أعلنت الحكومة البريطانية يوم الأحد أنها سترسل ألف جهاز تنفس اصطناعي آخر إلى الهند، إضافةً إلى 200 جهاز و495 وحدة تركيز أوكسجين وثلاث وحدات توليد أوكسجين، كان قد تم التعهد بتأمينها الأسبوع الماضي.
أما الشعب البريطاني فيقوم من جهته بواجبه في هذا الإطار، حيث قدم، من خلال دعمه لحملةٍ بإشراف منظمة "بريتيش إيجان تراست" British Asian Trust تهدف إلى تأمين الأوكسجين من أجل الهند، أكثر من 1.5 مليون جنيه استرليني (مليوني دولار أميركي) في الأسبوع الماضي.
لا بد بطبيعة الحال، أن تكون أي مساعدة للهند موضع ترحيب، خصوصاً في الوقت الذي هي فيه في أمس الحاجة للعون. لكن هناك جانباً آخر يتعين على رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون أن يقدمه لدلهي، عندما يعقد اجتماعاً افتراضياً مع نظيره الهندي ناريندرا مودي يوم الثلاثاء. فقد كان جونسون ينوي خلال زيارةٍ للهند أرجئت بسبب تفشي أزمة فيروس كورونا في البلاد، أن يطلب من السيد مودي الإفراج عن 5 ملايين جرعة من لقاح "أسترازينيكا" المقرر تصديرها إلى المملكة المتحدة. إلا أن هذا الطلب أصبح بالتأكيد أمراً غير وارد. لا بل، يتعين على رئيس الوزراء البريطاني أن يذهب إلى أبعد من ذلك، ويُفترض به أن يعرض إرسال بعض إمدادات اللقاح من المملكة المتحدة إلى الهند على الفور.
معلومٌ أن الحكومة البريطانية كانت قد طلبت أكثر من 500 مليون جرعة من سبعةٍ من أكثر اللقاحات الواعدة في مجال مكافحة فيروس "كوفيد - 19"، لبلدٍ يبلغ عدد سكانه 67 مليون نسمة. صحيح، أن الإمدادات لا تزال تشهد اضطراباتٍ عرضية، لكن حملة التلقيح البريطانية حققت نجاحاً كبيراً، وتستبق حتى المواعيد المحددة ضمن الخطة الموضوعة لها. بالتالي، يجدر بها أن تقوم بما هو مناسب للعالم - حتى وإن كان سيؤدي ذلك إلى تأخير طفيف في مواعيد تطعيم الشباب البالغين، الأقل عرضةً للإصابة الحادة بالفيروس - وأن تهب للوقوف إلى جانب الهند وتقدم المساعدة لها عندما تكون في أمس الحاجة إليها.
وباستثناء "الحزب القومي الاسكتلندي"، فإن أغلب السياسيين في المملكة المتحدة، بمَن فيهم في حزب "العمال" المعارض، يحاولون تجنب مقاربة هذه القضية الحساسة. فمعظمهم يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يضعون مصلحة الشعب البريطاني في المقام الأول، وتجنب أي شيء قد يحول دون بلوغ الهدف المحدد والمتمثل في تطعيم جميع البالغين بالجرعة الأولى من اللقاح بحلول نهاية شهر يوليو (تموز).
ولدى سؤال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، خلال سلسلةٍ من المقابلات التلفزيونية يوم الأحد، عما إذا كانت حكومته تفكر في تزويد الهند بجرعات اللقاح، رد بأنه لم يتلق أي طلبٍ من دلهي "في شأن هذه المسألة تحديداً".
وللأسف، ما يحدث إنما يعكس الذهنية الأنانية التي تنطلق من مقولة "الأقربون أولى بالمعروف"، وهي التي حدت بحكومة بوريس جونسون إلى اقتطاع نحو 4 مليارات جنيه استرليني (5.5 مليار دولار) من الموازنة المخصصة للمساعدات الخارجية للمملكة المتحدة في ذروة تفشي الوباء. من الواضح أن الكفاح ضد عدوى "كوفيد - 19" هو معركة عالمية. ولعل الفجوة المثيرة للقلق التي تفصل بين الدول الغنية والفقيرة قد استغرقت وقتاً أطول مما توقعه بعض الخبراء، لكن معالمها باتت شاخصةً للعيان الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الإطار، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يموتون بفيروس كورونا في البلدان الفقيرة أو الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من أقل من 10 في المئة إلى أكثر من 30 في المئة خلال الشهر الماضي. وقد نرى المشاهد المروعة التي تحصل في الهند تتكرر لاحقاً في أفريقيا. بالتالي، إن لم نبادر إلى اتخاذ إجراءٍ الآن، فمن المرجح أن يتطور الفيروس ويتحور ليعود ويقض مضاجع البلدان الأكثر ثراءً التي كان نصيب 10 دولٍ منها، بما فيها المملكة المتحدة، ما يُقدر بنحو 80 في المئة من الجرعات التي تم طرحها حتى الآن. ويمكن للاحتفالات الترحيبية باستعادة الحريات الجديدة التي يعاود البريطانيون اكتشافها تدريجاً، ألا تدوم طويلاً ما لم ندرك أن العالم بأسره قد دخل في المسار نفسه.
في المقابل، يحرص الوزراء على التأكيد أن المملكة المتحدة لا تمتلك فائضاً من اللقاحات، ويقولون إنهم سيبحثون في الطرق التي يمكنهم من خلالها تحويل أي لقاحات احتياطية بعد الانتهاء من حملات التلقيح في بريطانيا. وأشاروا إلى أن المملكة المتحدة أسهمت بمبلغ 548 مليون جنيه استرليني (756 مليون دولار) لتخصيص دعمٍ يشمل تقديم مليون و300 ألف جرعة من خلال مبادرة "كوفاكس"، لمد 92 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل باللقاحات، بما فيها الهند.
لكن من الواضح على نحوٍ مؤلم، أن الهند هي في حاجةٍ إلى مساعدة إضافية الآن. ويتحدث الوزراء عن العلاقات الثنائية الخاصة ما بين المملكة المتحدة والهند، التي يأملون في أن تُترجم إلى اتفاق تجاري لم تتمكن دول أخرى كثيرة من التوصل إليه. غير أنه ينبغي عليهم أن يتذكروا أن الهند وقفت إلى جانب بريطانيا في وقتٍ كانت بحاجةٍ للدعم قبل نحو عام، من خلال الموافقة على تصدير 3 ملايين علبة من دواء باراسيتامول إليها.
وفيما تبدي حكومة المملكة المتحدة تردداً، فإن آخرين يعملون على ملء هذا الفراغ في الدور القيادي. فقد أرسلت روسيا 150 ألف جرعة من لقاح "سبوتنيك في" Sputnik-V إلى الهند. وفي السنة التي تتولى فيها بريطانيا المتحدة رئاسة دول "مجموعة السبع" G7، بات جونسون يواجه خطر فقدان الفرصة المتمثلة في أن يقدم للعالم مثالاً يُحتذى به، ويثبت أن "بريطانيا العالمية" تعكس القيم الإنسانية لشعبها الداعمة العطاء والعمل الخيري.
© The Independent