ملخص
إذا دفع ترمب من أجل صفقة الأسرى يمكن لنتنياهو أن يذهب إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ويقول "لا يمكننا أن نقول له لا، إنه ليس بايدن، وترمب لديه نفوذ كبير في إسرائيل".
مع تكرار تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب من أن الجحيم سيندلع إذا لم تطلق حركة "حماس" سراح الإسرائيليين المحتجزين لديها قبل الـ20 من يناير (كانون الثاني)، وهو يوم تنصيبه في البيت الأبيض، تبرز أسئلة حول خياراته العملية للتعاطي مع هذا الملف الذي فشلت إدارة الرئيس جو بايدن في حسمه على مدى عام وثلاثة أشهر. فما السيناريوهات الممكنة التي يمكن أن يتبعها ترمب لتحقيق هدفه؟ وكيف ستتعامل معه أطراف الصراع الأخرى؟
تحذير متجدد
خلال مؤتمر صحافي في بالم بيتش بولاية فلوريدا، وعقب اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كرر ترمب تحذيراته بأنه إذا لم يعد الأسرى الإسرائيليون، وبعضهم يحمل الجنسية الأميركية إلى ديارهم بحلول الـ20 من الشهر المقبل، فلن يكون الأمر ممتعاً، مذكراً بما قاله قبل أسابيع بأن الجحيم سيندلع، لكن الرئيس المنتخب لم يقدم أية تفسيرات عن ماذا سيفعل إذا لم تحل القضية، وما الخيارات التي يمكن لإدارته أن تسلكها بعدما بدت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن محبطة عقب محاولتها الأخيرة للتوصل لاتفاق طال انتظاره لوقف إطلاق النار، واعترافها بأنها ليست بالضرورة عازمة على ضمان حدوث ذلك الاتفاق في أثناء وجود الرئيس بايدن في منصبه على مدى الأسابيع الأربعة المقبلة، لأنه لا يهم أي رئيس سيبرم الصفقة في النهاية.
ويعد هذا اعترافاً من الإدارة الحالية بأن أسلوب ترمب القوي واستعداده لاتخاذ قرارات سياسية وعسكرية أكثر تشدداً هو ما يحرك الأمور الآن في الشرق الأوسط، بعدما أصبحت قدرة الرئيس بايدن على التأثير في نتنياهو محدودة مع اقتراب بدء فترة ولاية الرئيس ترمب الثانية بسرعة.
هل ينجح ترمب؟
لكن ما إذا كان ترمب سيكون قادراً على تحقيق هدفه يظل سؤالاً مفتوحاً، فقد تخلى نتنياهو عن أي تظاهر بأنه ينظر إلى اتفاق وقف إطلاق النار كأساس محتمل لتهدئة أطول أمداً. وتشير التطورات على الأرض إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتزم الاحتفاظ بوجود مستمر في غزة في المستقبل المنظور وليس بالشكل الموقت الذي وافقت عليه "حماس" في المبادرة المصرية الأخيرة، بالتالي فإن قدرة إدارة بايدن على التوصل إلى وقف إطلاق النار مستدام في الوقت المتبقي لها في السلطة ستعتمد في نهاية المطاف على مدى استعداد "حماس" للاستسلام عبر كسر خطوطها الحمراء السابقة بما في ذلك ضمان استمرار وقف إطلاق النار إلى ما بعد فترة التوقف الأولية المحددة زمنياً في الاتفاق، وسيطرة إسرائيل على محوري فيلادلفي ونتساريم.
لكن "حماس" تراهن على أنها لن تفرج في المرحلة الأولى من الاتفاق الذي تتشكل ملامحه النهائية عن جميع المحتجزين الإسرائيليين لديها، والذين يقدر عددهم بنحو 100 تعتقد إسرائيل أن نصفهم أحياء، إذ وافقت الحركة على إطلاق سراح المجندات وكبار السن والمرضى وبعض الجثث، بينما يتبقى آخرون للمساومة بهم في المرحلتين التاليتين من الاتفاق إذا لم تتعاط إسرائيل بإيجابية.
