لطالما كانت سوريا ملاذ مهربين لبنانيين، لجلب البنزين والمازوت بأسعار زهيدة عبر معابر جبلية بين البلدين وبيعها في منطقة البقاع القريبة من الحدود. لكن الوضع تغير، وبات التهريب من لبنان إلى سوريا بعد رفع الدعم الحكومي عن البنزين الذي كان لعقود بعيداً من ارتفاع أسعار النفط العالمي.
البنزين المدعوم
"رُفعت الأقلام وجفّت الصحف"، هو لسان حال الحكومة بعد إعلان وزارة النفط تطبيقاً جديداً لآليات توزيع البنزين، في إشارة إلى تدني مستوى المخزون النفطي وعدم القدرة على تلبية حاجات السوق السورية التي تحتاج إلى 4.5 مليون ليتر من البنزين يومياً، بحسب وزارة النفط التي استطاعت تأمين نصف الحاجات. ويرى مراقبون أن السياسة الجديدة للحكومة، والمتمثلة بالبطاقة الذكية، ستكون محط فسادٍ لضعف آلية توزيع المستحقات، ووجود ثغرات ستنعش السوق السوداء للبنزين.
التهريب المنتعش
وليس مفاجئاً ما يحدث من ازدهار في سوق التهريب المعروف والممتد طويلاً على الحدود البرية بين لبنان وسوريا. فخطوط التهريب وأسواقه لا تُعد خفية، كون الممرات واضحة المعالم ومكشوفة الاتجاهات. في حين يدخل عبر المعابر الرسمية بين البلدين ما يقدر بمليون برميل، ما يعادل 50 ألف ليتر بنزين يومياً في ضوء ما أعلنته الحكومة اللبنانية على خلفية اتفاقات لإمداد الشحنات النفطية وعبورها إلى سوريا بعد توقف الشحنات النفطية الداخلية للبلاد منذ ما يقارب ستة أشهر.
مرحلة جديدة
في المقابل، تتحكم المعابر السرّية لتهريب البنزين بأسعار السوق السوداء التي بدت تنتعش وسط تخوف من انقطاع المحروقات في الداخل السوري، مع اشتداد حصار واشنطن الخانق والذي بدأ من بوابة النفط. ويرى الخبير الاقتصادي محمد عثمان أنه وبعد رفع الدعم الحكومي عن البنزين سينتقل السوريون إلى مرحلة جديدة في حياتهم اليومية ستؤدي إلى مضاعفة أسعار المواصلات والنقل والآليات المحركة والمشغلة وارتفاع أسعار المنتجات السورية، ما سيشكل مصدرَ قلقٍ إذ ليس بمقدرة الحكومة رفع الدخل وهي ما زالت تعيش فترة حرب. ويضيف عثمان: "تتنامى قوى التهريب التي تتحكم بأعداد كبيرة من الصهاريج، وثمة قواعد وأحكام تنظم وتضبط عملها، علماً أن سعر ليتر البنزين في السوق السوداء وصل الى أكثر من دولارين أميركيين (ألف ليرة سورية) وهو ما لا يحتمله المواطن".
الشريان الجديد
ويبدو أن ثمة استياء أميركياً من العراق لتنامي العلاقات مع سوريا بعد تدهورها لعقود من الزمن، إذ جرى اجتماع أمني رفيع المستوى في دمشق لتنسيق إعادة فتح معبر الوليد المتوقف منذ عام 2014، وسط مباركة إيرانية لعودة التبادلات التجارية، وليكون المعبر الشريان الثالث البري لسوريا ومنفذاً لطهران عبر الأراضي العراقية في مساعٍ حثيثة للإسراع بإنجاز سكة حديد تربط سوريا بإيران. وشكل النفط الواصل بحراً من موانئ إيرانية إلى سوريا طوق نجاة لدمشق من حليف استراتيجي، إلا أن العقوبات الأميركية على إيران في مايو (أيار) 2018 ساهمت بفقدان ناقلات النفط كشريان يلبي عطش البلاد المتزايدة بعد استعادة السلطة لمحافظات ومناطق باتت تحت سيطرة الحكومة وتنامي الطلب المتزايد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينظر الخبير الاقتصادي، إلى بطء عودة الإنتاج المحلي من النفط أنه سيفاقم المشكلة مع خروج منابع نفطية في الجزيرة السورية التي تسيطر عليها قوات وأحزاب كردية مع توقف إمداد إيران بالنفط. ويتابع: "يحكم الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبضته للمرة الثانية بالعقوبات التي تستهدف طهران، في سعي منه لجعل صادراتها من النفط الخام (صفر)، وسيدخل في مواجهة مع كل الدول التي ما زالت مستمرة في شراء النفط الإيراني ومنها الصين والهند وكوريا الجنوبية وحتى تركيا، وإلى غاية ذلك ستسعى طهران إلى خلق فرص إسعافية للسوق السورية عن طريق العراق، وهو الشريان الذي بات متاحاً ولفترة مؤقتة لارتفاع تكاليف إمداد النفط براً مع التخوف من التهديدات الأميركية التي يمكن أن تتعرض لها القوافل شرق سوريا".
التأثيرات المشتركة
ويتأثر لبنان وسوريا على الدوام بقضاياهما الداخلية، فالحرب السورية نالت من لبنان بارتدادات وصول ما يقارب مليوني نازحٍ سوري، مما حمل البلد المضيف أعباءً اقتصادية وخدمية مرهقة، وتوقعت "اندبندنت عربية" منذ أول يوم من اندلاع أزمة البنزين عبر مصادر اقتصادية مطلعة، أن تتفاقم الأزمة لحدود واسعة، في ظل الحصار الأميركي القائم وتشديد العقوبات حتى على الدول التي تتعامل معها، وتشي التوقعات أن تضغط أميركا على دول جوار دمشق لوقف التعاملات الاقتصادية بدت بوادرها أردنية.