يهدد خلاف بين الولايات المتحدة وألمانيا رفع براءات الاختراع عن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا الذي اقترحته واشنطن، بينما حذرت منظمة الصحة العالمية من موجة جديدة لوباء "كوفيد-19" في أفريقيا بسبب بطء التطعيم.
في الوقت نفسه وقبل 80 يوماً من دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، مددت اليابان الجمعة حالة الطوارئ في اليابان التي فرضت من جديد في نهاية أبريل (نيسان) في أربع مقاطعات بينها طوكيو للحد من انتشار كورونا، ثلاثة أسابيع حتى 31 مايو (أيار).
ورحبت رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا، الخميس، بإعلان الولايات المتحدة، وشجعت الهند وجنوب أفريقيا اللتين تقفان وراء هذا الاقتراح الذي يهدف إلى تسريع إنتاج وتوزيع اللقاحات، على تقديم نص منقح في هذا الشأن بسرعة، يكون أكثر قبولاً للجميع.
وبعد رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس الذي رأى في الاقتراح، الأربعاء، "قراراً تاريخياً"، رحب متحدث باسم المنظمة الدولية بهذه المبادرة التي "يمكن أن تزيد بشكل كبير إمدادات نظام "كوفاكس" لتقاسم اللقاحات مع الدول الفقيرة".
لكن الاتحاد الأوروبي المعارض لخطوة من هذا النوع أساساً، بدا أقل حماسة. لكنه قال بلسان رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين، إنه "مستعد لمناقشة أي اقتراح يعالج الأزمة بشكل فعال وعملي". إلا أن برلين حذرت من أن "حماية الملكية الفكرية هي مصدر الابتكار ويجب أن تبقى كذلك في المستقبل".
بين الحكومات والشركات
وأكدت المختبرات الألمانية "بايونتيك" أن ذلك لن يكون له تأثير "على الأمد القصير والمتوسط" لأن حماية براءات الاختراع ليست العامل الذي يحد من إنتاج وتوريد لقاحها المطور مع شركة "فايزر" الأميركية التي قال رئيسها ألبرت بورلا لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه "لا يؤيد إطلاقاً" رفع براءات الاختراع.
ورأت حائزة جائزة نوبل للاقتصاد في 2019 إيستر دوفلو، الجمعة، أن رفع براءات الاختراع عن اللقاحات فكرة جيدة، لكن يجب على الدول الأكثر ثراء أن تفي بالتزاماتها تجاه البلدان الأكثر فقراً. وقالت في مقابلة مع صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية اليومية، إن الدعم الأميركي لرفع براءات الاختراع "أمر جيد" لأنه "يضغط على مجموعات الأدوية".
ومن خلال إنشاء وتمويل برنامج "كوفاكس" (وهو نظام لتبادل اللقاحات المضادة لكوفيد)، ساعدت دول ومنظمات دولية وشخصيات مثل بيل غيتس في تقديم 50 مليون جرعة إلى البلدان الفقيرة، لكن "هناك حاجة إلى ملياري جرعة"، حسب الخبيرة الاقتصادية الفرنسية الأميركية.
وأضافت أن "الجهود الاقتصادية لمساعدة الدول الفقيرة ستكون ضئيلة. فتزويد هذه البلدان بملياري جرعة من اللقاحات، يحتاج إلى 29 مليار دولار، وإذا رفعنا هذا العدد إلى أربعة مليارات تصبح الكلفة أكثر من 50 ملياراً بقليل. وهذا لا شيء بالمقارنة مع تريليونات الدولارات التي تستثمرها الولايات المتحدة وحدها في خطة التعافي".
جاءت كل هذه التصريحات بعدما أعلنت الممثلة الأميركية للتجارة كاثرين تاي، أنه "لإنهاء هذا الوباء، تدعم (حكومة الولايات المتحدة) رفعاً مؤقتاً" لهذه البراءات.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن بلاده التي صادقت أخيراً على استخدام لقاح "سبوتنيك لايت" الذي يقتصر على جرعة واحدة "ستدعم نهجاً من هذا النوع"، بينما قال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان متردداً من قبل، إنه "يؤيد" هذه الفكرة.
من جهته، قال الاتحاد الأفريقي، إن "التاريخ سيتذكر القرار الذي اتخذته حكومة الولايات المتحدة على أنه الأمر الصحيح في الوقت المناسب لمواجهة هذا التحدي الرهيب".