نفوذه على إسرائيل
والسؤال هو ما إذا كان ترمب مستعداً لاستخدام نفوذه على إسرائيل بصورة أكثر صلابة مما فعل بايدن؟ وإذا فشل التوصل إلى وقف إطلاق النار قبل انتقال السلطة في البيت الأبيض، فقد يجد الرئيس ترمب نفسه في موقف أقوى من الرئيس بايدن للنجاح، لأنه على عكس الرئيس بايدن، ربما يفهم ترمب أن نتنياهو لا يستطيع هزيمته في الساحة السياسية الأميركية لأن مستوى الدعم الذي يتمتع به من قاعدته الانتخابية يعزله عملياً عن ردود الفعل السياسية السلبية التي يثيرها معظم الساسة الأميركيين عندما يضغطون على إسرائيل.
وهذا من شأنه أن يترجم إلى مزيد من النفوذ على نتنياهو، كما يقول الباحث السياسي وخبير الأمن القومي في مركز "التقدم الأميركي" أندرو ميلر، مما قد يشكل فارقاً في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن ما إذا كان ترمب مستعداً لاستخدام نفوذه على إسرائيل بصورة أكثر قوة مما فعل بايدن لا يبدو ظاهراً حتى الآن، كما أن ولاية حكمه الأولى تشي بما يمكن أن يفعله الرئيس المنتخب بعدما قدم دعماً واسع النطاق لسياسات نتنياهو المتشددة.
وشملت تلك السياسات، الانسحاب من جانب واحد من صفقة البرنامج النووي الإيراني الذي عارضه نتنياهو لفترة طويلة، كما اعترف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، ما عزز مطالبتها بالمدينة المتنازع عليها، واعترف بضم إسرائيل لمرتفعاًت الجولان التي استولت عليها من سوريا في حرب عام 1967، وأعطى الضوء الأخضر لضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، والتي ينظر إليها على أنها عقبة أمام قيام الدولة الفلسطينية، كما ساعد ترمب في تأمين اتفاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية لتطبيع العلاقات التي لم تكن مشروطة بالتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية، وهو انتصار كبير لنتنياهو.
عدم اليقين
غير أن المصدر الأهم لعدم اليقين حيال ما سيفعله ترمب بمجرد توليه السلطة في البيت الأبيض هو الكيفية التي يحدد بها وقف إطلاق النار، فهل يتبنى الإطار القائم على وقف موقت للأعمال القتالية في غزة يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب النهائي لجميع القوات الإسرائيلية، والاتفاق على أن "حماس" ليس لها دور في الحكم، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين المتبقين، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في المنطقة المنكوبة؟ أم أن ترمب يبحث فقط عن شيء يمكنه تقديمه للعالم وللأميركيين باعتباره نهاية للحرب عبر إعلان النجاح فيما فشل به بايدن؟
لكن من الناحية العملية، سيؤدي ذلك إلى خفض شدة الأعمال القتالية، لكنه سيسمح بترك عدد من المحتجزين الإسرائيليين لدى "حماس" يواجهون مصيرهم، ويسمح بإعادة احتلال إسرائيل لغزة، ويديم المجاعة الفلسطينية، ولا يترك بديلاً موثوقاً به لـ"حماس" في غزة، أما إذا اختار ترمب نهجاً حاسماً ونهائياً للحرب في القطاع فقد يسلك عدداً من السيناريوهات التي قد تتشارك معاً لتحقيق غرضها المنشود.
الضغوط الدبلوماسية
ويمكن لترمب استخدام دبلوماسيته الشخصية للتأثير في النتائج، ومن المحتمل أن يكون أسلوبه محورياً للدفع نحو وقف إطلاق النار عبر الاتصال المباشر وعلاقاته السابقة مع زعماء الشرق الأوسط، وبخاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقادة العرب في السعودية وقطر ومصر التي كانت لاعبة رئيسة في اتفاقات وقف إطلاق النار في الماضي، نظراً إلى نفوذ القاهرة على حدود غزة، بل إن ترمب قد يستخدم قنوات غير مباشرة مع "حماس" من خلال وسطاء للتواصل في شأن التهديدات أو العروض، مما قد يؤدي إلى تخفيف موقف الحركة في شأن وقف إطلاق النار.
