ملخص
ينطبق التحول الحاصل على المجتمعات كافة، وحتى على الولايات المتحدة الأميركية، حيث قد يزيد الانفتاح، إذ أسهم التعرض الزائد لوسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح في إحداث تغييرات في نمط التفكير وفي السلوكيات، حتى في مجتمعات كانت أصلاً أكثر انفتاحاً.
يبدو واضحاً للجميع أن مراهقي اليوم يختلفون تماماً عن المراهقين قبل عقود مضت، وذلك من نواحٍ عديدة. ومما لا شك فيه أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بصورة خاصة، والعولمة بتداعياتها كافة، من العوامل التي لعبت دوراً بارزاً في تعميق الهوة بين الأجيال من جهة، وإحداث تحولات كبرى في حياة المراهقين من جهة أخرى. فإذا بنمط حياتهم يختلف واهتماماتهم ومتطلباتهم أيضاً. وانعكس التغيير الجذري الحاصل على المستوى الثقافي على سلوكيات المراهقين، خصوصاً أن المراهق يعتبر الأكثر ميلاً إلى التأثر بالعوامل المحيطة. إلا أن هذا التغيير ليس بظاهرة مستجدة ولم يحصل بصورة مفاجئة، بل بصورة تدريجية، إنما متسارع، في السنوات الأخيرة، مع زيادة أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين ودورها الأكبر الذي تلعبه اليوم في حياتهم. وفي مواكبة هذه التحولات حكماً، تغيير في طرق التعاطي معهم وفي تلبية متطلباتهم.
دور بارز لوسائل التواصل الاجتماعي
في العقود الأخيرة تسارعت وتيرة التغيير في حياة المراهقين، بالفعل، بوجود وسائل التواصل الاجتماعي التي سيطرت أكثر فأكثر على حياتهم، وباتت ترافقهم في كل لحظة منها. وفي هذه المرحلة العمرية، يمر المراهق بفترة صعبة تزيد فيها التحديات بسبب الإرباك الذي يشعر به حول هويته وحاجاته ورغباته، وقد يكون ذلك ما يجعله أكثر ميلاً للتأثر بالعوامل المحيطة به بمعدلات عالية. فيبدو وكأن المراهق قابل للتغير بحسب ما يختبره، ويصادفه في حياته، وما يحصل من حوله. ويعيد الخبراء ما حصل من تغيير في متطلبات المراهقين، ونمط حياتهم، وسلوكياتهم، في السنوات الأخيرة بصورة أساسية، إلى وجود وسائل التواصل الاجتماعي على أنواعها في حياتهم. فهي ترافقهم لحظة بلحظة، ومن الطبيعي أن ينعكس وجودها عليهم بصور عدة. وقد يكون هذا السبب الرئيس الذي أسهم في التحول الذي نشهده بين مراهقي اليوم بالمقارنة مع ما كان عليه المراهق قبل عقود مضت، حتى إن الأمور لم تعد اليوم بالنسبة إلى المراهق بالبساطة التي كانت عليها في السابق. ونراه حالياً أكثر نضجاً وكأنه أكبر سناً، إذا ما قارناه مع المراهق في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية ريما بجاني، "هناك تطور ملحوظ على الصعيد الفكري والثقافي والسلوكي، وحتى على صعيد حاجات مراهقي اليوم بالمقارنة مع المراهقين قبل عقود مضت. أما أول الاختلافات التي لا بد من تسليط الضوء عليها، فترتبط بطريقة التربية. نشهد اليوم اختلافاً في طريقة التربية بالمقارنة مع أجيال سابقة، إذ كانت طريقة التربية صارمة، وتميل إلى حرمان المراهق أو الطفل من فرصة التعبير بحرية عن رأيه، وكانت مساحة الحرية التي تعطى له محدودة. وكانت سلطة الأهل تفرض قواعد صارمة لترسيخ مبدأ الطاعة والخضوع".
