كما كان متوقعاً، كانت قضية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وجيرانها المتشاطئين معها في مياه المتوسط وخروج القوات الأجنبية من أراضيها أبرز الملفات التي شكلت محور المحادثات بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي والمسؤولين في أثينا، خلال زيارته اليونان الأربعاء، بدعوة رسمية من رئاستها.
وجاءت الزيارة بعد يوم واحد من ذهاب رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى أنقرة، إذ وقع خلالها حزمة من الاتفاقات الاقتصادية معها، وأقر الطرفان فيها الاتفاقات التركية - الليبية الموقعة نهاية 2019، المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مع اتفاقات أمنية كانت على الدوام محل اعتراض عدد من دول الجوار الإقليمي لليبيا، وعلى رأسها اليونان.
وتعهد المنفي للمسؤولين في أثينا خلال الزيارة بمنح بلادهم فرصاً للاستثمار في ليبيا في عدد من المجالات الحيوية التي تحتاجها بلاده، والعمل على النظر في طلب تعديل ومعالجة الاتفاق الليبي مع تركيا الخاص بترسيم الحدود البحرية، الذي تعتبره اليونان تهديداً لمصالحها الاقتصادية في البحر المتوسط.
توطيد الشراكة مع اليونان
وفي بيان نشره مكتبه الإعلامي، قال المنفي إنه عقد خلال الزيارة محادثات ثنائية مع كل من رئيسة الجمهورية اليونانية إيكاتيريني ساكيلاروبولو ورئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، ركزت على العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، ومناقشة كل القضايا العالقة، وتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأعرب المنفي للمسؤولين اليونانيين عن امتنانه لإعادة فتح السفارة اليونانية في طرابلس والقنصلية في بنغازي، ورغبة بلاده في توطيد الشراكة الاقتصادية والثقافية والتعليمية والأمنية بين الجانبين. وشدد على ضرورة تفعيل آليات التعاون المشترك، خصوصاً في مجال الكهرباء والطاقة المتجددة، لافتاً إلى أن الفرصة سانحة بوجود حكومة وحدة وطنية لتعزيز العلاقات وترجمتها على أرض الواقع من خلال إقامة الشراكات وإنجاز المشاريع التي تعود بالنفع على البلدين.
وفي ما بدا أنه رد على طلب يوناني بعقد اتفاقات مع طرابلس بخصوص ترسيم الحدود البحرية، أو تعديل الاتفاق الخاص بهذه المسألة الموقع بين ليبيا وتركيا، أكد المنفي "عدم قدرة المجلس على عقد أي اتفاقات وفقاً لما جاء في اتفاق جنيف، الذي أفضى إلى انتخاب مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية"، لكنه أشار إلى "أهمية تفعيل عمل اللجان المشتركة حالياً تمهيداً لأية اتفاقات مستقبلية، يمكن أن تبرمها السلطة المقبلة المنتخبة، بما في ذلك قضية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية".
بيان الرئاسة اليونانية
التفاصيل التي نوقشت في المحادثات التي أجراها رئيس الرئاسي الليبي في اليونان وتجنب بيانه الحديث عنها صراحة مكتفياً بالتلميح لبعضها، وردت بشكل أوضح في بيان الرئاسة اليونانية حول هذه الزيارة الذي ذكر أن "رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد محمد المنفي تعهد خلال زيارته اليونان، الأربعاء، ببذل كل الجهود الممكنة من أجل مغادرة جميع الميليشيات الأجنبية لبلاده".
وقال المنفي، بحسب البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، إن "السلطات الجديدة ستبذل كل الجهود الممكنة لضمان سيادة واستقلال ليبيا المرتبط بالخروج النهائي لجميع القوات الأجنبية منها"، مؤكداً أن "نقاشات تجري حالياً حول الموضوع مع عدد من الدول لتحقيق هدف مغادرة المرتزقة الأجانب".