ولهذا يقول عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ليندسي غراهام الذي يتحدث مع ترمب كثيراً ويقدم له المشورة في شأن السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، إن الرئيس المنتخب يريد انتهاء القتال والتوصل إلى اتفاق لتحرير المحتجزين الإسرائيليين وإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، ويفضل أن يكون ذلك قبل توليه منصبه، مشيراً إلى أن أفضل تأمين ضد "حماس" ليس إعادة احتلال إسرائيل لغزة، ولكن إصلاح المجتمع الفلسطيني، وأن الدول العربية هي الوحيدة القادرة على القيام بذلك، لكن هذا الضغط لا يقتصر على "حماس"، بل يمكن أن ينسحب أيضاً على اليمينيين المتشددين في حكومة نتنياهو بحسب ما تشير مديرة أبحاث السياسات في منتدى السياسة الإسرائيلية شيرا إيفرون، التي تدعم مجموعتها حل الدولتين، إذ إن ترمب ربما شعر بأن صفقة المحتجزين الإسرائيليين معلقة وأن تصريحاته الساخنة والمتفجرة يمكن أن تحرك المفاوضات ويحصل على الفضل عندما يحدث ذلك، وأن تصريحه هذا قد يكون وسيلة للضغط على العناصر اليمينية المتطرفة في حكومة نتنياهو، الذين قاوموا أي نهاية للحرب في غزة، ويأملون في إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في القطاع، بخاصة أن بيان ترمب صدر بعد اجتماعه مع أقرب وزراء نتنياهو وهو رون ديرمر.
وإذا دفع ترمب من أجل صفقة الأسرى، يمكن لنتنياهو أن يذهب إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ويقول، "لا يمكننا أن نقول له لا، إنه ليس بايدن، وترمب لديه نفوذ كبير في إسرائيل"، كما أن ترمب ربما يشجع على إجراء انتخابات إسرائيلية أو يؤثر في الديناميكيات السياسية الإسرائيلية، مما قد يؤدي إلى انتخابات على أمل أن تكون الحكومة الجديدة أكثر ميلاً نحو السلام.
وإذا لم تسفر جهود ترمب عن نتيجة سريعة، ربما يعيد تقييم أو تفكيك أطر السلام القائمة مثل اتفاقات "أوسلو"، مع التركيز بدلاً من ذلك على استراتيجيات أو شروط جديدة للسلام تتوافق بصورة أوثق مع رؤيته لسياسة الشرق الأوسط، ومن المحتمل في هذا الحالة أن ينسحب من محادثات السلام أو يهمشها إذا شعر أنها لا تخدم المصالح الأميركية، ويركز بدلاً من ذلك على الأمن أو الإجراءات الأحادية الجانب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التهديد بعمل عسكري
واستخدم ترمب التهديد بالعمل العسكري من قبل كأداة دبلوماسية، وقد يحذر علناً أو سراً من التدخل العسكري الأميركي إذا تصاعد الموقف، على رغم أن العمل العسكري الأميركي المباشر في غزة يبدو غير محتمل إلى حد كبير من الناحية العملية، لأن مفهوم عودة الأميركيين من الخدمة في الشرق الأوسط في أكياس الجثث، لم يعد مقبولاً بين الأميركيين، وليس فقط بالنسبة لترمب الذي لديه نفور شخصي من الحرب حتى حينما هدد بالنار والغضب، كما فعل ضد كوريا الشمالية عام 2017، لم يمض وقت طويل حتى رأيناه يجتمع مع زعيم كوريا الشمالية في سنغافورة، لكن ترمب قد يستعيض عن ذلك بوسيلة أخرى وهي زيادة الدعم العسكري لإسرائيل، مما قد يمنح حكومة نتنياهو مزيداً من الحرية في عملياتها، بخاصة أن له موقفاً سابقاً بضرورة السماح لإسرائيل "بإنهاء المهمة" في غزة، وهو ما قد يعني ضغطاً أقل على إسرائيل لضبط النفس مقارنة بنهج إدارة بايدن، وربما يتضمن ذلك رفع القيود المفروضة على بعض عمليات نقل الأسلحة أو غيرها من المساعدات العسكرية، وقد يسرع أو يوافق على مساعدات عسكرية إضافية، مما قد يمكن إسرائيل من مواصلة أو تصعيد عملياتها في غزة ويؤثر في الديناميكيات على الأرض.
إضافة إلى ذلك يمكن لترمب أن يزيد من تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل لضمان استهداف أكثر دقة لقيادات وعناصر "حماس"، مما قد يؤدي إلى نتائج عسكرية أسرع يمكن أن تسهل وقف إطلاق النار، وربما يشمل ذلك استخدام العمليات الاستخباراتية لتعطيل القدرات العسكرية لـ"حماس"، واستخدام الحرب النفسية لإضعافها أو التأثير في الرأي العام داخل غزة نحو السلام بهدف فرض وقف إطلاق النار وإضعاف المعارضين للاتفاق.
