أثار قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات العامة حتى ضمان إجرائها في القدس موجة من الرفض، باعتباره "غير مخول" بذلك دستورياً، في حين أشار مسؤولون إلى أن وجود الاحتلال وغياب المجلس التشريعي "يتيح له ذلك".
ولم يشمل التأجيل الانتخابات التشريعية فقط، لكن الرئاسية التي كانت مقررة في يوليو (تموز) المقبل، في ظل رغبة الرئيس عباس في الترشح لها، بحسب مقربين منه، إضافة إلى عزم القيادي في حركة مروان البرغوثي الترشح لها أيضاً.
إلغاء الانتخابات
وتنص المادة 115 من قانون الانتخابات الفلسطيني على أن لجنة الانتخابات المركزية لها الحق في "اتخاذ أي وسيلة تراها مناسبة لضمان تمكين الناخبين في القدس من ممارسة حقهم في الاقتراع".
وبعد أقل من ساعة من قرار الرئيس عباس التأجيل، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية إيقاف العملية برمتها، معبرةً عن "أملها في استكمال تنفيذ الانتخابات الفلسطينية في أقرب فرصة ممكنة".
لكن اللجنة لم تعلن قبل قرار الرئيس عباس تعذر إجراء الانتخابات كما فعلت عام 2010، واستندت في قرارها إلى مرسوم الرئيس عباس.
وكانت اللجنة قد أبدت الشهر الماضي استعدادها لإجراء الانتخابات في القدس "وفق ترتيبات أخرى" غير الموافقة الإسرائيلية، لكنها شددت على أن ذلك يحتاج إلى توجيهات من القيادة السياسية.
وبحسب لجنة الانتخابات، فإن 6500 ناخب يحق لهم التصويت في ستة مراكز بريد في مدينة القدس، فيما يصوت 150 ألف مقدسي في 11 مركزاً انتخابياً في ضواحي القدس الواقعة خارج السيطرة الإسرائيلية.
عباس يتمتع بسلطة تقديرية
وأشار رئيس الملتقى الوطني الديمقراطي ناصر القدوة إلى أن "القانون تم تجاوزه، وأن الوضع القانوني للقوائم الانتخابية غير واضح"، مضيفاً "يجب يجري دراسة التبعات القانونية للتأجيل أو الإلغاء، لأننا لسنا متأكدين مما حدث".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن وزير العدل الفلسطيني، محمد شلالدة، شدد على حق الرئيس عباس في التأجيل، بسبب ترؤسه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وغياب المجلس التشريعي، واستمرار الانقسام، ورفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس، مضيفاً "عباس يتمتع بسلطة تقديرية تتيح له تأجيل الانتخابات، بسبب استحالة إجرائها في الأراضي الفلسطينية كافة".
وأكد شلالدة أن الانتخابات في القدس "ليست قضية فنية، لكنها سياسية وسيادية ووطنية"، مشيراً إلى أن إسرائيل "اعترفت ضمنياً بسيادة الفلسطينيين على القدس عند سمحت أعوام 1996 و2005 و2206 بإجراء الانتخابات فيها".
وأشار شلالدة إلى أن الرئيس عباس أقسم على رعاية مصالح الشعب الفلسطيني، قائلاً إن "ممارسة العملية الديمقراطية حق دستوري للفلسطينيين، لكن بشرط إجرائها في كل الأراضي الفلسطينية، ومنها القدس".
ونوه شلالدة إلى أهمية الفرق بين التأجيل والإلغاء، موضحاً "التأجيل مؤقت إلى حين زوال سبب المانع، وهو الرفض الإسرائيلي، لكن الإلغاء وكأن مرسوم إجراء الانتخابات لم يكن".
في المقابل، يوضح الباحث السياسي محمد هواش أن النظام السياسي الفلسطيني يتيح للرئيس عباس تأجيل الانتخابات إذا كان هناك سبب مقنع لذلك، مشيراً إلى أن "قرار التأجيل لم تكن وراءه رغبات حزبية أو تنظيمية، لكنه مرتبط بالمعركة حول السيادة على القدس المحتلة".
وأضاف هواش أن الرئيس عباس "اختار تأجيل الانتخابات للدفاع عن القدس، في مقابل أن يتحمل مزاودات الفصائل الفلسطينية باتهامه بالتمسك بالسلطة والضعف والاستبداد".
ورأى أن عباس "سيواصل محاولاته لإجراء الانتخابات في القدس عبر حث مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية للسلام والاتحاد الأوروبي وواشنطن على الضغط على إسرائيل للسماح بذلك في أقرب وقت ممكن".
من جهة ثانية، رفض علي مهنا المستشار القانوني للرئيس عباس الإجابة عن سؤال "اندبندنت عربية" عن صلاحية الرئيس عباس بتأجيل الانتخابات.
جريمة فساد
وبرأي المتخصص في الشؤون القانونية والقضائية، عصام عابدين، فإن "الرئيس عباس لا يملك صلاحية تأجيل الانتخابات، لأنها حق دستوري للشعب الفلسطيني، والقانون ينص على إجرائها كل أربع سنوات بشكل دوري"، مؤكداً أن قرار تأجيلها "غير قانوني، ويشكل جريمة فساد نظراً لتضارب المصالح".
وقال عابدين، إن "الرئيس عباس له مصلحة بتأجيل الانتخابات لكي يبقى في منصبه"، مشيراً إلى أن "لجنة الانتخابات المركزية المسؤولة عن تنظيم الانتخابات والإشراف على كل مراحلها، لم تعلن تعذر إجراء الاستحقاق كما فعلت عام 2010، لكنها أبدت هذه المرة استعدادها لتوفير بدائل لإجراء الانتخابات في القدس".
ويقول مدير المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" إبراهيم البرغوثي إن القانون الأساسي (الدستور) "لم ينص على صلاحية الرئيس بتأجيل الانتخابات، لكنه أوجب عليه إعلان موعد الاستحقاق كإجراء فني على أن تجرى بشكل دوري كل أربع سنوات".
وأضاف البرغوثي، "لجنة الانتخابات هي المسؤولة عن إجرائها بشكل شفاف ونزيه واتخاذ ما تراه مناسباً"، مشيراً إلى أنها "لم يصدر عنها أي إعلان يفيد بتعذر الإجراء في القدس".