قد يمتد لأشهر وسنوات عدة وليس لأيام وأسابيع قصيرة، قائلاً إن "الاستثمار في الأسهم لفترة قصيرة جداً قد يرفع مستويات المخاطرة وربما يقود إلى المضاربة". ودعا ياسين إلى "وجوب أن يكون الاستثمار في سوق الأسهم عبر سيولة يمتلكها المُستثمر، وليس عبر السيولة المقترضة". وأضاف أن "عملية تشجيع المستثمرين على الاقتراض سواء كهامش أو رافعة أو عبر البنوك من أجل التداول، يرفع نسبة المخاطر بشكل كبير جداً، وهو ما نراه بشكل واضح في تجارة العملات أو ما يعرف بتجارة الخيارات على الأسهم التي يتداولها البعض، ويستخدمها كطريقة لعملية تداول كميات كبيرة من الأسهم باستخدام مبالغ صغيرة لاعتقادهم بتضخيم الأرباح غير مُدركين أن هبوط الأسهم يعني خسارة أكبر".
وقال إن "البعض يسعى إلى طلب المشورة من آخرين لديهم خبرة في السوق، وقد يكون هؤلاء على صواب في نصائحهم المُقدمة أو على خطأ. وعندما تكون خاطئة يتملص هؤلاء ويتحمل مشتري الأسهم المسؤولية عن الخسارة. من هنا أنصح المستثمرين الأفراد في الخليج، ممن يستعينون بموقع إلكتروني معين، أو مَن يلجأون إلى آخرين للحصول على نصائح في عمليات الشراء، أن يبحثوا في الشركة التي يرغبون في شراء أسهمها، عن وضعيتها في السوق وربحيتها وإذا كانت قد حققت أرباحاً لسنة واحدة فقط أو سنوات عدة، وأيضاً إن كانت الشركة تُحافظ على نسبة توزيع أرباحها أم لا، بالتالي يكون لدى الشركة ريع جيد يشجع على الاستثمار لفترة طويلة، إضافة إلى معرفة ما إذا كان مساهمو هذه الشركة معروفين ولديهم خبرة استثمارية، وقد تكون الحكومة جزءاً منها، بالتالي تشكل ثقلاً قادراً على المساعدة والحماية. بالتالي كل هذه الأمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار قبل الاستثمار في شراء الأسهم".
أسواق المال تجارة تحتمل الربح والخسارة
ووصف الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، الاستثمار في أسواق المال بـ"التجارة التي تحتمل الربح والخسارة". وأضاف "لو عدنا إلى أساسيات الاستثمار في أسواق الأسهم سنجد أن المُستثمر الذي يشتري السهم يصبح شريكاً في الشركة التي تطرح الأسهم، فعادةً ما يتجه هذا المستثمر إلى شركة بعينها كونه يؤمن بنموذج عملها، وربما لأن إدارتها قوية على أمل أن يحقق أرباحاً بعد فترة من الزمن. وبرأيي، فإنه مع مرور الوقت ومع موجة التطور الحاصلة وفي ظل انتشار الاستثمار بشكل عام، فقدَ المستثمر ارتباطه بهذه المعاني، وأصبح يتاجر بالسهم مراراً وتكراراً من دون محاولة معرفة خلفيات الشركة التي يشتري أسهماً فيها وبخاصة صغار المستثمرين من الأفراد الذين يطمحون لتحقيق أرباح سريعة من خلال عملية التداول السريعة وربما حتى المضاربة في فترة قصيرة".
وعبّر ياسين عن اعتقاده بأنه كي يكون الاستثمار في الأسهم ناجحاً، ينبغي أن يكون متوسط أو طويل الأجل. وقال "عندما نقول متوسط فنحن نتحدث عن سنتين، أما طويل الأجل فهو يمتد ما بين خمسة إلى سبعة أعوام، وأي فترة أقل من ذلك، تكون نسبة الاستثمار موجودة فعلياً، ولكن الحظ تكون نسبته أكبر فيها، إضافة إلى أن الشركة قد تمر بظروف عابرة خلال فترة الاستثمار القصيرة، ما قد يخفض أرباحها أو حتى يخلق فيها خسائر". وأضاف "لو كان الاستثمار في سوق الأسهم قصير الأجل ولا يمتلك فيه المستثمر قدرة على حمله لفترات طويلة، عندها سيضطر لبيع أسهمه بخسارة".
شراء الأسهم بالسيولة المملوكة وليست المُقترضة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، على ضرورة أن يستعين المستثمر بما لديه من سيولة فائضة في شراء الأسهم، وليس من سيولة رئيسة يحتاجها خلال فترة قصيرة، "فالسيولة الفائضة تعني أن المستثمر قادر على تحمل الاستثمار لفترات طويلة، بينما السيولة الرئيسة تعني أن التحمل يكون لفترات قصيرة، فعلى سبيل المثال أن يستخدم المرء المال الذي ادخره لإيجار مسكنه في شراء الأسهم ومن ثم يأتي وقت يحتاج لهذ المال لدفع الإيجار ليجد أن السوق غير ملائمة لبيع الأسهم، بالتالي تلحق به الخسارة".
