بلغت المباحثات الجارية حالياً في فيينا، والهادفة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني "مرحلة الصياغة" لنص مشترك محتمل، على الرغم من أن التوصل إلى حل لا يزال بعيد المنال، وفق ما أفاد به دبلوماسي روسي، الاثنين، 19 أبريل (نيسان)، في حين بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة محادثات مع إيران على أمل أن تقدم هذه الأخيرة تفسيرات حول منشأ آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في مواقع لم تعلن عنها طهران من قبل، وهي قضية يمكن أن تؤثر في مساعي إحياء الاتفاق النووي.
وكتب ميخائيل أوليانوف، سفير روسيا، إلى المنظمات الدولية التي تتخذ من فيينا مقراً لها، عبر حسابه على "تويتر"، أنه "بعد أسبوعين من النقاشات في شأن إعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق النووي)، يمكننا أن نلحظ برضا أن المفاوضات دخلت مرحلة الصياغة".
وأضاف، "الحلول العملية لا تزال بعيدة، لكننا انتقلنا من الكلمات العامة إلى الاتفاق على خطوات محددة نحو الهدف" المتمثل عملياً بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي انسحبت منه أحادياً عام 2018 معيدةً فرض عقوبات اقتصادية على طهران، وعودة الأخيرة إلى احترام كامل التزاماتها بموجب الاتفاق.
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال بدوره الاثنين، إنه يرى رغبة لدى طهران وواشنطن في إنقاذ اتفاق 2015 النووي، مشيراً إلى حدوث تقدم في محادثات فيينا.
وأضاف، "أعتقد أن كلا الطرفين مهتمان حقاً بالتوصل إلى اتفاق، وهما يمضيان من القضايا العامة إلى تلك الأكثر تفصيلاً، والتي هي بوضوح، من جانب تخص رفع العقوبات ومن الجانب الآخر تتعلق بقضايا الالتزام (بالاتفاق) النووي".
حل مؤقت؟
إيرانياً، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، في مؤتمر صحافي أسبوعي في طهران، "نحن على المسار الصحيح وأُحرز بعض التقدم، لكن ذلك لا يعني أن محادثات فيينا وصلت إلى المرحلة الأخيرة".
وأفاد مسؤولون إيرانيون لوكالة "رويترز"، بأن محادثات فيينا قد تسفر عن اتفاق مؤقت لإتاحة المجال للدبلوماسية للعمل على تسوية دائمة. وقال مسؤول إيراني، "الموعد النهائي الذي يحل في مايو (أيار) يقترب... ما يُناقش في فيينا بالنسبة للأجل القريب هو الخطوط العريضة الرئيسة لاتفاق مؤقت لمنح كل الأطراف مزيداً من الوقت لحل المشاكل الفنية المعقدة". وكان يشير إلى قانون أقره البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المحافظون ويلزم الحكومة بتشديد موقفها النووي إذا لم تُرفع العقوبات عنها.
وقال مسؤول إيراني آخر إنه إذا تم التوصل إلى اتفاق سياسي بشأن الخطوات الفنية لرفع جميع العقوبات، فقد تعلق طهران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء 20 في المئة مقابل الإفراج عن أموالها المحتجزة في دول أخرى.
وتقول إيران إن 20 مليار دولار من إيراداتها النفطية مجمدة في دول مثل كوريا الجنوبية والعراق والصين بموجب نظام العقوبات الأميركي منذ عام 2018.
مباحثات فيينا
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوصلت إيران والقوى الست الكبرى، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، إلى اتفاق في شأن البرنامج النووي إيران عام 2015، بعد سنوات عدة من المفاوضات الشاقة. وأتاح الاتفاق رفع العديد من العقوبات التي كانت مفروضة على طهران، في مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
لكن الولايات المتحدة انسحبت أحادياً من الاتفاق في عهد رئيسها السابق دونالد ترمب، ما دفع إيران بعد نحو عام من هذا الانسحاب، إلى التراجع تدريجياً عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه. وتعهد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إعادة بلاده إلى الاتفاق، لكن المواقف كانت متباينة بين طهران وواشنطن في شأن من يجدر به القيام بالخطوة الأولى، إذ أصر الأميركيون على عودة إيران إلى التزاماتها، في حين شدد الإيرانيون على رفع العقوبات أولاً.
وفي الأيام الماضية، كثف الأطراف الذين ما زالوا ضمن الاتفاق مباحثاتهم في فيينا، في إطار ما يعرف بـ"اللجنة المشتركة" للاتفاق النووي، من أجل التوصل إلى حل يتيح عودة طهران وواشنطن إلى الالتزام ببنوده. ويوجد وفد أميركي في العاصمة النمساوية، لكنه لا يشارك في المباحثات مباشرةً، ولا يجلس إلى طاولة واحدة مع الوفد الإيراني، في حين يتولى الأوروبيون الوساطة بين الجانبين.