من جانبه، تعهد رئيس الوزراء اليوناني تقديم الدعم في إعادة إعمار ليبيا، مشدداً على أن "الشرط الأساس للحل السياسي في ليبيا هو مغادرة كل القوات الأجنبية للأراضي الليبية قبل الانتخابات المقررة نهاية العام".
وأكد بيان الرئاسة اليونانية "نية البلدين المتوسطيين معالجة مسائل حيوية على غرار تحديد الحدود البحرية في شرق المتوسط".
وكان ديندياس جدّد خلال زيارته طرابلس الأسبوع الماضي رفض اليونان الاتفاقين اللذَين أبرمتهما الحكومة الليبية السابقة مع تركيا، خصوصاً ترسيم الحدود البحرية الموقع عام 2019.
تفكيك شبكة لتهريب الأسلحة من ليبيا
في سياق آخر، عادت مشكلة الانفلات الأمني بالحدود الجنوبية لليبيا مع عدد من دول جوارها الأفريقي إلى دائرة الضوء، وهي التي أسهمت خلال السنوات الماضية في تعزيز ظاهرة تهريب الأسلحة والممنوعات وعصابات الجريمة العابرة للحدود، وشكلت رافداً أساسياً للجماعات المتطرفة والمتمردين في دول مالي والنيجر وتشاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء ذلك بإعلان السلطات الأمنية بدولة النيجر، الأربعاء، تفكيك شبكة دولية لتهريب الأسلحة من ليبيا كانت في طريقها إلى نيجيريا التي ينشط بها عدد من التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم بوكو حرام الموالي لـ "داعش".
وأكدت السلطات النيجرية، في بيان، أن "قوات الأمن أحبطت الأحد الماضي محاولة تهريب شحنة أسلحة وذخائر منقولة في سيارتين قادمتين من ليبيا تحويان كميات من الأسلحة المختلفة".
وأوضح البيان أن "كميات الأسلحة المضبوطة شملت مسدسات وأكثر من 70 بندقية كلاشنكوف وصاروخين وأكثر من 33 ألف رصاصة أثناء مطاردة قوات الأمن عدداً من المهربين في مدينة إنغال شمال النيجر، كانوا يستقلون سيارتين انقلبت إحداهما في الطريق وألقت القبض على أربعة من ركابها".
وقال مصدر أمني نيجيري لوسائل إعلام محلية، إنه "جرى العثور على أربعة ركاب من ستة مصابين، بينما تمكن الآخران من الفرار، فيما استولت القوات الحكومية على السيارة الثانية التي تركها ركابها مع حمولتها".
تحذيرات من واشنطن
من جانبها، ألقت السفارة الأميركية لدى ليبيا الضوء على ما يجري على الحدود الجنوبية لليبيا وما يشكله من تهديد لأمن جيرانها والمنطقة برمتها، معتبرة أن "دخول متمردي (فاكت) المعارضة إلى تشاد من ليبيا، يسلط الضوء مرة أخرى على الحاجة الملحة لجعل ليبيا موحدة ومستقرة، مع السيطرة التامة على حدودها".
وأكدت السفارة، في بيان، أن "الولايات المتحدة ستواصل إشراك أصحاب المصلحة من الليبيين أو من العالم لدعم العملية السياسية التي ستتوج بانتخابات ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهو ما سيساعد في تعزيز سيادة ليبيا وجعلها آمنة وخالية من التدخل الأجنبي من أجل الاستقرار الإقليمي وأمن جيرانها".
ونقل موقع السفارة معلومات تستند إلى تقارير إعلامية تشير إلى "تحركات مريبة لمجموعات مسلحة غير حكومية إلى تشاد من ليبيا، واحتمال دخولها في مواجهات مع الجيش التشادي في المنطقة الواقعة شمال تشاد بالقرب من حدود النيجر وليبيا".
وحذرت واشنطن من "السفر إلى هذه المناطق والمناطق المحيطة بها في شمال تشاد، مع ضرورة ترقب مستجدات الأحداث من السفارة ووزارة الخارجية الأميركية".