على الرغم مما تشهده المنطقة من تصعيد أمني من البوابة الفلسطينية وما يجري فيها من مواجهات عسكرية تبدو أنها مفتوحة الأفق، خصوصاً أنها تشكل تعبيراً مباشراً وواضحاً عن مواجهة جيوسياسية بين طرفين رئيسين هما إسرائيل وإيران، يبدو أن هذه الأحداث وإن كانت محط اهتمام الدوائر الاستراتيجية الإيرانية، إلا أنها لم تمنع أو تصرف الاهتمام والتركيز على المعركة الداخلية الدائرة بين القوى السياسية حول الانتخابات الرئاسية، وسعي كل معسكر – المحافظ والإصلاحي - إلى الوصول إلى رئاسة السلطة التنفيذية وقيادة إيران في مرحلة التفاوض وقطف الثمار الاقتصادية والسياسية لأي اتفاق أو تفاهم قد يحصل مع الإدارة الأميركية حول الأزمة النووية والعقوبات وما تحمله من إمكانات عودة الانفتاح على المجتمع الدولي وجذب الاستثمارات الخارجية وما فيها من وعود بالتنمية والازدهار.
المرشد الأعلى للنظام الذي يتابع التطورات الإقليمية، وتحديداً الفلسطينية، مع الدوائر المختصة في النظام والمؤسسة العسكرية، لم يصرف انتباهه عن أهمية العملية السياسية الداخلية، وهو أمر طبيعي لقائد ومرشد لهذا النظام، خصوصاً مع احتدام المنافسة بين القوى السياسية من المعسكرين الإصلاحي والمحافظ من جهة، وبين أبناء المعسكر الواحد من جهة أخرى حول السباق الرئاسي وتطلع شخصيات كثيرة ومتنوعة للحصول على التأييد الشعبي والرسمي.
وإذا كان المرشد الأعلى يرغب ويسعى إلى وصول شخصية تنسجم مع توجهاته وتعبر عن سياساته إلى رئاسة الجمهورية من بين الشخصيات الموالية للنظام، إلا أنه لن يتردد في التعاون مع شخصية معارضة إذا ما قدر وجاءت نتائج صناديق الاقتراع لصالحها كما حصل مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي وإلى حد ما مع الرئيس الحالي حسن روحاني. إلا أن الهم الأساسي الذي يشكل محط اهتمام المرشد في هذه المعركة هو ما يظهر من تأكيده المتكرر مع اقتراب موعد الاقتراع في 18 يونيو (حزيران) على ضرورة المشاركة الشعبية الواسعة، ودعوته لكل الأفرقاء والقوى السياسية إلى إعادة بناء الثقة بين الجمهور الإيراني وخطابها، لما تعنيه المشاركة الواسعة من استفتاء على الشرعية الشعبية للنظام وقيادته، والتي تعتبر إحدى الأوراق الأساسية التي تستخدمها هذه القيادة لمواجهة الضغوط الدولية وفي قمع الأصوات المشككة بهذه الشرعية في الداخل والخارج.
معركة التيار المحافظ
في موازاة هذه المشهدية، فإن المعركة الحامية بين أقطاب التيار المحافظ الذي يفترض أن يكون منسجماً مع توصيات وتوجيهات المرشد، كشفت عن وجود مستويين بين هؤلاء. الأول يرى ويعتقد أنه الأكثر أهلية لتولي منصب رئاسة الجمهورية والأقدر على استقطاب التأييد الشعبي الواسع، وآخر يبدو أنه أكثر استجابة لرغبات المرشد وأشد تقديراً لأزمة النظام ولن يتردد في إعلان انسحابه أو عزوفه عن المشاركة لصالح مرشح الإجماع الذي تتفق عليه الدوائر المعنية وتعبر عنه جبهتا المحافظين الانتخابيتان، ائتلاف القوى السائرة على خط الولاية وتحالف قوى الثورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن القول إن المستوى الأول، الذي يتمسك بحقه في الاستمرار بالترشح وخوض السابق الرئاسي وعدم الانسحاب لأي مرشح من خارج الرؤية والتوجه السياسي الذي يمثله داخل النظام، ينقسم إلى فريقين؛ الأول يمثله جنرالات حرس الثورة الذين سارعوا إلى تسجيل أسمائهم والتقدم بطلبات الترشح، كالجنرال حسين دهقان وزير الدفاع السابق الذي بدأ اتصالاته مع شخصيات عرض عليها تولي مناصب وزارية في الحكومة التي سيشكلها، في حين أن تحالفاً ثلاثياً بدأ يتبلور بين كل من الجنرالات محسن رضائي ورستم قاسمي وسعيد محمد على تقاسم السلطة في حال فوز أي منهم بالانتخابات.
أما الفريق الثاني فيمثله الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي تحول إلى أزمة للنظام وقيادته نتيجة الممارسات والمواقف التي يعلنها ويتخذها وما فيها من تعارض واضح مع مواقف وتوجهات المرشد، خصوصاً أن إصراره على الترشح وتقديم أوراقه إلى وزارة الداخلية يشكل تعبيراً واضحاً عن حجم الأزمة التي تربطه بالمرشد والمؤسسات التابعة له، بخاصة مجلس صيانة الدستور الذي سبق أن وجه نصيحة غير مباشرة لأحمدي نجاد بعدم الترشح لأن المجلس سبق أن رفض أهليته في الانتخابات السابقة.
وقد ذهب أحمدي نجاد في تحديه للنظام إلى إعلان مقاطعته للانتخابات في حال رفض صيانة الدستور طلب ترشحه، وشكك في شرعية أو قانونية مثل هذا الإجراء بحقه في حال تم اللجوء إليه، وما لذلك من تأثير على القاعدة الشعبية الواسعة نسبياً المؤيدة له، الأمر الذي أثار زوبعة لدى عديد من المسؤولين في النظام وهاجموه لجهة دعوته إلى مقاطعة الانتخابات، بخاصة أن قاعدته الشعبية تعتبر جزءاً من قاعدة التيار المحافظ.
بانتظار رئيسي
في ظل هذه الأجواء يبدو أن المعسكر المحافظ بانتظار الخطوة الأخيرة من رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي بإعلان ترشحه رسمياً والدخول عملياً في المعركة الانتخابية، ما يساعد في تكثيف جهود هذا المعسكر لتسهيل مهمته واستبعاد الشخصيات المنافسة من السباق، بخاصة تلك التي تتمتع بتأييد لدى الجهات المكلفة إدارة ملف الانتخابات، وتحديداً مرشحي معسكر النظام. وقد بدأت بودار هذه المساعي بالظهور مع تأكيد رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف عزوفه عن المشاركة، في حين أكد سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق، إمكانية انسحابه فقط لصالح رئيسي إذا كان مرشح اجماع للتيار، وأنه سيستمر في السباق خلاف ذلك.
وإذا استطاع المحافظون الدفع برئيسي إلى السباق الرئاسي، فهذا يعني أن مساعي توحيد الجهود والاتفاق على مرشح إجماع قد تساعد على إحياء الآمال بالإمساك بالسلطة التشريعية عبر مرشح يملك قاعدة شعبية تصل إلى 70 في المئة من جمهور المحافظين، وهي نسبة لا بأس بها في سياق تحقيق ما يسعى إليه المرشد من مشاركة شعبية واسعة تضاف إلى النسبة التي قد تشارك من القواعد الشعبية للإصلاحيين، فترتفع النسبة العامة إلى أكثر من تلك التي شاركت في الانتخابات البرلمانية وشكلت إحراجاً للنظام وشرعيته.