في مؤشر واضح على عودة شهية المستثمرين من الشرق الأوسط لشراء العقارات في سوق لندن، ارتفع مشترياتهم لأعلى مستوى منذ بدء تفشي جائحة كورونا. ووفقاً لأحدث البيانات جمعتها وكالة "نايت فرانك" العالمية للاستشارات العقارية، فإن 16 في المئة من إجمالي المبيعات للمشترين الأجانب في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 كانت لمستثمرين من منطقة الشرق الأوسط، مقارنة بأقل من 10 في المئة في الفصلين الثاني والثالث من العام الماضي. وأفادت البيانات بأن هذه النسبة تشكل أعلى معدل اهتمام تم تسجيله من المشترين في منطقة الشرق الأوسط منذ تفشي فيروس "كورونا" في المملكة المتحدة. ويعد القطاع العقاري أحد أبرز المجالات الاقتصادية، بخاصة في ما يتعلق بجاذبيته للمستثمرين المحليين أو الأجانب، خصوصاً إذا عرفنا أن لندن كانت ولا زالت مركزاً دولياً جاذباً لرؤوس الأموال الأجنبية، حيث شهد حجم تدفق الأموال من الخارج ما يقارب نحو 1.4 تريليون دولار، خصوصاً من دول خليجية وآسيوية حيث انتعش الإقبال على المساكن الفاخرة وسط لندن وخارجها.وتابعت الوكالة أنه "على الرغم من ظهور بعض الدلائل المبكرة على انتعاش الاستثمار القادم من الشرق الأوسط، إلا أن هذه النسبة ما زالت بعيدة إلى حد ما عن مستويات الاستثمار التي سُجلت في الفترة السابقة لتفشي الفيروس". وتوقعت الوكالة أن يرتفع نشاط الاستثمار أكثر مع تخفيف قيود السفر الدولية.
المستثمرون الخليجيون
وأشارت البيانات إلى أن المشترين من دول مجلس التعاون الخليجي يحتلون حالياً المرتبة الثالثة في المملكة المتحدة، لكنهم الأكثر نشاطا في الشراء ،ويسبقهم فقط المستثمرون من آسيا بنسبة 18 في المئة، وأوروبا بنسبة 59 في المئة في المرتبتين الثانية والأولى على التوالي. وقبل نحو أكثر من عام، أقفل سوق الإسكان في إنجلترا أبوابه مؤقتاً ضمن أول إغلاق وطني لفيروس كورونا، مما ترك آلاف المشترين عالقين على الهامش، غير قادرين على رؤية المنازل بهدف الشراء، أو المضي قدماً في عمليات الشراء، وعندما خففت القيود بعد سبعة أسابيع هرع صائدو المنازل المحليون والأجانب إلى السوق، ولكن عدد المشترين الدوليين، وهو أمر حاسم لسوق العقارات في وسط لندن التي تمتاز بالطبيعة التاريخية للمساكن فيها، ظل منخفضاً بشكل كبير، بسبب القيود المفروضة على السفر الدولي.
تزايد الطلب
وفي هذا الصدد، يعلق توم بيل رئيس قسم الأبحاث السكنية بالمملكة المتحدة في وكالة نايت فرانك قائلاً، "تزايد الطلب العالمي على العقارات في لندن خلال الأشهر الـ 12 الماضية على الرغم من قيود السفر العالمية المفروضة. وقد أدت هذه النسبة المتزايدة إلى إحباط اندفاع بعض المشترين المحتملين، لا سيما على ضوء النجاح الذي حققه برنامج التلقيح في المملكة المتحدة". وأضاف بيل أنه "بمجرد تخفيف قيود السفر نتوقع أن تعود المياه إلى مجاريها، إذ سيتم استئناف الخدمات الاعتيادية بما يعكس علاقة لندن العريقة مع المشترين من منطقة الشرق الأوسط."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدث بيل عن "أن مستويات الاستثمار من جهة المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي انخفضت أكثر من المعتاد، إلا أنه تم رصد مشتريات لأصحاب الثروات والمكاتب العائلية الميسورة في المنطقة بقيمة 90 مليون جنيه استرليني منذ دخول المملكة المتحدة في مرحلة الإقفال التام".
أكبر تحد
وفي هذا الإطار، قال مورياس مدني، سفير الثروة العالمية في الشرق الأوسط لدى وكالة نايت فرانك، "نحن نشهد مستوى اهتمام ثابت من المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط، ومع ذلك تبقى القيود المفروض على السفر بين الدول أكبر تحد يواجهنا عندما يتم التخفيف من تلك القيود، وبعد مرور شهر رمضان نتوقع أن يشهد السوق نشاطاً أكبر من المنطقة، فيما تزداد قدرتنا على تلبية الطلب الهائل". وأفاد مدني بأن طلب المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي يتزايد بشكل خاص على شراء العقارات في أفخر مشاريع البناء الكائنة في منطقة "مايفير" بمدينة لندن قبالة ساحة بيركلي مباشرة ومحيطها.