وعلى رغم أن ذلك قد يؤدي إلى مكاسب عسكرية أسرع لإسرائيل، والضغط على "حماس" للدخول في مفاوضات، فإنه من المرجح أيضاً أن يسفر عن ارتفاع عدد الضحايا، ما يؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني في غزة، ويزيد من حالة الاحتقان الدولي ضد إسرائيل وإدارة ترمب.
معاقبة حلفاء "حماس"
وربما كان تعبير "الجحيم" الذي يهدد به ترمب يشير إلى تكتيكات غير عسكرية يمكن تطبيقها على الدول التي تدعم وتساند "حماس" كما يقول نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جوناثان شانزر وهي مؤسسة بحثية مؤيدة لإسرائيل في واشنطن، إذ يقول شانزر إن الولايات المتحدة لم تفرض عقوبات على الأتراك الذين يعتقد أنهم يؤوون ويمولون "حماس"، ولم تضغط بصورة كاملة على قطر، التي مولت مساعداتها الإنسانية نظام الحركة، حتى وقت قريب وتعهدت، الشهر الماضي فحسب، بطرد قادة الحركة من أراضيها، على رغم أنه لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك قد حدث.
ولهذا فإن الضغط على داعمي الحركة عبر التهديد بسحب الوجود العسكري الأميركي في كلا البلدين ربما يكون أحد الخيارات المطروحة التي يمكن أن يستخدمها ترمب على رغم أن هذا قد يكون صعباً بسبب العلاقات المعقدة التي تربط الولايات المتحدة بالدولتين، وبخاصة تركيا التي تشكل تحدياً أكبر بكثير، بالنظر إلى عضويتها في حلف "الناتو" وعلاقتها المتأرجحة مع روسيا وموقعها الاستراتيجي، ومع ذلك هناك رسائل يمكن تمريرها إلى القيادة التركية لفهم الدور الذي يتعين عليها أن تلعبه بما في ذلك تسليم قيادات "حماس" إلى الولايات المتحدة، وفقاً لما يقول ريتشارد غولدبرغ، عضو مجلس الأمن القومي السابق خلال ولاية ترمب الأولى والذي يرى أنه ينبغي للولايات المتحدة أن توضح لجميع الدول أنها تدعم الجهود الإسرائيلية لقتل أو أسر مسؤولي "حماس" أينما كانوا.
ويتناقض هذا مع قلق إدارة بايدن إزاء اغتيال إسرائيل في يوليو (تموز) الماضي إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لـ"حماس"، في طهران، إذ كان مسؤولو بايدن يخشون أن يؤدي القتل على الأراضي الإيرانية إلى دفع طهران إلى تصعيد صراعها مع إسرائيل، وهو ما ثبت أنه صحيح، لكن إذا قرر ترمب الضغط على الدول التي تؤوي قيادة الحركة، فليس من الواضح أن الجماعة ستغير مسارها وتطلق سراح المحتجزين الإسرائيليين.
وربما يكون تهديد ترمب جزءاً من خدعة مشتركة مع إدارة بايدن لدفع "حماس" نحو التوصل إلى اتفاق بحسب ما يشير كبير الباحثين في معهد "واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى ديفيد ماكوفسكي، ففي هذا السيناريو، تظهر علامات العمل معاً إذ يلعب ترمب دور الشرطي السيئ، بينما يلعب بايدن دور الشرطي الجيد.
ويمكن لترمب أيضاً بالتوازي مع الضغوط الدبلوماسية استخدام التدابير الاقتصادية للتأثير في الوضع، إذ إن إدارته السابقة ركزت على الصفقات الاقتصادية واتفاقات التطبيع مثل "اتفاقات أبراهام"، وقد يسعى إلى توسيع هذه أو استخدام استراتيجيات مماثلة لعزل "حماس" وداعميها أو الضغط على الأطراف المشاركة في الصراع، فقد يهدد أو يفرض عقوبات على الكيانات التي تدعم الحركة، أو يستخدم الحوافز الاقتصادية للدول في المنطقة للضغط على الجماعة لوقف إطلاق النار وصفقة المحتجزين الإسرائيليين، كما قد تستفيد إدارته من العلاقات الاقتصادية القائمة، ومع ذلك ربما يميل نهجه أيضاً نحو الإجراءات الأحادية الجانب بدلاً من الجهود الدبلوماسية المتعددة الأطراف.