تواجه أستراليا الآن تحدّياً كبيراً بشأن تقديم رواية تفسّر لملايين العمال، سبب عدم تحسّن مستويات معيشتهم الماديّة بل حتى تراجعها بالقيمة الحقيقية، تماماً مثل حال العمال البريطانيين، على العلى الرغم من من ارتفاع أرباح الشركات.
الشرح الذي تقدّمه الأحزاب السياسيّة الكبرى في أستراليا، غير مقنع في هذا السياق. أمّا الشرح الأكثر إقناعاً فيكمن في اقتصاديّات كارل ماركس.
يقدّم حزب العمّال المعارض بقيادة بيل شورتن، مفهومَ النموّ الاقتصادي الشامل، وتعني فيه كلمة "شامل" تحصيلات ضرائبيّة أكثر عدلاً، إلى حد ما.
يُحاجج هذا المفهوم بوجوب أن يدفع الأثرياء "حصّتهم العادلة" من الضرائب، ومن غير العدل أن يشتري المستثمر سابع عقاراته في حين لا يستطيع الشباب الولوج إلى سوق الإسكان أصلاً.
لا يكترَث معظم الأستراليين إذا حقّق بعض الأفراد أو الشركات كثيراً من المال، أو امتلكوا مجموعة كبيرة من العقارات.
يهتم الأستراليّون فعليّاً عندما تسرق المؤسّسات الماليّة من زبائنهم، وعندما يكون السياسيّون غير صادقين، ويُزيح السياسيّون القادة الذين يشعر الناس أنهم صوّتوا لصالحهم، ويبدو لهم أنّ طالبي اللجوء "الذين يأخذون أسبقيّة على الآخرين بغير حق" يحصلون على معاملة تفضيلية.
تفاقمت تلك المخاوف سياسياً، لأن الإجراءات الاجتماعية كانت تُنفَّذ بما يخالف فِطرة الناس السليمة بخصوص الصواب والخطأ.
فوز حزب العمّال في الانتخابات الفيدرالية المقبلة يبدو مرجحاً، ليس بسبب خططه للحد من عدم المساواة الاقتصادية، وإنما غالباً بسبب حالة الفوضى التي يعيشها الحزب الليبرالي الحاكم.
تعطي سرديّة الحزب الليبرالي دور البطولة إلى النمو الاقتصادي، ويدافع الحزب عنه باعتباره وسيلةً لجعل الجميع أفضل حالاً. ويطالب الحزب بحسب رئيس الوزراء سكوت موريسون، بفكرة العدالة التي "لا تعني أن يتساوى الجميع في مداخيلهم، بل عدم جني الأموال من دون إعطاء شيء ما أولاً".
لم يكن النمو الاقتصادي مقنِعاً أبداً كبؤرة أساسيّة في أي سرديّة أو رواية. ومن الصعب رؤية أثر نمو الناتج المحلي الإجمالي في الحياة اليوميّة، على الرغم من كثرة تقارير وسائل الإعلام عن الموضوع.
وتؤكد الرؤية الاقتصادية المركزيّة لدى ماركس، أنّ شركات القطاع الخاص تنتهك على الدوام مفهوم العدالة وفق ما يتصوّرها الحزب الليبرالي. بعبارة أدق، في مجتمعات مثل أستراليا، يتعيّن على المجموعة الكبيرة من الناس أن تبيع قدرتها على العمل إلى مجموعة أصغر نسبياً ممّن يمتلكون معظم الأصول الإنتاجيّة، مع تقاضيها أجوراً أقل قيمة بكثير مما تنتجه.
يتفهّم معظمنا حقيقة أن صاحب رأس المال لن يدفع عادةً 30 دولاراً لعاملة مقابل ساعة من العمل، إلا إذا فاقت قيمة إنتاجها في تلك الساعة 30 دولاراً. إذا تمكنت العاملة من تحقيق إنتاج يعادل 60 دولاراً مثلاً، سيأخذ صاحب العمل الفرق الذي يساوي 30 دولاراً. ومع حسم كل تكلفة الانتاج، بما في ذلك الأجور والضرائب والمواد الخام والتقنيات والطاقة وغيرها، من الـ30 دولاراً، يبقى منها مبلغاً يمثّل ربحاً صافيّاً لصاحب العمل، ويطلق ماركس على ذلك الربح الصافي تسمية القيمة المُضافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمنحك الأرقام التالية فكرة تقريبيّة عن التكلفة التي يتحملها العمال الأستراليون، ثمناً لبقاء ذلك النظام على حاله. وقد حصل أصحاب رؤوس الأموال على ما يقرب من 80 سنتاً كقيمة مُضافة تتحصل من كل دولار أنفقوه في صناعة التعدين الأسترالية بأسرها في عام 2018. فيما حصلوا على 45 سنتاً في قطاع البناء والتشييد، و39 سنتاً في مجال التصنيع، و33 سنتاً في قطاع تجارة التجزئة.
وإضافة إلى ذلك، نجح أصحاب رؤوس الأموال الأستراليّون وداعموهم السياسيون، بشكل مؤسساتي وعلى الرغم من بعض المعارضة، في توسيع الفارق بين قيمة ما ينتجه العمال والأجر الذي يتلقونه.
وتشمل النجاحات البارزة التي تمكنوا من تحقيقها، الحظر التشريعي للمساومات والإضرابات في قطاع الصناعة، وإلغاء الضريبة التي فرضتها حكومة كيفن رود العماليّة على الأرباح الضخمة لشركات التعدين.
تستند روايتا كل من حزب العمل والحزب الليبرالي، على المفاهيم الاقتصادية الأساسيّة نفسها. وتقرّ تلك المفاهيم بفكرة أن الثروة والدخل اللذين نحصل عليهما، هما نتيجة خياراتنا الفرديّة.
وصلت الاقتصادية الوسطية إلى طريق مسدود في عدد من البلدان المتقدمة، نظراً لعدم ملاءمة تلك الفكرة للتجربة التي يعيشها عدد متزايد من الناس.
وتفيد الرواية الأكثر اقناعاً والأيسر فهماً، بأن أولئك الذين يقومون بالمهمات الشاقة يجنون أقل مما يبذلون بسبب النظام الموجود في الشركات، وذلك ليس عدلاً.
© The Independent