لأكثر من 100 عام، اتسم النظام المصرفي السوداني بالنظام التقليدي، وفي عام 1978 نشأ النظام المصرفي الإسلامي، وذلك بافتتاح بنك فيصل الإسلامي ومن بعدها عدة بنوك بنفس النظام. وتم في الوقت نفسه أسلمة البنك المركزي، ولكن في عام 2005، تم العمل بالنظام المصرفي المزدوج، إسلامي في شمال السودان وتقليدي في الجنوب بحسب اتفاقية السلام، ولم يستمر ذلك طويلاً لانفصال الجنوب. وقرر السودان، أخيراً، إدراج البنوك غير الإسلامية في النظام المصرفي إلى جانب الإسلامي لأغراض تتعلق بإصلاحات اقتصادية وسعياً لإعفائه من الديون الخارجية.
تبعات الموضوع
العودة إلى النظام المزدوج تأتي بعد اعتماد بنك السودان المركزي العمل بنافذتين تقليدية وإسلامية. وقال الصحافي المهتم بالشؤون الاقتصادية عبدالوهاب جمعة لـ"اندبندنت عربية" إن "السودان في حالة انفتاح بعد رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية وإزالته من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ويتوقع أن يحصل على قروض جديدة من مؤسسات التمويل العالمية ومن البنوك التجارية الدولية ولم يكن ذلك ممكناً في ظل حصرية التعامل عبر صيغ التمويل الإسلامية. الآن سيستفيد السودان من القروض الدولية، ومن دخول بنوك عالمية مباشرة أو عبر مراسلين داخليين من بنوك سودانية تعمل وفق النافذة التقليدية والإسلامية". وعن القطاع الأكثر استفادة من القرار يتابع جمعة "قطاع التأمين تضرر كثيراً نتيجة فرض وجهة نظر أحادية منعت شركات التأمين التقليدية من العمل، والآن تستطيع العمل وفق صيغ التأمين بسعر الفائدة".
في السياق نفسه، اكد جمعة أن "عملاء البنوك والتأمين يمكنهم الآن التعامل وفق رغباتهم سواء كان عبر التمويل بسعر الفائدة الثابتة أو صيغ التمويل الإسلامية. هذا الوضع سيسمح لشركات دولية بالدخول للسودان والتعامل بسعر الفائدة وهو ما يعني دخول الاقتصاد السوداني في دائرة تمويل دولية مثل البنك الدولي أو من بنوك مباشرة. والمحصلة ستكون دخول القروض والتمويلات الدولية إلى شرايين الاقتصاد السوداني مباشرة بعيداً عن التعامل مع مؤسسات كانت تنال حصرية التمويل لأنها تعمل بصيغ التمويل الإسلامية".
تجربة قديمة متجددة
تجربة المصارف التقليدية كانت مطبقة قبل سبعينيات القرن الماضي في فترة حكم الرئيس جعفر نميري، وبعدها تم تطبيق قوانين تحول السودان على إثرها للعمل بالنظام المصرفي الإسلامي. المحلل الاقتصادي أبو القاسم إبراهيم قال لـ"اندبندنت عربية"، "النظام المصرفي التقليدي لن يسهم في إنعاش الاقتصاد السوداني، ومن يعتقد ذلك فهو واهم. العالم اتجه لفتح نوافذ إسلامية في البنوك العالمية لوجود جمهور ورغبة حتى من غير المسلمين للتعامل بالنظام الإسلامي، أي شخص يعتقد أن مشكلة الاقتصاد السوداني هي غياب النظام التقليدي أو ما يعرف في السودان بالنظام الربوي، هذا أمر لا يسنده المنطق أو الواقع وأقرب مثال دولة جنوب السودان التي تتعامل بالنظام التقليدي منذ 2005 حتى اليوم لم يحدث فيها تطور اقتصادي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
افتقار قدرات
رغم وجود عدد كبير من المصارف الوطنية والإقليمية فإن المصارف المحلية تفتقر للقدرات الكبيرة وانعدام رؤوس أموال جيدة. أبو القاسم يقول إن "هناك منشورات من البنك المركزي بتوفيق أوضاع المصارف السودانية من خلال الدمج ورفع رؤوس الأموال حتى تواكب مع الانفتاح المصرفي العالمي".
