اعتبرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن التصعيد على الجبهة الجنوبية، بعد تكثيف إطلاق الصواريخ من غزة، رد مباشر على أحداث القدس، ما استدعى تغيير سلم الأولويات وجعل ملف غزة على رأس الأجندة الأمنية.
واستبدل رئيس الأركان، أفيف كوخافي، أبحاثه في واشنطن، التي كان من المقرر أن تنطلق الأحد 25 أبريل (نيسان)، حول الملف الإيراني بشقّيه النووي والتموضع في سوريا، إلى البحث في وزارة الأمن في إسرائيل مع الأجهزة الأمنية حول ملف غزة وسبل التعامل مع تكثيف إطلاق الصواريخ على بلدات الجنوب، التي يعيش سكانها حالة طوارئ.
وبدلاً من كوخافي، سيصل إلى واشنطن الاثنين 26 أبريل، كل من رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات، ورئيس الموساد يوسي كوهين، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تامير هايمن، ورئيس الشعبة الاستراتيجية والدائرة الثالثة في الجيش الإسرائيلي طال كلمان، لبحث الملف الإيراني.
وأصدر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن بيني غانتس، تعليمات للوفد الذي سيصل إلى واشنطن بالتوضيح أمام الأميركيين بأن "إسرائيل ليست طرفاً في الاتفاق النووي مع إيران وغير ملتزمة به، لكنها في الوقت نفسه ملتزمة مصالحها الأمنية ولن تتصرف إلا بناء على ذلك". كما شملت التعليمات توضيح بأنه إذا ما عُقدت في المستقبل مباحثات بين الولايات المتحدة والقوى العظمى مع إيران بشأن اتفاق نووي أفضل، فإن إسرائيل ستعلن موقفها من مضمونه، بما يضمن مصلحتها الأمنية.
لا مصلحة في التصعيد تجاه غزة
من جهته انشغل كوخافي، في التحضير لمختلف السيناريوهات المتوقعة تجاه غزة. فدعا رؤساء الأجهزة الأمنية إلى اجتماعات طارئة وماراثونية طرحت خلالها مختلف السيناريوهات المتوقعة تجاه غزة والقدس. وفيما أوعز باستمرار جهوزية الجيش لمختلف السيناريوهات بينها حملة عسكرية على غزة، سعى إلى طمأنة سكان الجنوب وعقد اجتماعات مع رؤساء البلديات في "غلاف غزة"، مؤكداً أمامهم أنه لا توجد مصلحة الآن في غزة لتصعيد الأوضاع، لكنه في الوقت نفسه أكد على استمرار حالة الطوارئ وإغلاق كافة المؤسسات وإبقاء السكان في مناطق قريبة من الملاجئ.
وعسكرياً، نشرت إسرائيل قوات معززة من الجيش والمعدات الحربية على طول حدودها مع غزة، في مقابل تدريبات حول مختلف السيناريوهات وأخطرها، كذلك تم نقل وحدات عسكرية للانتشار حول الضفة والقدس.
وقال كوخافي خلال لقائه رؤساء بلديات "غلاف غزة"، "إن اسرائيل تتعامل في الأيام الأخيرة مع أحداث عنف في الحلبة الفلسطينية وعلى جبهات عدة، وتعمل من أجل إعادة الاستقرار والهدوء لسكان الجنوب. وفي موازاة ذلك، نستعد بشكل كامل لاحتمال التصعيد أو اتساع المعركة، ونحن منشغلون بالاستعدادات المطلوبة لذلك"، وفق كوخافي.
وإزاء هذه التطورات، حذر عسكريون من خطر أن يؤدي التوتر في القدس، وما يعقبه من تصعيد في مجمل مناطق الضفة وغزة إلى توتر في العالم العربي، هذا إلى جانب احتمالات التصعيد على الجبهة الشمالية.
ووفق توقعات مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، فإن التوتر الأمني في الضفة الغربية والقدس وغزة سيستمر خلال الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصاً في فترة شهر رمضان، وفي أعقاب التحسب في إسرائيل من عمليات فردية ينفذها فلسطينيون.
وشهدت الاجتماعات التي عقدتها الأجهزة الأمنية، بمشاركة نتنياهو وغانتس، خلافات حول التعامل مع قطاع غزة، وطالب أمنيون بتشديد القصف في غزة، خصوصاً بعد إطلاق حوالى 40 قذيفة صاروخية خلال يومين، فيما رأى البعض ضرورة في تهدئة الأوضاع والعمل بشكل فوري على وقف أحداث القدس.
تحسين قدرات ودقة صواريخ "حماس"
ويكمن القلق الإسرائيلي، الذي تعاظم عقب تكثيف إطلاق الصواريخ من غزة ونوعيتها، في أن حركة "حماس" تواصل بذل جهودها لتحسين قدرات ودقة صواريخها، بالتالي كسر توازن الردع، خلافاً للتقارير الإسرائيلية السابقة التي تحدثت عن عدم حيازة "حماس أسلحة كاسرة للتوازن بل إنها ما زالت بعيدة عن ذلك".
ووفق ما رصد الجيش من شظايا الصواريخ التي أُطلقت من غزة، فإن 22 في المئة منها من النوع الدقيق والمتطور. وفي تقديراته، فإن "حركة حماس" قادرة على إطلاق حوالى 1000 صاروخ في اليوم، خلال جولات قتالية، أي أن الصواريخ الدقيقة قد تتجاوز الـ 200.
وإذا ما صدقت تقارير الجيش بأن منظومة القبة الحديدية قادرة على اعتراض 85 في المئة من الصواريخ، فإن ذلك يعني أن عشرات "الصواريخ الغزية" قد تسقط في مناطق مأهولة بالسكان، وهذا بحد ذاته يشكل قلقاً كبيراً للإسرائيليين.
وفي محاولة لجعل الأضرار أقل ما يمكن، في حال وقوع مواجهات، تشكل طاقم إسرائيلي من قيادة الجبهة الجنوبية، شعبة الاستخبارات العسكرية و"الشاباك" و"الموساد"، لوضع خطة تضمن فيها تل أبيب منع ما أسموه "تعاظم قوة حماس الإستراتيجية".
هدوء في القدس يمنع تصعيد مختلف الجبهات
أجمع الإسرائيليون في مختلف الأبحاث التي عقدتها الأجهزة الأمنية والاستخبارية العسكرية خلال اليومين الأخيرين، على أن التطورات في القدس تنعكس، ليس فقط على غزة إنما على مختلف الجبهات. وفي حال التصعيد في المدينة فإن ذلك سيؤدي إلى مواجهة متعددة الجبهات، في حين أن تهدئة القدس ستعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه.
ونُقل عن مسؤول كبير في هيئة أركان الجيش ما قاله خلال الاجتماعات الأخيرة إنه "يجب تبريد القدس، وبسرعة".