من جهته، حذر المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لأفريقيا في بيان، من خطر حدوث موجة جديدة لانتشار فيروس كورونا في القارة بسبب التأخير المتزايد في حملات التطعيم بالمقارنة مع بقية العالم.
وقال، إنه "بسبب تأجيل تسليم جرعات لقاحات كوفيد-19 التي يصنعها معهد سيروم في الهند لأفريقيا، وبطء نشر اللقاحات وظهور متحورات جديدة، ما زال خطر حدوث موجة جديدة من العدوى مرتفعاً في القارة". وأضاف أن أفريقيا "لم تعد تمثل سوى واحد في المئة من جرعات اللقاحات التي يتم إعطاؤها في العالم، مقابل 2 في المئة قبل أسابيع".
وقالت ماتشيديسو مويتي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لأفريقيا في البيان، إن "مأساة الهند يجب ألا تحدث هنا في أفريقيا ويجب أن نبقى جميعاً في حالة تأهب قصوى"، مؤكدة أنه "إذا طالبنا بالمساواة في اللقاحات يجب على أفريقيا أيضاً أن تبذل جهوداً، وتستفيد إلى أقصى حد مما لدينا. يجب أن نستخدم جميع الجرعات المتوفرة لدينا لتطعيم الناس".
في آسيا، أعلن رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا، الجمعة، أن حالة الطوارئ في اليابان التي فرضت من جديد نهاية أبريل في أربع مقاطعات بينها طوكيو للحد من انتشار كورونا، سيتم تمديدها ثلاثة أسابيع حتى 31 مايو.
وإضافة إلى طوكيو التي يفترض أن تستضيف الألعاب الأولمبية خلال أقل من 80 يوماً وثلاث مناطق أخرى، هي أوساكا وكيوتو وهيوغو (غرباً)، فرضت حالة الطوارئ في إدارتين أخريين هما أيشي (وسط) وفوكوكا (جنوب غربي)، بحسب سوغا.
وما زالت الهند تشهد انتشاراً للفيروس مسجلة الخميس أرقاماً قياسية للوفيات (3980) والإصابات (412 ألفاً و262) الخميس. وبذلك ارتفعت الحصيلة الإجمالية إلى أكثر من 230 ألف وفاة و21 مليون إصابة.
من جهته، أعلن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، أنه لن يمدد قراره المثير للجدل بمنع مواطنيه من العودة من الهند.
وكان موريسون حظر هذا الأسبوع دخول جميع الوافدين من الهند، حيث علق أكثر من تسعة آلاف استرالي، عند وصولهم إلى الأراضي الأسترالية مهدداً بفرض غرامات باهظة وأحكام بالسجن على الذين ينتهكون هذا الإجراء عن طريق الدخول بشكل غير قانوني عبر دول أخرى.
من جهته، أعلن وزير السياحة الأسترالي دان تيهان، أن استراليا يمكن أن تبقي حدودها مغلقة حتى نهاية 2022 بسبب الموجة الجديدة للوباء. وقال إن الزيادة في الحالات في الهند تظهر الحاجة إلى إبقاء القيود على الحدود من أجل الحفاظ على مستوى انتشار الفيروس منخفضاً في أستراليا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رفع براءات اختراع اللقاحات
فكرة رفع براءات الاختراع عن اللقاحات المضادة لـ"كوفيد-19" مرفوضة بشكل عام من قبل شركات الأدوية. فحتى وإن لم تكن أرباحها مهددة حالياً، تخشى هذه الشركات من أن يشكل مثل هذا الاقتراح سابقة تكبح الابتكار. وتؤكد شركات إنتاج الأدوية أن حماية براءات الاختراع ليست العامل الذي يمنع إنتاج اللقاح.
وقالت ميشال ماككوري هيث، مديرة لوبي شركات التكنولوجيا الحيوية العضوية، "إعطاء البلدان المحتاجة وصفات من دون المكونات والضمانات والعمالة المتخصصة لن يساعد الأشخاص الذين ينتظرون اللقاح".
والخميس أعلن سيتفان بانسيل رئيس مجلس إدارة "موديرنا" أن إتقان تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال التي تقوم عليها لقاحات "فايزر-بايونتيك" و"موديرنا"، وشراء الآلات وإجراء التجارب السريرية وبدء التصنيع على نطاق واسع ، "لا تحدث في 6 أو 12 أو 18 شهراً".