وإذ تتحفظ بجاني عن مدح النظام التربوي الذي يعطي الحرية الكاملة للطفل لاعتباره غير صحي، لا تنكر أن التربية الحديثة أسهمت في تنمية شخصية الطفل والمراهق، وأيضاً طريقة التفكير التي من الممكن تحفيز الطفل لتنميتها لديه، وكانت التربية التقليدية بعيدة كل البعد من هذا الإطار، وتعتمد على التوجيه المستمر للطفل وعلى حرمانه من أي مجال يضمن لاستقلالية، "تعتمد الطريقة الحديثة في التربية، بمنحاها الإيجابي، على التركيز على التفكير النقدي وعلى تنمية طريقة التفكير الخاصة، وتسليط الضوء على نقاط القوة لديه، ومساعدته على تصحيح نقاط الضعف. هذا ما أسهم في نمو الأطفال بسرعة كبرى، فاكتسبوا نمط تفكير أكثر نضجاً وباتوا أكثر وعياً. وأسهم، أيضاً، في حصول تحولات كبرى في شخصيته ومتطلباته. إلا أن التغيير والتحول لم يحصل بصورة مفاجئة، بل تدريجاً حتى بات يلاحظ بصورة أوضح من جيل إلى آخر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحول في جميع المجتمعات
وينطبق التحول الحاصل على المجتمعات كافة، وحتى على الولايات المتحدة الأميركية، إذ قد يزيد الانفتاح، فقد أسهم التعرض الزائد لوسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح في إحداث تغييرات في نمط التفكير وفي السلوكيات، حتى في مجتمعات كانت أصلاً أكثر انفتاحاً. إذ يختلط الطفل هنا، ولو افتراضياً، مع أنماط تفكير مختلفة وسلوكيات قد لا تشبهه، ما يجعله أكثر ميلاً للتأثر والتحول من النواحي كافة.
وهذا التأثر بوسائل التواصل الاجتماعي لم يكن كله إيجابيات، إذ أسهم بنمو الطفل والمراهق بصورة تسبق سنه، ووعيه، ومستوى نضجه، وقد لا يكون أحياناً جاهزاً لهذا التغيير. وحتى إذا كان الانفتاح قد أسهم في زيادة مستويات الوعي لدى المراهق، إلا أنه يبقى مراهقاً بحسب بجاني، "وله انفعالات وردود فعل، وسلوكيات طبيعية في هذه المرحلة العمرية. في الوقت نفسه أصبح المراهق أكثر نضجاً، مثال على ذلك ثقافته في الحياة الجنسية التي كانت محدودة للغاية سابقاً، وكانت من المسائل التي يحيط بها الغموض باختيار من الأهل. فكانوا يفضلون أن يكتشف المراهق وحده الأمور بدلاً من اطلاعه على تفاصيلها. ولأن الوعي كان ينقصه في هذه المسألة، كان يكتشفها أحياناً بطريقة خاطئة. تبدلت الأمور اليوم، وأصبحت هذه المسائل تتوضح للمراهق بطريقة علمية ما زادة نضجاً ووعياً. ساعدت طريقة التعاطي معه والتربية الحديثة على تنمية شخصيته". وتشدد بجاني على أهمية ألا يكبر قبل سنه، وألا تزيد الضغوط عليه، وألا يتم التعامل معه كما لو كان راشداً.
انطلاقاً من هذا التغيير الحاصل في تربية المراهق، لم تعد مرحلة المراهقة تبدأ في عمر 13 سنة، بل من عمر تسع أو 10 سنوات، وذلك بفضل الوعي والانفتاح وطريقة التعامل مع الأطفال. فباتوا يتحلون بمستوى نضج وثقافي أعلى لأن الحقائق لا تخفى عليهم، كما كان يحصل في السابق. ويعد هذا الجانب إيجاباً شرط أن يعيش المراهق هذه المرحلة العمرية، ولا يتخطاها. وتحذر بجاني من الآثار السلبية والأضرار التي يتعرض لها المراهق الذي يعيش بصورة يتخطى فيها عمره، "فإذا عرف بوجود صعوبات، يمكن تعليمه كيفية تخطيها من دون زيادة الضغوط النفسية عليه، ومن المهم أن يحسن التعامل مع التحديات بصورة تنمي شخصيته، بحسب سنه، أحياناً قد يشعر بضغوط عندما تتخطى الأمور قدرته على التحمل أو المواجهة أو عندما يتحمل مسؤوليات لا تلائم سنه، فهو لا يزال مراهقاً ولم يصبح راشداً بعد، وإن تحلى بالوعي. هذا ما يحصل في حال تعاطيه مع أشخاص أكبر منه سناً، يتعرض عندها إلى أمور لا تناسب سنه، سواء في الحياة الجنسية، أو في السلوكيات، أو غيرها. لذلك، يجب التمييز بين النضج والمبالغة في الانفتاح عبر تعريض المراهق لسلوكيات ونمط حياة لا يتناسب مع سنه. وعندها، قد يصل إلى حد الوقاحة في السلوك، أو التصرف اللاأخلاقي، أو غيرها من السلوكيات غير اللائقة عندها. وهي من الأمور التي زادت أخيراً في فئة المراهقين، إذ إن هناك حاجة إلى مزيد من النضج الذي لا يملكه المراهق بعد، ولا يمكن وضعه في ظروف غير ملائمة له لأن ثمة مسائل لا يحسن التعامل معها إلى أن يكتسب الوعي الكافي من خلال الخبرات مع التقدم بالعمر، ولو اعتقد أنه قادر على ذلك. والأسوأ أنه عندما يفشل يتعرض إلى الأذى ويؤثر ذلك سلباً على شخصيته، وثقته بنفسه، وصحته النفسية، وينطبق ذلك على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بصورة غير ملائمة لسنه".
