على الرغم من تفشي فيروس كورونا، وفقدان التباعد الاجتماعي في الساحات والحدائق والمواصلات العامة السورية، فإن محافظة دمشق ارتأت أن تشدد قبضتها الإدارية والقانونية على ساحات ألعاب الأطفال في الأحياء الشعبية، ما دفع الفريق الحكومي المكلف التصدي للجائحة إلى إلغائها بشكل نهائي في المحافظة.
كورونا واللعب مع الأطفال
ويعزو المكتب التنفيذي لدمشق قراره أمس الأربعاء بعدم الموافقة على السماح بإنشاء ساحات لأراجيح الأطفال كالمعتاد في الأعياد إلى الحرص على الصحة والسلامة العامة، وذلك في إطار الإجراءات المتخذة للتصدي لـ"كوفيد-19".
وكانت دائرة حكومية يطلق عليها مديرية الأملاك العامة جهّزت عشرة مواقع، حتى تكون بمثابة ساحات لألعاب العيد الشعبية، إلا أن انتشار الفيروس في موجته الثالثة حرم الأطفال في دمشق من متعة لن تتكرر في العام سوى في عيدَي الفطر والأضحى.
وتُنصب في هذين العيدين مختلف أنواع الأراجيح الكبيرة الشعبية، التي عادة تكون مصنوعة من الخشب القاسي، أو الأراجيح الحديدية المتوسطة الحجم، وتنتشر في أزقة الحارات السكنية والأكثر شعبية، وتكون تكلفتها مناسبة أكثر لأصحاب الدخل المحدود.
جدل حول القرار
ورصدت "اندبندنت عربية" أحوال ساحات العيد في مختلف المدن السورية، فقد لوحظ في مناطق سيطرة الحكومة عدم صدور أي قرار مشابه يحظر تلك الساحات.
وأثار قرار مجلس المحافظة جدلاً بين مؤيد، يراه مناسباً كونه يراعي واقع الحال المتدهور والمتطور للوباء، ويحدّ بلا أدنى شك من انتشاره. في المقابل، ترى شريحة من الأوساط الشعبية، لا سيما محدودي الدخل، أن القرار يحرم أبناءهم من التمتع بالفرحة المنتظرة، وسيتيح فقط لميسوري الحال الاتجاه إلى مدن الألعاب أيام العيد. يقول أب لعائلة مكونة من أربعة أطفال، "هذا الإغلاق يصب في صالح مدن الملاهي الكبيرة، إذ لا يمكنني اصطحاب أبنائي إليها لارتفاع أجور الألعاب الكهربائية فيها".
بينما علّق آخرون عما جاء في فحوى القرار على الرغم من أهميته بالتصدي للجائحة، لكنهم أبدوا استغرابهم لجهة أن حافلات النقل الداخلي والمطاعم والمتنزهات تغصّ بالازدحام. ويضيف والد الأطفال الأربعة، "كان من الممكن تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي واشتراط صحبة الأهل وإلزام ارتداء الكمامات والإبقاء على تلك الساحات في وقت لم يصدر أي قرارات شبيهة لحظر التجول أو الإغلاق الجزئي مصاحبة لأيام العيد".
وكان مدير دائرة الأملاك في محافظة دمشق حسام الدين سيفور أعلن في وقت سابق تجهيز 10 مواقع لتكون ساحات العيد، مؤكداً إجراءات صارمة بحق كل المخالفين.
عادات وتقاليد شعبية
وتستقطب الساحات الشعبية كماً كبيراً من زبائنها الصغار الفرحين بملابسهم الجديدة، وألعاب لطالما انتظروها عقب إطلالة فجر العيد حتى يكون أول من يصعد على الأراجيح الصغيرة والكبيرة بين أزقة الحارات أو في الساحات العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويروي الباحث في الموروث الشعبي جمال محبك عادات وتقاليد شعبية درج على ممارستها الأطفال في هذه المناسبات، على الرغم من أنها وبفعل التطور الحضاري والحرب الأخيرة، قد أَفُلت بشكل تدريجي "ليلة العيد يضع الأطفال بمختلف أعمارهم ملابسهم الجديدة تحت الوسادة، بينما يسهر جزء كبير من الكبار في تلك الليلة حتى مطلع الفجر".
وعلى أنغام وصوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم وأغنيتها الشهيرة "يا ليلة العيد"، يتابع أهل البيت تحضير الحلويات. وبعد صلاة العيد، يرتدي الصغار الثياب والأحذية الجديدة، ويذهبون برفقة أهلهم لزيارة الأقارب، أو يستقبلونهم في منازلهم بعد صلاة العيد صباحاً.
ولعل "العيدية" تمثل جزءًا من التقليد الشعبي الذي يدخل الفرحة إلى قلوب الأطفال، لأنها بالتالي تمثّل لهم مصدر دخل ذاتياً يسعدون به، ويدفعهم بكل ثقة للتوجه إلى ساحات الألعاب والإنفاق بسخاء هناك.
وفي هذا السياق، يلفت محبك النظر إلى عادات محببة لدى السوريين بتقديم الضيافة من حلويات العيد مثل "كعك العيد"، وهو يميل إلى اللون الأصفر وبنكهة اليانسون مع حبة البركة، و"المعمول" بشقَّيه المصنوع بالتمور أو المحشو بالجوز وكذلك "الغريبة" من السميد وفيها حب من اللوز، ويردف: "عدد كبير من المأكولات الشعبية التي يستمتع بها الصغار في أثناء زيارات أقارب وأصدقاء أهاليهم، ومع الزيارة يقدّم المضيف لضيوفه حبات الشوكولاتة مع الملبس و"الراحة" المحشوة بالفستق الحلبي، ويكثر تقديم الأخيرة أيام عيد الأضحى بعد عودة حجاج بيت الله الحرام لكل المهنئين".
الفرحة بما تبقّى من عيد يبدو باهتاً للسوريين على مدار عقد من الزمن، وصل هذا العام حتى إلى بسمات الأطفال المتعطشين لنيل قسط من البهجة، إلا أن واقع الحال "ليس بالإمكان أفضل مما كان"، فما أن انتهى النزاع المسلح في عدد من المدن، حتى أتت كورونا لتطبق على فرحهم، وتقوّضه من جديد، وتحرمهم من متعة طالما انتظروها.