ويتابع أبو القاسم "الاقتصاد السوداني لا يمكن أن تحسن أوضاعه نظام مصرفي تقليدي أو غير تقليدي، بل حسن إدارته وتطبيق الحوكمة الاقتصادية والشفافية المالية، أداء الدولة الآن يفتقد للشفافية، ميزانية عام 2020 فشلت، و2021 فشلت وحصلت تعديلات جوهرية في الميزانية. حتى أموال المانحين والمساهمين والمتبرعين لا نعلم أين صُرفت.
على المستوى النظري وجود مصارف ضخمة يمكن أن يسهم في التنمية والاستثمار، ولكن المصارف السودانية غير قادرة على الاندماج في النظام المصرفي العالمي نسبة للتحديات التي تواجه المصارف. هناك دول إسلامية تعمل بالنظام الإسلامي فقط وحققت نهضة ونمواً وتطوراً كبيراً من دون أن تكون هناك مصارف تقليدية.
إقرار الدولة على العمل بنافذتين هو سياسي لاستكمال علمانية الدولة، والتي تتطلب إدخال نظام ربوي تقليدي وأتوقع ألا يجد إقبالاً من الشعب لعقيدته الإسلامية التي تحرم عليهم التعامل مع المصارف التقليدية. وأصدرت هيئة علماء السودان بياناً يستنكر قيام نظام ربوي في السودان".
جذب الاستثمارات
وعانى السودان من قيود اقتصادية بسبب وضعه لسنوات طويلة في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورأت الدولة أن إدراج نافذة غير إسلامية قد يجذب الشركات العالمية للاستثمار لتجاوز آثار العقوبات المدمرة.
عبدالوهاب جمعة يقول، إن "الشركات الدولية والبنوك متعددة الجنسيات يمكنها الآن العمل والتراسل مع البنوك السودانية بعيداً عن نظام صيغ التمويل الإسلامية، وهو أمر تعمل به تلك الشركات والبنوك في معظم الدول العربية والإسلامية. وسيسمح النظام الجديد بجذب الشركات وهي خطوة كبيرة انتظرها كثيرون".
بينما يرى أبو القاسم أن "الشركات العالمية من الأفضل لها التعامل مع النظام المصرفي السوداني لأن لها أساساً متيناً وقائماً على ضمانات أكبر عكس الضمانات الموجودة في الضمان التقليدي. إذا انتشر النظام التقليدي في السودان سيكون هناك ضرر اقتصادي كبير جداً، وهناك شركات عالمية تستثمر في بلدان لا تطبق سوى النظام الإسلامي وعدم وجود نظام تقليدي لا يعني إقصاء الاستثمارات الخارجية".
في الوقت الذي يرغب كثير من السودانيين انتعاش اقتصادهم. فإن الغالبية في استطلاع رأي أجرته "اندبندنت عربية" اعتبروا النظام التقليدي نظام ربوي، حيث قال التاجر محمد يحيي إنه "في حالة وجود بنوك تتعامل بنظام غير إسلامي في السودان حتى وإن قدمت لي تسهيلات، فإنني لن أتعامل معها لخلفيتها الربوية".
في ذات الوقت اعتبرت ميرفت طارق طالبة في كلية الاقتصاد أن "أفق السودانيين الضيق والمتشدد سبب رئيس في عدم تقدم البلاد. يمكن للبعض أن يقاطع النظام المصرفي غير الإسلامي. ولكن أن تدعو لعدم دخوله السودان فهذا أمر غير منطقي. طالما أن الدولة تضم المسلمين وغير المسلمين".