ملخص
حاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني للتعليق على هذه المطالبات لكنها لم تتلق رداً، بينما أكدت مصادر قريبة من الحكومة أن ثمة محاولات ومطالب جرت بالفعل من حركة "حماس" للعودة للأردن لكنها قوبلت بالرفض.
استغل نواب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في البرلمان الأردني، جلسات التصويت على منح الثقة لحكومة جعفر حسان، من أجل الضغط عليها ومساومتها بورقة إعادة العلاقة مع حركة "حماس"، بل إن بعضهم ذهب بعيداً إلى حد المطالبة بإعادة فتح مكاتب الحركة في العاصمة عمان.
وفي حين رفض مراقبون هذه الضغوط من باب الانشغال بالهم الداخلي، قال آخرون إن على الحكومة استغلال العلاقة مع الحركة من باب تنويع الخيارات والأدوات السياسية، بخاصة أن التواصل لم ينقطع بصورة كاملة ولكنه يتسم بالبرود والحذر.
محاولات وصد
وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني للتعليق على هذه المطالبات لكنها لم تتلق رداً، بينما أكدت مصادر قريبة من الحكومة أن ثمة محاولات ومطالب جرت بالفعل من حركة "حماس" للعودة للأردن لكنها قوبلت بالرفض، خصوصاً بعد مرحلة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ شهدت هذه الفترة ما اعتبرته الحكومة الأردنية تحريضاً للشارع الأردني من بعض قادة الحركة عبر مخاطبتهم بصورة مباشرة للانخراط في المعركة، فضلاً عن محاولة استغلال القبائل الأردنية تحت شعار اقتحام الحدود.
وقالت المصادر إن هذا الخطاب أدى في الأسابيع الماضية إلى ما تخشى منه الحكومة الأردنية، إذ قام مواطن أردني مسلح بإطلاق النار على رجال أمن أردنيين في محيط السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان، وسبق ذلك حادثة مقتل أردنيين بعد تسللهما إلى إسرائيل وإطلاق النار على جنود إسرائيليين.
وزادت المصادر أن الأردن يفخر بأنه في طليعة الدول التي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وأنه يقوم بدور إنساني دبلوماسي متقدم في ما يخص الحرب على غزة، ووظف أدواته الدبلوماسية والإعلامية لوقف العدوان على غزة.
وترى المصادر أن الأردن الرسمي يتعامل مع السلطة الفلسطينية باعتبارها ممثلاً شرعياً للفلسطينيين، ولا يتعامل مع فصائل أو منظمات.
انتحار سياسي
يصف الكاتب والمحلل السياسي حسين الرواشدة خطاب بعض النواب الإسلاميين، بخاصة في ما يتعلق بإعادة العلاقة مع حركة "حماس"، بأنه امتداد لخطابهم في الشارع، ولكن في مناسبة دستورية مخصصة لتقدم فيها الحكومة بيانها لنيل الثقة من النواب.
ويضيف أن الخطاب الإخواني معزز بهواجس الوطن البديل، وتحويل الأردن إلى درع وبلد مهمته الانتحار لإيجاد حل لقضايا الآخرين على حسابه، مطالباً النواب الإسلاميين تحت قبة البرلمان بتمثيل هوية بلدهم والدفاع عن مصالحه، وألا يتقمصوا أية قضية خارج السياق الوطني، أو يستبدلوا الأردن بتنظيم أو فصيل.
واتهم الرواشدة النواب الإسلاميين بمهاجمة رئيس الوزراء جعفر حسان، لأنه قال بصراحة في خطاب طلب الثقة إن حل القضية الفلسطينية في فلسطين وليس في الأردن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأسست حركة "حماس" عام 1987 بوصفها جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تحظى بحضور كبير في الأردن، وخلال الأعوام (1993- 1999) افتتحت الحركة مكاتب رسمية في عمان، لكن العلاقة تأزمت بعد توقيع اتفاق أوسلو (1993) الذي رفضته "حماس"، بينما أيده الأردن بحذر.
وفي عام 1999 اتخذت الحكومة الأردنية قراراً بإغلاق مكاتب "حماس" في عمان وترحيل قادتها إلى الخارج، وهم موسى أبو مرزوق وإبراهيم غوشة وعزت الرشق وسامي خاطر ومحمد نزال، وبررت القرار في حينه بقيام الحركة بأنشطة غير قانونية من شأنها أن تهدد الأمن الأردني.
من وقتها ظلت العلاقة بين الأردن و"حماس" أشبه بالقطيعة، لكن فوز الحركة في انتخابات 2006 في الأراضي الفلسطينية أجبر المملكة على فتح قنوات اتصال محدودة معها.