وتعهدت شركته في أكتوبر (تشرين الأول) بعدم مقاضاة الشركات الأخرى التي قد تستخدم براءات اختراعها لإنتاج لقاحات ضد "كوفيد-19" بدورها. كما يعيق الإنتاج العقبات الجمركية أو نقص بعض المكونات.
بالنسبة إلى الشركات التي تستفيد حالياً من اللقاح، تعهدت "جونسون أند جونسون" و"أسترازينيكا" بيعه بسعر التكلفة، لن يؤثر رفع براءات الاختراع عليها "خصوصاً في الأشهر المقبلة"، كما يقول إيان جيندلر من شركة "فاليو لاين" للأبحاث.
هل يمكن أن يكون للاقتراح تأثير إيجابي في سمعة المختبرات التي غالباً ما يتم انتقادها بسبب أسعار الأدوية المرتفعة؟ من غير المؤكد، وفقاً لفرسات بخاري الخبير الاقتصادي المتخصص في قضايا المنافسة والصحة في جامعة إيست أنغليا البريطانية. "ففي هذه المرحلة سيكون ذلك تحت ضغط الحكومات وستظهر هذه الشركات بمظهر غير المتعاون".
ويرى رون كوهين رئيس شركة "أكوردا تيرابيوتيكس" للتكنولوجيا الحيوية في نيويورك، أنه من خلال دعم رفع براءات الاختراع مؤقتاً، "سلك جو بايدن منحدراً خطيراً وزلقاً". وكتب على "تويتر" "ما هي براءات الاختراع التالية في القائمة التي لن تكون محمية بعد تسجيل هذه السابقة؟". وأكد أن أمراض السرطان أو ألزهايمر يمكن أن تعد أيضاً "أزمات عالمية".
ويؤكد خبراء أن نظام الملكية الفكرية كما هو حالياً غير مهدد بشكل أساس، لكن رفع براءات الاختراع للقاح "كوفيد-19" "يمثل سابقة للأزمات الصحية المقبلة" كما يقول بخاري. فشركات الأدوية سواء كانت مدعومة من الأموال العامة أو لا ، "لن يكون لديها أي حافز للاستثمار في المرة المقبلة التي توجد فيها حالة طوارئ".
يعتبر داميان كونوفر المتخصص في قطاع صناعة الأدوية في شركة "مورنيغستار" أن دعم رفع براءات الاختراع عن اللقاحات المضادة لـ"كوفيد" هو بلا شك "مسألة نظرية" بالنسبة إلى إدارة بايدن.
وتواجه الولايات المتحدة التي عادة ما تدافع عن الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، ضغوطاً من الدول النامية التي تدين التوزيع البطيء للقاحات حول العالم في حين تلقى 45 في المئة من الأميركيين جرعة واحدة على الأقل.
ويشير بخاري إلى أن هذا الظلم "لم يتم حله بعد". ويقول "على سبيل المثال علينا أن نحدد أين العقبات في الإنتاج؟".
في رأيه يمكن للحكومة الأميركية قبل كل شيء المساعدة في إبرام اتفاقيات تراخيص بين مجموعات الأدوية والمصنعين في البلدان النامية تشمل نقل الخبرة.
ويدعو المتخصص في الملكية الفكرية بجامعة كولومبيا في نيويورك شيام بالغانش إلى توحيد كل المعلومات المتعلقة بوباء "كوفيد-19"، الذي لن يختفي في وقت قريب. ويضيف، إن تردد الشركات لا يوازي المساعدات التي قدمتها الحكومات ومولت جزءاً من الأبحاث، وسهلت العمليات التنظيمية أو اللوجستية، وحقيقة أن الوضع استثنائي.
يوضح "سواء تعلق الامر بشركات صناعة الأدوية التي تقول إن فتح هذا الباب مجهول النتائج، أو بالمدافعين عن الصحة العامة الذين يرحبون بهذا التطور، من المهم أن نقر بأننا لا نعرف النص الذي سيتم تبنيه". فهل ثمة نية لرفع البراءات عن اللقاحات لسنوات أو حتى بلوغ المناعة الجماعية؟ وهل هناك نية أيضاً ليشمل ذلك العلاجات؟ "لا يزال هناك كثير من النقاط التي يجب التفاوض بشأنها".