أما من ناحية المخاطر فقال ياسين، إن "المخاطر موجودة في كل الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، ولكن الذي يُحدث الفرق في هذه الأسواق هي نوعية المُستثمر، ففي الأسواق الخليجية أغلبية المستثمرين أفراد، وهناك كبار المستثمرين من الأفراد من أصحاب الخبرة في أسواق الأسهم، بينما في الأسواق العالمية المُتطورة نرى أن القسم الأكبر من المستثمرين هم من الشركات، وإن كانت هذه الشركات تؤسس محافظ لصغار المستثمرين للاستثمار فيها من أجل تخفيف المخاطر عليهم، وعادةً ما يدير تلك المحافظ مديرون كبار ذوو خبرة". وأضاف "لكن الحاصل في السنوات الأخيرة كان مختلفاً، فلم توفر تلك المحافظ دائماً الحماية اللازمة لصغار المستثمرين".
حرق الأموال من التداولات السريعة والخسائر
وتابع ياسين قائلاً إن "هناك نقطة أخرى مهمة ينبغي الإشارة إليها وهي أن صغار المستثمرين يعتقدون أنه إذا كانت قيمة سعر السهم في السوق أقل، فبإمكانهم شراء كميات أكبر، ومن ثم التحرك بهذه الأسهم لتحقيق الأرباح، ولكن ما لا يُدركه هؤلاء هو أنه عندما يكون سعر سهم الشركة قليلة (تحت الدرهم أو تحت الريال)، فإن هذه الشركات نزلت عن قيمتها الاسمية، وهذا يعني أن هذه الشركة تسجل خسائر وإلا لما نزلت، إلى جانب إمكانية حدوث مزيد من الهبوط للسهم وما ينتج عنه من تحمل المشتري لمزيد من الخسارة، بالتالي عملية حرق الأموال من التداولات السريعة على أسهم هذه الشركات هو ما يسبب من وجهة نظري معظم خسائر المستثمرين".
الخسارة والربح واردان
من جانبه، رأى طارق قاقيش، المدير التنفيذي لشركة "سولت" للاستشارات المالية، أن "احتمالية تجنب الخسارة في سوق الأسهم منخفضة جداً، فالخسارة والربح واردان، بخاصة وأن الأسهم تُعد من الأصول عالية المخاطر، بالتالي لا يمكن للمستثمر في أسواق الأسهم تجنب الخسارة". وقال قاقيش إن "هناك استراتيجيات معينة يمكن للمستثمر القيام بها لخفض نسبة المخاطر، أبرزها تنويع المحافظ وهذا لا يعني شراء المستثمر أكثر من سهم، وإنما التنويع في القطاعات المختلفة التي تشكل معامل ارتباط في ما بينها سلبي أو منخفض. وهناك أيضاً التنوع الجغرافي، أي الاستثمار في سوق الأسهم الإماراتية والسعودية والأميركية والأوروبية، فالاستثمار على سبيل المثال في السوقين السعودية والإماراتية لا يُعد تنويعاً، لأن عوامل الارتباط مرتفعة نتيجة وجود عوامل مشتركة محركة للاقتصاد، مثل عامل أسعار النفط. وهناك استراتيجية أخرى قصيرة وبعيدة للبيع على المكشوف، التي تخدم المراكز طويلة الأمد أو استراتيجية قصيرة التي يستخدمها عادة مديرو صناديق التحوط التي يمكن لها أن تخفف المخاطر في سوق الأسهم".
عامل السن يؤثر في قرارات الاستثمار وفي تكوين المحفظة
وتابع قاقيش قائلاً إن "من أهم الأمور التي يُنصَح بها المتداول، هي أن تُمثل الأموال المستثمَرة في سوق الأسهم جزءاً بسيطاً من المحفظة الكلية للمستثمر، فإذا كانت قيمة كل الأصول التي يمتلكها مليون درهم على سيبل المثال، فيجب ألا تتعدى نسبة الاستثمار في الأسهم ما بين 5 إلى 10 في المئة. من المهم أيضاً، الإشارة إلى أن عامل السن يؤثر على القرارات الاستثمارية وحتى على تكوين المحفظة، فعندما يكون المستثمر في سن متقدمة نشرح له المخاطر لمعرفة مدى تقبله لها، في حين يختلف الأمر بالنسبة إلى المستثمر الحديث السن حيث ننصحه بالتنويع من ناحية نوعية الأصول في سوق الأسهم والسندات وكذلك السيولة المتواجدة في البنك، بالتالي ينبغي النظر في كل هذه الأمور".
كذلك قال المدير التنفيذي لشركة "سولت" للاستشارات المالية، إنه "بالنسبة إلى أسواق المنطقة التي تتراوح ما بين الناشئة والنامية والحدودية، فإن غالبية المستثمرين لا يزالوان يتفاعلون عملياً بالمشاعر ويستمعون إلى الإشاعات ويتخذون قرارات بالشراء بناءً على بعض الأخبار غير المؤكدة وطبعاً هذا الأمر طبيعي ولا يقتصر على أسواق المنطقة بل موجود في العالم أيضاً، ولكن النسبة الأكبر هي في المنطقة بسبب ضعف تطبيق القوانين في بعض الدول، ما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة. وفي ذات الوقت من الضروري الاعتماد على وعي المتداول وخبرته في الأسواق التي هي أحد أبرز الأسباب التي تؤثر في القرارات الاستثمارية".
وأوضح أن "أسواق المنطقة تتمركز فيها أكبر نسبة لحجم تداول الأفراد مقارنةً مع المؤسسات وصناديق التقاعد، لذلك نلاحظ أن تأثر الأسواق نتيجة الأخبار غير المؤكدة والإشاعات منتشرة عادةً، وقد تكون الأكثر انتشاراً بالنسبة إلى أسواق أخرى".