على الرغم من جائحة كورونا، إلا أن المنازل في صعيد مصر شهدت حالة من الاستنفار على مدار الأيام القليلة الماضية في أوساط السيدات، لإعداد كعك و"بسكويت" عيد الفطر، كعادة وتقليد متوارث لا يمكن الإقلاع عنه، حيث لا تكتمل بهجة العيد من دونه. ففي نهاية شهر رمضان تفوح من شوارع صعيد مصر رائحة النشادر والخميرة، وهي من العناصر الرئيسة المستخدمة في كعك العيد، على الرغم من توافر عشرات المحال التجارية التي تبيعه جاهزاً وبأسعار في متناول الجميع، لكن يظل طقس صناعة الكعك في البيوت طقساً يقاوم الحداثة والاندثار.
الطقوس
بهجة كبيرة تعيشها الأسر المصرية خلال صناعة كعك العيد، لما يصحب ذلك من أغانٍ شعبية فلكلورية متوارثة، علاوة على حالة التعاون التي توحد الجميع على العمل لإنجاز المهمة.
وتقول فايزة حسين، وهي ربة منزل، إن فرحة عيد الفطر في الصعيد لا تكتمل إذا لم يصنع كعك العيد في المنزل، فالأهالي لا يعترفون بالمخبوزات الجاهزة، مضيفة أن صناعته تتطلب عملاً جماعياً، فغالباً ما تشارك فيها الجارات أو الشقيقات أو الأقارب، لما تحتاجه من أدوار عدة كالعجن والتخمير والنقش والرص والتسوية، والعديد من المقادير كالدقيق واللبن والسمسم والعجوة والسمن.
وأشارت حسين إلى أن تبادل كعك العيد مع الأقارب والمعارف والفقراء في صعيد مصر، يشكل نوعاً من صلة الرحم والتراحم بين المصريين، كما يمثل ذلك نوعاً من التنافس بين كل مجموعة من السيدات في القرى والأحياء لإخراج أفضل مخبوزات.
وأضافت أن صناعة كعك العيد في المنزل لها مذاق خاص يختلف عن بعض المخبوزات الجاهزة المشكوك في مقاديرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكرت لمياء الأبنودي، ربة منزل، أن فرحة الأطفال بصناعة كعك العيد لا تقدر بثمن، فحينما تُرص صاجاته لنقش "البسكويت" و"البيتي فور" والكعك والمخبوزات، يبتهج الأطفال بهذه الأجواء الجميلة التي يتشارك فيها الكبير والصغير.
وتشير إلى أن هناك عدداً من الأغاني التراثية تحرص السيدات والأطفال على غنائها خلال صناعة الكعك، لعل أشهرها "يا كحك العيد يا احنا – يا بسكويت يا احنا – يا شربتات يا احنا".
وتؤكد الأبنودي أن جائحة كورونا لم تمنعها هي وجيرانها من صناعة كعك العيد، لكنهن اتخذن الإجراءات الوقائية كافة.
الأسعار
شهدت الأسواق المصرية تبايناً واضحاً في الأسعار الخاصة بكعك و"بسكويت" العيد حيث بدأت أسعار العبوة المشكلة من 60 إلى 100 جنيه (من 3 إلى 6 دولارات) للأنواع الشعبية، بينما تراوحت الأنواع الفاخرة بين 500 إلى 1500 جنيه للكيلو الواحد (من 31 إلى 100 دولار).
وقال صلاح العبد، رئيس شعبة الحلوى في غرفة القاهرة التجارية، لـ "اندبندنت عربية"، إن جائحة كورونا هذا العام أثرت بشكل قوي في أسواق كعك العيد، حيث تراجعت المبيعات بأكثر من 50 في المئة مقارنة بالعام السابق، جراء تسريح العمالة الموسمية إضافة إلى الإغلاق الإجباري ما بعد التاسعة، إلا أن وزارة التموين المصرية طرحت كميات كبيرة من كعك عيد الفطر بأسعار مخفضة.
جذور فرعونية
مصطفى الصغير، مدير آثار الأقصر في جنوب مصر والمتخصص في علم المصريات، قال لـ "اندبندنت عربية"، إن "كعك العيد عادة مصرية أصيلة ذات أصول فرعونية، حيث تخبرنا جداريات مقبرة الوزير خميرع في الأسرة الثامنة عشر، بأن الكهنة كانوا يصنعون مخبوزات دائرية على هيئة قرص الشمس بما يرمز للمعبود آمون رع".
وأشار الصغير إلى أن جداريات معبد الأقصر تجسد حرص المصري القديم على صناعة أشكال مختلفة من المخبوزات في الأعياد الفرعونية القديمة لتقديمها كقرابين، مما يؤكد تجذر عادة صناعة الكعك في الأعياد ليس عند المسلمين فحسب، بل يحرص الأقباط في الصعيد على صناعة الكعك والمخبوزات في عيد الميلاد.
ويكشف مصطفى السمان، المتخصص في التاريخ والتراث الإسلامي، أن صناعة كعك ارتبطت بعيد الفطر، في عهد الدولة الطولونية والفاطمية، بل كان حكام الدولة الإخشيدية يحشون الكعك بالذهب، ليوزع على المقربين من حاشيتهم. كما يضم متحف الفن الإسلامي في القاهرة عدداً من قوالب صناعة كعك العيد التي تحمل عبارات "كل هنيئاً واشكر- كل واشكر مولاك".