في لبنان وضع أكثر خطورة
في لبنان تحديداً، حصل التحول في فئة المراهقين، كما في مختلف دول العالم، لكن بصورة مفاجئة، مما أدى إلى تحول دراماتيكي نقل المراهقين من مرحلة إلى أخرى، كما يبدو أن التغيير الذي حصل في تعاطي الأهل مع أطفالهم وفي تربيتهم، لم يرتكز دوماً على الوعي والإدراك لأهمية التربية الحديثة ودورها في تنمية شخصية المراهق. وتشير بجاني إلى أن هناك مشكلة أساسية بوجود جيل تربى على يد "جيل حرب"، "وكأن الأهل قد أرادوا أن يعوضوا على أطفالهم ما حرموا منه بسبب الحرب، وهنا كان التغيير السلبي الذي حصل، إذ كبر المراهقون قبل الأوان وظهر ذلك بصورة سلبية في سلوكياتهم، ونمط حياتهم، ومتطلباتهم. لم يعد ذلك يرتبط بالوعي والانفتاح، بل أسهم ذلك في إفساد المراهق أحياناً"، لذلك، تدعو بجاني إلى اللجوء للتربية الحديثة، مع الحرص على الانضباط وتجنب التحرر العشوائي من دون ضوابط، وهنا الخط الفاصل بين التربية الحديثة بإيجابياتها في توعية المراهق وجعله أكثر نضجاً، وسلبياتها التي يمكن أن تفسده، كما أن المطلوب تقرب الأهل من المراهقين، مع الحرص على موقعهم كأهل فلا يتحولون إلى أصدقاء لأطفالهم. ومن الواضح أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في إلغاء هذه الضوابط عبر التمثل بالغرب، وفي كل الحالات، يبقى الأهم وجود الأهل إلى جانب أطفالهم ومتابعتهم بصورة متواصلة، مع ضرورة التمسك بالعادات والتقاليد وثقافة البلد. فحتى الاستقلالية، يجب لا تكون عشوائية، وهناك ضوابط واحترام لدور الأهل وللآخر. ويجب أن يكتسب المراهق النضج بصورة تدريجية، وهذا ما قد تفسده وسائل التواصل الاجتماعي التي يتعرض فيها المراهق لكل شيء.
متطلبات مختلفة أيضاً
كما اختلفت طريقة التربية ونمط حياة المراهقين وسلوكياتهم في ظل الانفتاح الحاصل بوجود وسائل التواصل، وتبدل، حكماً، نمط الحياة وأيضاً متطلباتهم وحاجاتهم. فإذا كان المراهق قبل سنوات مضت، يعيش حياة تغلب عليها البساطة، وهي أقرب إلى حياة طفل بالمفهوم التقليدي، يبدو واضحاً أن الأمور تبدلت اليوم. فحتى الأنشطة التي يقوم بها اختلفت، وطريقة عيشه. وأصبح يبحث عما يلبي حاجاته الأقرب إلى تلك التي للراشد لينعم بمزيد من الاستقلالية كما لو كان أكبر سناً. في الأقل، يبحث عما يتماشى مع نمط الحياة الذي يلائمه كمراهق في أيامنا هذه. والخروج مع الأصدقاء للاستمتاع والتسلية بات من الأمور المعتادة التي لم نكن نشهدها سابقاً بين المراهقين الذي يلتزمون بالخروج مع أهلهم حصراً. وهذا ما فرض توفير الأماكن التي تلبي هذه الحاجات الخاصة بهم، والتي تشعرهم بأنهم أكثر استقلالية. لذلك، على صعيد العالم، وفي لبنان أيضاً، باتت تتوافر أماكن السهر والمساحات الخاصة التي تستقبل المراهقين بصورة تتلاءم مع سنهم، وهي من الصيحات الرائجة حالياً لتلبية متطلبات المراهقين وليعطوا حقهم في النمط العصري الذي يعيشون فيه.
