إن دومينيك كامينغز رجل خطير في أحسن الأوقات. لا تجد في حياته أثراً لتضارب المصالح، فليس لديه مصالح خاصة راسخة، ولا يهتم بشيء سوى عائلته ونفسه والقضايا التي تعنيه وهي معروفة جيداً، وهذا أمر يستحق عليه الثناء. ويجدر التأكيد على ما ينبغي توضيحه، وهو أن كامينغز ليس عضواً في حزب المحافظين، كما أن علاقته بالأفكار التقليدية المحافظة أوهى من علاقته بالحزب. إنه مجرد متعاطف مع هذه الأفكار وهذا الحزب، في كثير من الأحيان. لقد اختلف حتى الآن مع أربعة من زعماء حزب المحافظين. وبعد شراكة قصيرة غير سعيدة ولا معقولة مع إيان دانكان سميث، الذي عينه "مديراً للاستراتيجية" في الحزب قبل 20 عاماً، غادر العمل معتبراً أن ذلك الزعيم كان "غير كفوء". وكان هذا القول من أقل الادعاءات التي أطلقها كامينغز إثارة للجدل. ومن جانبه، رأى ديفيد كاميرون أنه كان "مضطرباً عقلياً في النواحي المهنية" وأقصاه عن حي وايتهول الحكومي. في المقابل لم يكن كامينغز معجباً بالمخادع الأرستقراطي كاميرون، ومن خلال المساعدة التي قدمها لحملة الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يوليو (تموز) عام 2016، تمكن من تدمير مستقبل رئيس الوزراء الأسبق وإرثه السياسيين على أفضل وجه. وحين كانت تيريزا ماي وزيرة للداخلية، اصطدم مستشاروها، الذين لم يكونوا أنفسهم من النوع الهش، مع كامينغز ورئيسه حينذاك مايكل غوف وزير التربية بشكل حاد. وعليه، أبقته ماي على مسافة بعيدة عن الحكومة، كما هو متوقع، حين وصلت إلى داوننيغ ستريت. أما بوريس جونسون الذي أعاد تأهيل كامينغز ككبير مستشاريه، فقد أنفق كثيراً من رأسماله السياسي للدفاع عنه حين نشب الخلاف بشأن خرق قواعد الإغلاق في مايو (أيار) الماضي. ومع ذلك، فإن ضغوطاً مارسها عليه آخرون في داونينغ ستريت، الذي تسوده الفئوية، قد حملت رئيس الوزراء على إنهاء خدمات حليفه القديم العام الماضي.
ولعل الأخطر في سيل المزاعم والمزاعم المضادة التي تناقلها الجميع في الأيام الأخيرة، بالنسبة لجونسون، هو ما قيل عن امتلاك كامينغز مخزوناً من التسجيلات الصوتية لاجتماعات رسمية مختلفة، إضافة إلى رسائل بالبريد الإلكتروني ووثائق أخرى- ومن المفترض أن يكون قد أخذ هذه الأشياء في الصندوق الكبير الذي حمله وهو خارج من داونينغ ستريت في المرة الأخيرة بعد أن فقد منصبه. ويمكن أن يكون لهذه التسجيلات، التي تشبه أشرطة ووترغيت، تأثير مدمر عند نشرها، ذلك أنها ستثبت، بشكل لا يقبل الجدال، أن رئيس الوزراء وآخرين قد قالوا وفعلوا أشياء ما كان ينبغي أن تُقال أو تحصل، وهي أيضاً أقوال وأفعال نُفيت نفياً قاطعاً في الماضي. بعبارات أخرى، يملك كامينغز الأدلة على كذب ممنهج مورس على البرلمان وعلى الجمهور. مع ذلك، فنحن لم نرَ شيئاً بعد فما خفي أعظم.
يستخدم كامينغز سلفاً مدونته لوضع النقاط على الحروف، وقد قدم إفادة بدا أنها صادقة أمام لجنة الصحة والرعاية الاجتماعية التابعة لمجلس العموم عن معالجة جائحة "كوفيد"، أي "الأطلال المحترقة" [أخطاء] لوزارة الصحة مات هانكوك. وقد وعد بالكشف عن المزيد أمام النواب في أي عدد من الجلسات التي يريدونها خلال الأسابيع المقبلة، وإماطة النقاب عن أكثر بكثير مما كشف عنه سلفاً. وها هو يدعو حالياً إلى فتح تحقيق كامل في الطريقة التي أُديرت بها مواجهة الجائحة. وهو بطبيعة الحال يعرف أين دُفنت الأسرار كافة؛ لأنه كان المسؤول عن طمسها. ويبدو أنه مستعد لإخراج كل ما في قلبه، كما يقولون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذا، لقد أزعج جونسون على مسؤوليته الشخصية كامينغز، الذي لا يحمل ولاء دائماً لأي كان ما عدا عائلته ومعتقداته، ولذا سيرد كما يشاء وسيكون انتقامه بلا حدود أو موانع تكبحه. ولا يبدو أنه من النوع الذي يمكن شراء صمته بلقب شرف كوسام الإمبراطورية البريطانية من رتبة قائد أو حتى بلقب أرفع كـ"سير" مثلاً. ويبدي لا مبالاة تثير الإعجاب حيال آفاق مستقبله المهني، مع أن أحداً لا يستطيع أن يصفه بالفقير. ولديه إحساس بأنه يتصرف بما يحقق المصلحة الوطنية، من وجهة نظره، وسيواصل المضي قدماً في هذه الوجهة حتى يصل إلى خواتيمه المنطقية.
سيحتفل كامينغز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بعيد ميلاده الخمسين. وبحلول ذلك الوقت، ربما يكون قد قضى على زعيم محافظ آخر. لا يزال كامينغز شاباً بالكاد بلغ مرحلة الشيخوخة، وقد حقق كثيراً سلفاً مع أن طموحاته كانت توشك أن تبدأ في التحول إلى واقع ملموس حين غادر الحكومة للمرة الأخيرة، قبل أن ينتهي منها. يبدو أن لديه الدافع والأدوات والفرصة السانحة ليرمي برئيسه السابق من النافذة [تنحيته]. وهذا متوقع منه ومألوف على عادته.
© The Independent