مشترون محتملون
وفي السياق، علّق غابرييل يورك، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة Lodha UK قائلاً، "نحن نتلقى منذ بداية العام الجديد عدداً متزايداً من الاستفسارات التي يرسلها لنا مشترون محتملون من منطقة الشرق الأوسط، ونتوقع أن يستمر هذا العدد في الارتفاع خلال الصيف بعد إعادة فتح حدود لندن واستئناف رحلات السفر الدولية". وأكد يورك إنه يلتقي حالياً بعدد لا يُستهان به من العائلات الخليجية ورجال الأعمال من دول المنطقة، ممن ربما اختاروا الإقامة سابقاً في جناح فندقي عند السفر إلى لندن، ولكنهم يتطلعون الآن إلى الحصول على مسكن دائم لهم في المدينة.
تعثر الأسواق قبل وبعد بريكست
وقد واجهت المملكة المتحدة الكثير من عدم اليقين على مدار السنوات القليلة الماضية، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي والانتخابات العامة لعام 2019 في تشكيك الكثيرين في قوة الاستثمار العقاري، إلا أن الأسواق عادت للانتعاش تدريجياً بعد أن اتفقت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على صفقة ما بعد الخروج، وزوال الأخطار من دون صفقة.وتبدو أسعار العقارات واعدة أكثر على الرغم من تداعيات الجائحة المستمرة. وضرب فيروس كورونا المملكة المتحدة لأول مرة في نهاية يناير (كانون الثاني) 2020، عندما تم تأكيد حالتين، ومع تزايد الأرقام تأثرت جوانب معينة من عالم التمويل.كما أن سوق الأسهم العالمية شهدت انخفاضاً في 12 مارس (آذار) في العام ذاته، ما دفع الكثيرين إلى الانسحاب من استثماراتهم في الأسهم والأسهم والبحث عن أماكن بديلة لوضع أموالهم خلال هذا الوقت. وتوقع العديد من المختصين أن يكون لوباء كورونا عواقب وخيمة على سوق الإسكان في المملكة المتحدة.وبعد انتخاب بوريس جونسون رئيساً للوزراء في ديسمبر (كانون الأول) 2019، شهدت سوق العقارات في المملكة المتحدة نمواً كبيراً، وبحلول يناير (كانون الثاني)، قفز متوسط أسعار المنازل في المملكة المتحدة بنسبة 2.3 في المئة منذ 12 ديسمبر، وكان الاتجاه الذي اتخذته سوق العقارات في المملكة المتحدة خلال هذا الوقت غير متوقع من قبل العديد من الأشخاص في هذه الصناعة. ولهذا السبب، فقد العديد من المستثمرين للأسف فرصة القيام باستثمار قوي ومربح.
مع انتشار الجائحة
وشهد ربيع عام 2020 بداية انتشار جائحة كوفيد-19، وأول إغلاق على مستوى المملكة المتحدة. وفي 23 مارس (آذار) أمر بوريس جونسون الأمة بالبقاء في المنزل لمعالجة حالات الإصابة بفيروس كورونا والوفيات المتزايدة في المملكة المتحدة، وهذا يعني أن الكثير من الشركات اضطرت للإغلاق، بينما بدأ غالبية العاملين في المكاتب العمل من منازلهم. وبسبب "التجميد" المؤقت في عروض العقارات، وصل نشاط سوق العقارات إلى طريق مسدود، وأبلغ وكلاء العقارات عن انخفاض بنسبة 40 في المئة في الطلب بنهاية مارس. ومع ذلك، بحلول أبريل (نيسان)، سجلت "نيشن وايد" ارتفاعاً بنسبة 0.7 في المئة في أسعار العقارات، وتم تسجيل نمو بنسبة 2.4 في المئة على أساس سنوي. كما زاد طلب المشترين بنسبة 88 في المئة في مايو (أيار). ووفق دراسات حديثة فإن نمواً في أسعار المنازل سيشهد ارتفاعاً بنسبة 21.1 في المئة بحلول عام 2025، بينما ستشهد منطقة الشمال الغربي أعلى زيادة في أسعار العقارات مع ارتفاع بنسبة 28.8 في المئة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نمت أسعار المنازل السنوية في المملكة المتحدة من حيث القيمة بنسبة 6.5 في المئة، وهي أكبر زيادة سنوية منذ ما يقرب من ست سنوات.