هذا ما حرصت عليه رولا أبو عبيد عندما افتتحت مساحة خاصة بالمراهقين لتلبية رغباتهم بالسهر وإقامة الحفلات، انطلاقاً من التحديات التي كانت تواجهها مع أولادها في إيجاد أماكن للتسلية ملائمة لأعمارهم. فحالياً، لا يقبل من هم بسن 12 سنة وما فوق بالأماكن المخصصة للأطفال، كما لا ترضيهم المطاعم أحياناً، ولا تلائم أعمارهم النوادي الليلية، "قد يلجأ من هم بسن 16 سنة أحياناً إلى أماكن سهر ونواد ليلية لا تلائم أعمارهم، ويسمح لهم بالدخول، وقد تقدم لهم الكحول ولا تكون الأجواء ملائمة لأعمارهم. لذلك، أتت فكرة أن أؤمن مكاناً آمناً للتسلية للمراهقين من عمر 12 سنة، ليجتمعوا فيه، ويعيشوا تجربة السهر بما يلائم أعمارهم".
ولا تنكر أبو عبيد أن التحديات تزيد في هذه التجربة لأن المعنيين بها هم أطفال، ما يستدعي متابعة مستمرة وحرصاً من النواحي كافة. لذلك توجد بصورة مستمرة في المكان للإشراف، إلا أنها لم تواجه مشكلات، خصوصاً أنها تمنع دخول من تخطوا سن 18 سنة، "فيستمتع المراهقون بالأجواء الموسيقية التي تلبي حاجاتهم، ويتناولون المشروبات الخالية من الكحول، وأُنجز ديكور مميز لهم وموسيقى مناسبة تجذبهم. فهو لا يختلف في تصميمه وفي التفاصيل كافة فيه عن أي مكان آخر للسهر ليشعر فيه المراهقون بأنهم لا يلقون معاملة مختلفة وكأنهم أطفال، في مرحلة دقيقة من عمرهم، كما خصصت مكاناً معيناً للأهل الراغبين بانتظار أبنائهم، فيجلسون بهدوء في المكان المخصص لهم من دون انزعاج، بما أن المراهقين يفضلون ألا يكون أهلهم موجودين معهم طوال الوقت".
ويدل الإقبال الكثيف على المكان إلى مدى حاجة المراهقين إلى أماكن مماثلة ترضي طموحاتهم، وتلبي متطلباتهم بصورة ملائمة لأعمارهم. فيبدو واضحاً أنها باتت حاجة ملحة للمراهقين اليوم، فالمراهق يبحث عن الاستقلالية من النواحي كافة، لكن يبقى المطلوب عدم تخطي حدود معينة وعدم التمادي في منحه الاستقلالية والتعامل معه بما يتلاءم مع سنه، في وقت تلبي حاجاتهم في الوقت نفسه.
تجربة مماثلة تقدمها ألين مخول في مكان السهر الذي أقامته للمراهقين ليستمتعوا بصورة آمنة ولتسهل الأمور على الأهل الذين يعانون في تلبية متطلبات أبنائهم. فتتوافر فيه تجربة السهر بمقوماتها كافة بوجود أجواء ممتعة كتلك المتوافرة في النوادي الليلية الخاصة بالراشدين من إضاءة وموسيقى وفرق غنائية شبابية. ويتسع المكان لـ300 شخص، لكن تفرض فيها قوانين صارمة حفاظاً على الانضباط وتجنباً للمشكلات بوجود كاميرات للمراقبة لمزيد من الأمان.
ومثل هذه الأماكن وغيرها من تلك التي توفر أنشطة ممتعة للمراهقين، سواء للاستمتاع بتجربة مطالعة أو لممارسة هواية الرسم أو غيرها من الهوايات، باتت متوافرة بكثرة وتزيد رواجاً أخيراً علها توفر للمراهقين مزيداً من الاستقلالية، لكن ما يخشى أن تتجه الأمور إلى حد المبالغة في منح الحرية والاستقلالية لمراهق لم يكتمل نضجه بعد.