ومنذ عام 2006 وحتى العام الحالي حافظ الأردن على علاقة دبلوماسية غير رسمية وفاترة مع "حماس"، لكنه رفض مراراً إعادة فتح مكاتبها رسمياً في عمان، نظراً إلى محاذير عديدة من بينها الخشية من تأثيرات أمنية داخلية، وتدخلات إسرائيلية متوقعة في الأراضي الأردنية بحجة استهداف الحركة.
كما حاول الأردن الموازنة بين العلاقة مع الحركة والضغوط التي تمارسها واشنطن باعتبارها حليفة عمان والمانح الأكبر للمساعدات الدولية للمملكة، فضلاً عن العلاقة مع السلطة الفلسطينية التي تعتبرها الأردن الممثل الشرعي للفلسطينيين.
وعلى رغم وجود أصوات نيابية وأخرى سياسية تطالب بتحسين العلاقة مع "حماس"، فإن قطاعات أخرى قد ترى في هذه الخطوة استجابة لضغوط جماعة الإخوان وتقوية لها داخلياً على رغم أنها جماعة محظورة بحكم القانون.
تحفظ رسمي
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000- 2005) زادت المطالب الشعبية في الأردن بإعادة التواصل مع "حماس"، وكانت جماعة الإخوان أبرز المطالبين بذلك، بخاصة مع زيادة شعبية الحركة داخل الأردن حينها، لكن الموقف الرسمي ظل متحفظاً.
بعد مرحلة الربيع العربي عام 2011 وتنامي دور الإسلاميين في المنطقة، شهدت العلاقة تحسناً نسبياً، وفي عام 2012 زار خالد مشعل الأردن للمرة الأولى منذ 1999 بدعوة من العاهل الأردني. وحملت الزيارة طابعاً سياسياً ودبلوماسياً، لكنها لم تؤسس لعلاقة دائمة.
على رغم ذلك اتهمت السطات الأردنية حركة "حماس" مراراً بمحاولة العبث بالأمن الأردني على رغم نفي الحركة ذلك، ففي عام 2006 اتهم الأردن "حماس" بتهريب أسلحة إلى المملكة من سوريا، وفي عام 2015 حكم على 12 أردنياً بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً لتورطهم في خلية تابعة لـ"حماس"، وفي العام الحالي أحبطت السلطات محاولة لتهريب أسلحة وذخيرة إيرانية عبر أفراد ينتمون لحركة "حماس".
يقول المحلل السياسي فارس حباشنة، إن الطريق ما بين الأردن و"حماس" سياسياً يتطلب من المملكة ترك الباب مفتوحاً لبناء تفاهمات، متسائلاً "لماذا لا تكون الحركة ورقة أردنية في وجه التهديدات الإسرائيلية للأردن؟".
يطالب الحباشنة بتنويع الخيارات السياسية الأردنية، والمناورة في ملف إحياء وإعادة ترتيب العلاقة مع "حماس"، بخاصة أن الحركة فكت ارتباطها التنظيمي بجماعة الإخوان المسلمين.
إغلاق الأبواب
بدوره يقول وزير الإعلام السابق سميح المعايطة أن من حق الأردن غلق الأبواب أمام تكرار تجربة كانت سيئة مع الفصائل الفلسطينية، من دون أن يؤثر ذلك في موقفه الصادق من القضية الفلسطينية، مضيفاً "خطابات نواب الإخوان في البرلمان تشير إلى أجندة الجماعة داخل المجلس وخارجه، لكن المقايضة من جانب الدولة ليست واردة".
يؤكد المعايطة أن ساحة عمل كل التنظيمات الفلسطينية هي الأراضي الفلسطينية، وليس مطلوباً تحويل الأردن إلى ميدان نفوذ لهذه التنظيمات، موضحاً أن بعض التيارات السياسية حاولت استثمار فترة الحرب على غزة للضغط على الدولة لإعادة فتح الساحة الأردنية لـ"حماس" لأسباب تنظيمية، وهذا واضح في الشعارات والمطالبات، وهو أيضاً أمنية لقيادة "حماس" في الخارج، وبخاصة في ظل إمكان فقدانها مقرها في قطر.
ويوجه المعايطة رسالة إلى "حماس" بالهدوء والحكمة في تعاملها مع الأردن الذي يعتبر النصير الأهم للفلسطينيين، لأن أي سلوك سياسي سلبي تجاه عمان لا يخدم الحركة، على حد قوله.