يعتزم رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون التخلي عن فكرة صندوق الاستثمار الصيني - البريطاني التي لم تتحقق على أرض الواقع حتى الآن منذ الاتفاق عليها في 2017، ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن أحد المقربين من كاميرون وصفه الفكرة بأنها "ميتة تقريباً الآن". وأضاف، "لم يحدث سوى القليل جداً على مدى العامين الأخيرين" في ما يتعلق بالصندوق، لكن متحدثاً باسم كاميرون قال، "لم يتأسس بعد صندوق الاستثمار الصيني - البريطاني"، من دون التعليق عن تخلي كاميرون عن الفكرة، وترددت البنوك الرئيسة التي كان يفترض أن تساهم في الصندوق بقيمة مليار دولار، مثل بنك "أتش أس بي سي" و"ستاندرد تشاردرد"، في الدخول في المشروع مع زيادة التوتر بين الصين وبريطانيا سياسياً في الآونة الأخيرة.
ويواجه كاميرون حالياً أزمة احتمال التحقيق في محاولة توسطه لدى وزارة الخزانة للحصول على معاملة تفضيلية لشركة "غرينسل" المالية المنهارة، وعمل كاميرون مستشاراً للشركة التي يملكها صديقه الأسترالي ليكس غرينسل، وكان كاميرون ووزير خزانته جورج أوزبورن خلال وجودهما في الحكم من 2010 إلى 2016 قد توجها نحو الصين لتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وهو التوجه الذي غيره رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون منذ توليه السلطة في 2019.
استثمارات صينية
وبحسب أحدث دراسة من "أميركان إنتربرايز إنستيتيوت" في واشنطن، تأتي بريطانيا في المركز الثالث من حيث استهداف الاستثمارات الصينية في الخارج، بعد الولايات المتحدة وأستراليا، وقدر المعهد الأميركي حجم الاستثمارات الصينية في بريطانيا عند أقل من 100 مليار دولار (71 مليار جنيه استرليني)، لكن صحيفة "صنداي تايمز" نشرت نتائج بحث موسع أجرته بشكل خاص، خلص إلى أن حجم الاستثمارات الصينية في بريطانيا أخيراً يزيد على 187 مليار دولار (135 مليار جنيه استرليني).
وعبر أكثر من 30 جدول بيانات وأرقام تشمل معظم قطاعات الاقتصاد البريطاني نشرتها الصحيفة، وتستند إلى المصادر الرسمية، يخلص البحث إلى أن الصين تتوسع في شراء الأصول البريطانية، ليست فقط العقارية وغيرها، بل في قطاعات حساسة مثل محطات الطاقة النووية وشبكات توريد الغاز للمنازل وشركة توصيل المياه للبيوت "تايمز ووتر".
واستخدمت الصحيفة أيضاً شركة "أرغوس فيكرز" لتوفير البيانات في البحث الذي أجرته، ويقدر قيمة الأصول الصينية في بريطانيا بقيمتها عند الشراء وليس الآن بعد التضخم في الأسعار، ما يعني أن الرقم الحقيقي قد يكون أكثر من ضعف ما قدره المعهد الأميركي سابقاً.
وعلى الرغم من أن البعض يعتبر حكومة حزب المحافظين برئاسة ديفيد كاميرون المسؤولة عن تسهيل "شراء الصين لبريطانيا"، إلا أن البحث الذي نشرته "صنداي تايمز" يشير إلى أنه من بين نحو 200 صفقة شراء صينية في بريطانيا هناك 80 صفقة تمت منذ عام 2019، أي مع تولي حكومة بوريس جونسون "حزب المحافظين أيضاً" السلطة في "10 داونينغ ستريت".
شراء في كل قطاع
حسب نتائج البحث، وبتحليل أرقام وبيانات الجداول التي نشرتها الصحيفة، نجد أن أكثر من 60 مليار دولار (44 مليار جنيه استرليني) جاءت من شركات حكومية صينية، والبقية من مستثمرين وشركات من الصين وهونغ كونغ، ومن أرقام شركة "أرغوس فيكرز" نجد أن الصينين اشتروا أسهماً في الشركات المسجلة على مؤشر "فاينانشيال تايمز" للشركات الـ100 الكبرى ببورصة لندن بقيمة تقارب 80 مليار دولار (57 مليار جنيه استرليني).
ويملك الصينيون حالياً 17 مدرسة خاصة في بريطانيا، واشتروا عقارات أخيراً بما يصل إلى 14 مليار دولار (10 مليارات جنيه استرليني)، وذلك بالإضافة إلى استثماراتهم في شركات خدمات وبنية تحتية بريطانية تتراوح بين شبكة الكهرباء والغاز البريطانية إلى مطار هيثرو، وفي بعض الشركات يملك الصينيون الحصة الأكبر وفي بعضها حصة أقلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال العام الماضي، عام وباء كورونا، زاد اهتمام الصينيين بالاستثمار في قطاع الخدمات الصحية وشركات التكنولوجيا وقطاع التعليم، وغيرها، لكن الأموال الصينية الأكثر استثمرت في قطاع الطاقة في بريطانيا، فقد اشترت شركة "تشاينا جنرال نيوكليار" الحكومية الصينية ثلث محطة الطاقة النووية "هنكلي بوينت سي باور" في "سومرست"، وهي أول محطة توليد الكهرباء بالطاقة النووية تبنى في بريطانيا منذ 20 عاماً، والمستثمر الرئيس فيها شركة الطاقة الفرنسية "أي دي أف"، وتستعد الصين أيضاً لشراء ثلثي محطة طاقة نووية جديدة أخرى في مقاطعة "إسكس"، ستستخدم فيها مفاعلات صينية.
كذلك تملك الشركات الحكومية الصينية حصصاً كبيرة في شركات نفط وغاز بريطانية، مثل شركة "نبتون إنرجي"، وتستثمر هيئة الاستثمار الصينية الحكومية في مشروعات الطاقة المتجددة البريطانية مثل محطة توليد الطاقة من الرياح على ساحل "نورفولك" ومحطات طاقة رياح أخرى في اسكتلندا، كذلك ترأست هيئة الاستثمار الصينية تحالف مستثمرين لشراء شبكة توزيع الغاز الطبيعي في بريطانيا التي تمد ملايين المنازل بالغاز.
وخلال العام الماضي، استثمر الصينيون بضعة مليارات في شركات التكنولوجيا الحيوية مثل شركة "أكسفورد نانوبور" التي تعمل في مجال تحليل الجينات، كما اشترى مستثمرون صينيون مركز المعلومات والبيانات البريطاني الهائل، "غلوبال سويتش".
وتكاد تكون مشتريات الصين في بريطانيا في كل قطاع، من المدارس الخاصة إلى سلاسل محلات البيتزا وسلاسل المقاهي والبارات، وعلى الرغم من تشديد قواعد ملكية الأجانب لبعض الشركات البريطانية أخيراً، لأسباب تتعلق بالأمن القومي، إلا أن بعض المعلقين يرون أنه "أغلق باب الإسطبل بعد أن فرّت الخيل بالفعل"، كما يقول المثل البريطاني.