تزداد فرص وصول جيريمي كوربن إلى منصب رئاسة الوزراء البريطانية في الانتخابات المقبلة. وبلوغه سدة رئاسة الوزراء هو من نتائج فشلنا في الخروج من الاتحاد الأوروبي. إذا كنّا سنبقى فيه، وهذا رأيي، فالبقاء سيغير وجه الأمور.
وما حصل هو خير دليل على أنّ حزب المحافظين صار أنقاضاً. فهو أخفق في إنجاز بريكست بعد أن كانت الحكومة وعدت في الاستفتاء منذ ثلاث سنوات أنّ "الحكومة ستنفّذ ما تقررونه".
لا أعتقد أن ثمة مبالغة في القول إنّ حزب المحافظين لن يتعافى مما سينظر إليه معظم دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي طوال سنوات على أنه خيانة. أمّا مدى الضرر اللاحق به فهو ليس واضحاً بعد، خصوصاً أنّ الحزب سيبقى في الحكومة مدة من الوقت وقد تبقى تيريزا ماي، فعلياً، في منصب رئيسة الوزراء.
عندما اجتمع رئيس لجنة 1922 بأعضائها، أي النواب المحافظين، هذا الأسبوع، درسوا واقع الأمور، ولاحظوا أن كفة بوريس جونسون ترجح، فأصيبوا بالهلع وأوصدوا الأبواب. فهم لا يريدون أن يصبح جونسون رئيساً للوزراء على قدر ما لا يريدون بقاء تيريزا ماي في هذا المنصب.
إذا تُركوا وشأنهم، من المحتمل أن يختار النواب المحافظون مايكل غوف أو جيريمي هانت أو ديفيد ليندينغتون لتوجيه دفة الحزب غير أنّ قاعدته الأوسع قد لا توافق على مثل هذا القرار. وأظهر استطلاع رأي أجرته مدوّنة "كونسيرفاتيف هوم"، في أوساط الأعضاء، أنّ جونسون أو دومينيك راب سيرفضان أيّ مرشّح يميل إلى البراغماتية. وهذه المدوّنة من أشدّ المدافعين عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ولذا، قد يكون أعضاء العينة المختارة في استطلاعها غير حياديين، ولكن انحيازهم هذا لم يبلغ مبلغ أو حد إبطال نتائج الاستطلاع، على ما أعتقد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعليه، يمضون قدماً، ويبدو عليهم الهدوء، ويتستّرون على اضطرابهم. وما يسهم كذلك في تردّدهم في تأييد جونسون رئيساً للوزراء، هو عجزه بدوره عن إخراج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. لن يسمح البرلمان للمملكة المتحدة بالمغادرة من دون اتفاق كما أنه لن يصوّت لصالح انتخابات عامة مبكرة.
والسبيل الوحيد المتبقي أمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو نفاد صبر قادته وإجبارنا على الانسحاب. ولو حدث ذلك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكان مجلس العموم على الأرجح ليُصادق على اتفاق الانسحاب عوض الاضطرار إلى خروج من دون اتفاق أو إبطال بريكست بالكامل. ولكنني أشكّ في أن يدفعنا إيمانويل ماكرون أو غيره إلى الخروج. فدول الاتحاد الأوروبي الـ 27 لن تغامر في التسبّب بخروجٍ من دون اتفاق. واستنتج قادة الاتحاد أنهم إذا منحونا وقتاً كافياً، فالأرجح، في نهاية المطاف، أن نغير رأينا في الخروج.
ويظهر ما تقدّم أن أمر المحافظين انتهى، وأنّ فرص كوربن في الفوز بالانتخابات المقبلة هي الأكبر، وأنّ نايجل فاراج سيكون على الأرجح أبرز من سيعارضه خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويرجح أن يفوز حزب بريكست الجديد الذي يرأسه فاراج في الانتخابات الأوروبية، وهذه ليست سوى البداية. وإذا نُظمت انتخابات فرعية على الخروج من الاتحاد، لا شكّ في أنّ حزب بريكست سيفوز بها. وإذا انشقّ نواب محافظون وانضموا إلى حزب بريكست، وترشّحوا إلى الانتخابات الفرعية كما فعل دوغلاس كارسويل ومارك ريكليس حين أنشقّا والتحقا بحزب استقلال المملكة المتحدة في العام 2014، فمن المرجّح أن يفوزوا بها.
وإذا كان ثمة مرشح عن حزب بريكست لمنصب عمدة لندن العام المقبل، فسيحلّ في المركز الثاني أمام صادق خان الذي سيُعاد انتخابه. وسيحالف المرشّح المحافظ شون بايلي الحظ، إذا حلّ رابعاً.
لا أعتقد أن توقّع فوز فاراج على المحافظين في استطلاعات رأي في الانتخابات العامة المقبلة، مستهجنٌ أو غريب. وعوض البحث في مدى صعوبة إحراز حزب "تغيير المملكة المتحدة" خرقاً في نظام التصويت الذي يعتمد على فوز من يحرز أغلبية بسيطة، يناقش الناس اللحظة الفاصلة بين حزب المحافظين وحزب بريكست.
وعليه، لا مناصَ من أن يصبح حزب العمال حزبَ "البقاء" في الاتحاد الاوروبي. لا أدري ما الذي سيقرّره، خلال اجتماعه يوم الثلثاء، المكتب التنفيذي الوطني في حزب العمال حول سياسته إزاء استفتاءٍ جديد. أظنّ أن كوربن سينجح في التحايل عليه. لعلّ في الإمكان إنقاذ المناشير الانتخابية الأوروبية من رميها في سلال إعادة التدوير من طريق ختم عبارة "الفشل في تقرير أيّ تصويت عام سيُعتمد" على إحدى زواياها.
ولكنني لا أرى كيف سيتمكّن حزب العمال من الذهاب إلى انتخابات عامة في العام 2022، بعد مرور ستّ سنوات على الاستفتاء الذي وعد بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يجافي المنطقَ السعيُ إلى توقّع ذلك مسبقاً، ولكن قد يعتبر كوربن الانتخابات العامة "اقتراعاً عاماً" ويقول إنّه في مثابة تفويض للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
ولكن، وللمفارقة، قد يصبح كوربن، المشكّك الدائم في الاتحاد الأوروبي، الزعيم الذي يقضي، في نهاية المطاف، على بريكست.
© The Independent