تفجير نطنز
وترافقت المباحثات الجارية في فيينا، مع تعرض منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم وسط إيران، لعمل "تخريبي" في 11 أبريل الماضي، واتهمت طهران إسرائيل بالوقوف خلفه. ورداً على التفجير، أعلنت إيران البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، ما يجعلها أقرب من أي وقت مضى إلى مستوى نقاوة 90 في المئة، وهو المستوى الذي يمكن استخدامه لأغراض عسكرية.
وكانت إيران، في إطار تراجعها عن تنفيذ التزاماتها، قد رفعت قبل أشهر مستوى التخصيب إلى 20 في المئة، علماً بأن الاتفاق النووي كان قد حدد هذه النسبة بـ3.67 في المئة فقط.
غير أن الأطراف الحاضرين في فيينا أبدوا في نهاية الأسبوع إشارات "إيجابية" في المباحثات، على الرغم من تأكيد وجود "اختلافات" بين المعنيين بالملف.
أرضية مشتركة ولكن الخلاف موجود
وقال معاون وزير الخارجية الإيرانية ورئيس الوفد في فيينا، عباس عراقجي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيرانية، السبت، "يبدو أنه يتم تشكيل تفاهم جديد، وهناك أرضية مشتركة بين الجميع الآن. معالم المسار الذي يجب قطعه باتت معروفة نوعاً ما. بالطبع لن يكون هذا المسار سهلاً".
وأضاف، "اختلاف وجهات النظر لم ينتهِ بعد، وهناك اختلافات في وجهات النظر يجب تقليصها خلال المحادثات المقبلة". وتابع، "المفاوضات وصلت الآن إلى مرحلة يمكن فيها للأطراف البدء في العمل على نص مشترك... على الأقل في المجالات التي تلتقي فيها الآراء".
وفي واشنطن، أكد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن بلاده تربط بين رفع العقوبات عن إيران، والتأكد من امتثالها لبنود الاتفاق النووي. وأضاف في تصريحات لشبكة "فوكس نيوز"، الأحد، "الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات إلا في حال توافر لدينا وضوح وثقة بأن إيران ستعود إلى الامتثال الكامل بالتزاماتها بموجب الاتفاق (وأنها) ستقيد برنامجها النووي".
بدء محادثات حول آثار يورانيوم في إيران
في غضون ذلك، بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية محادثات مع إيران الاثنين، على أمل أن تقدم طهران تفسيرات حول منشأ آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في مواقع لم تعلن عنها إيران من قبل.
وساعد اتفاق تم التوصل إليه لعقد هذه المحادثات في إقناع القوى الأوروبية بتأجيل محاولات استصدار قرار ينتقد إيران في اجتماع مجلس محافظي الوكالة المؤلف من 35 دولة الشهر الماضي. وأدى ذلك إلى تجنب تصعيد بين إيران والغرب من شأنه أن يلحق الضرر بجهود إعادة واشنطن وطهران للامتثال الكامل للاتفاق النووي.
لكن إذا فشلت إيران في تقديم تفسير لآثار اليورانيوم خلال اجتماعها مع الوكالة، فقد تسعى القوى الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، للضغط لاستصدار قرار بدعم من الولايات المتحدة عندما يحل موعد الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين في يونيو (حزيران).
وقالت الوكالة في بيان، "بدأت الوكالة الدولية وإيران اليوم عملية مركزة تهدف لتوضيح قضايا عالقة تتعلق بالضمانات". وأضافت أن الاجتماع كان على مستوى الخبراء.
وتجاوز الاتفاق النووي الإيراني بشكل فعلي ما تعتقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووكالات الاستخبارات الأميركية أنه برنامج سري منسق للأسلحة النووية أوقفته إيران في عام 2003. وتنفي طهران السعي قط لامتلاك أسلحة نووية.
لكن في العامين المنصرمين، عثر مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية على آثار لليورانيوم المعالج في ثلاثة مواقع لم تعلن إيران عنها قط للوكالة، في ما يعد مؤشراً إلى أن طهران تملك مواد نووية مرتبطة بأنشطة قديمة ولا يعرف أحد مصيرها. ويتعين على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تتعقب تلك المواد للتأكد من أن إيران لا تحوّل أي مواد لصنع أسلحة نووية.
وكانت هذه القضية أحد العوامل التي عرقلت الجهود الدبلوماسية الرامية لإحياء الاتفاق النووي. وكان من المقرر عقد أول اجتماع بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران لمناقشة موضوع آثار اليورانيوم في طهران في أوائل أبريل، لكن الاجتماع تأجل تزامناً مع الإعداد لمحادثات فيينا.