بعد أقل من ثلاث سنوات من إنفاق شركة الاتصالات العملاقة "أي تي أند تي" (AT&T)، أكثر من 85 مليار دولار أميركي، في مواجهة تحدٍ حكومي، لشراء "تايم وورنر"، إحدى أكبر الشركات العملاقة في مجال الإعلام، قررت شركة الهاتف الأميركية الشهيرة اعتماد استراتيجية مختلفة تماماً. فبحسب شخصيات مطلعة على الصفقة تجري شركة "AT&T" محادثات متقدمة لإنشاء شركة جديدة من شأنها دمج أعمالها الإعلامية، بما في ذلك شبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية، مع شركة "ديسكفري إنك". وقال أحد المطلعين على مجريات الصفقة، طلب عدم كشف هويته، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن الخطة ستدرج جميع أصول "وورنر ميديا" التابعة لشركة "AT&T"، والتي تشمل "أتش بي أو" و"وورنر بروس". وأضاف المصدر ذاته أن الطرفين قد يعلنان عن اتفاقية الاندماج، الاثنين 17 مايو (أيار) الحالي، مشيراً إلى أن "المحادثات لم تكتمل بعد والتفاصيل النهائية قيد الإعداد". وستنشئ الصفقة عملاقاً جديداً يتجاوز "نتفليكس" و"أن بي سي يونيفيرسال". وكانت "وارنر ميديا" و"ديسكفري" قد حققتا معاً أكثر من 41 مليار دولار من المبيعات العام الماضي، مع أرباح تشغيلية تجاوز 10 مليارات دولار، وبإمكان الكيان المندمج أن يتجاوز "نتفليكس" و"أن بي سي يونيفيرسال" و"والت ديزني". وبحسب المراقبين فقد يقود الاندماج إلى خلق مزيد من المنافسة، وقد يدفع بالشركات الإعلامية إلى توسيع حجمها، ما سيقود إلى جولة أخرى من صفقات الاندماج الإعلامية.
وفي حال اتفقت "AT&T" و"ديسكفري" على الصفقة، فستنضمان معاً إلى اثنتين من أكبر شركات الإعلام في البلاد. وتضم مجموعة "وورنر ميديا" التابعة لشركة "AT&T"، شبكتي الكابل "تي أن تي" و"تي بي أس" لبث الرياضة. ولدى "ديسكفري" أيضاً مجموعة قوية من قنوات الكابل القائمة على برامج الواقع، بما في ذلك قناة أوبرا وينفري "أو دبليو أن"، و"أتش جي تي في"، و"فوود نيتوورك"، و"أنيمال بلانيت".
ويدير "وورنر ميديا" جايسون كيلار (50 عاماً)، وهو أحد رواد البث المباشر وأول رئيس تنفيذي لشركة "هولو". أما ديفيد زاسلاف (60 عاماً) فكان رئيساً لشركة "ديسكفري" لـ14 عاماً، وساعدها على النمو لتصبح عملاقاً حقيقياً. وبحسب "نيويورك تايمز" ليس واضحاً من سيقود العملاق الإعلامي الجديد.
ورفضت كل من "AT&T" و"ديسكفري" التعليق على الصفقة المحتملة، والتي كان كشف عنها لأول مرة من قبل وكالة "بلومبيرغ نيوز". واستثمرت كل من "AT&T" و"ديسكفري" بشكل كبير في البث لمنافسة "نتفليكس" و"ديزني". وسخرت "AT&T" المليارات لإنشاء "أتش بي أو ماكس"، وهي منصة بث تضم الآن نحو 20 مليون عميل. ولدى "ديسكفري" 15 مليون مشترك في البث المباشر حول العالم، معظمهم عبر تطبيق "ديسكفري بلس".
وسيكون الاندماج أيضاً تحولاً مهماً لـ"AT&T"، وهي شركة اتصالات عملاقة تشتهر بخدمة خطوط الألياف والأبراج الخلوية بدلاً من إنتاج الترفيه ومغازلة هوليوود. في وقت شكك فيه متخصصو الصناعة في شراء "AT&T" الجريء لـ"تايم وورنر"، وتحدثوا عن "استراتيجية اكتساب فاشلة".
ديون "AT&T" طويلة الأجل تجاوزت 159 مليار دولار
وقال بريان ويزر، محلل "وول ستريت"، إنه "منذ فترة طويلة لم تكن "AT&T" تعرف ما الذي كانوا يشترونه، ربما كانت الاستراتيجية التي قامت عليها عملية الاستحواذ معيبة". وأضاف ويزر، إن "AT&T" تستحق التقدير لتقليص عمليات وورنر ميديا ووضع الأموال في "أتش بي" أو ماكس (اشتراك أميركي عند الطلب مملوك لشركة "AT&T") بعد فترة وجيزة من إتمام الصفقة في عام 2018. وعملت الشركة بسرعة على دمج الأقسام المختلفة لعملاق الإعلام، وفصل في النهاية نحو 2000 موظف". وتابع ويزر، "كانوا يعيدون تنظيم العمل بشكل حقيقي لمنحه الوضوح ليكون قادراً على التنافس مع "نتفليكس".
في الوقت ذاته، لم تعد ""AT&T في وضع أفضل لمواصلة الاستثمار في أعمالها الإعلامية، كما قال ويزر. وتعد شركة الاتصالات اللاسلكية العملاقة، واحدة من أكثر الشركات المثقلة بالديون، حيث تجاوزت ديونها طويلة الأجل 159 مليار دولار. ويشمل ذلك 23 مليار دولار وافقت على إنفاقها في فبراير (شباط) لترخيص موجات هوائية إضافية لتقنية الجيل الخامس الخاصة بها.
في المقابل، تخلت "فيرايزون"، وهي شركة منافسة للهواتف المحمولة، عن أصولها الإعلامية، حيث كان عليها أيضاً الاستثمار في تقنية الجيل الخامس. وباعت "فيرايزون" كل من "ياهو" و"أي أو إل" (بوابة ويب أميركية ومزود خدمة عبر الإنترنت يقع مقرها في مدينة نيويورك، وهي علامة تجارية تم تسويقها بواسطة فيرايسون ميديا)، بعد وقت قصير من بيع "هافينغتون بوست" إلى "بيز فيد إنك" (شركة إعلام وأخبار وترفيه أميركية على الإنترنت تركز على المجال الرقمي).
ونظر جون ستانكي، الرئيس التنفيذي لشركة "AT&T"، إلى أعمالها الإعلامية كطريقة لإبقاء عملائها عبر الهاتف ملتصقين بخدماتها الخلوية. ويحصل مشتركو "AT&T Wireless" على خصومات ووصول مجاني إلى "أتش بي أو ماكس". ويمكن أن تتضمن الصفقة مع "ديسكفري" شروطاً من شأنها الحفاظ على هذه الفوائد.
وقبل أن يتولى منصب الرئيس التنفيذي العام الماضي، كان ستانكي معروفاً بصفته كبير محللي الاندماج في الشركة، لكن سجله كان متقطعاً. بالإضافة إلى التخطيط لشراء "AT&T" لشركة "تايم"، فقد كان وراء استحواذ الشركة على مشغل الأقمار الصناعية "دايركت تي في" بقيمة 48 مليار دولار في عام 2015. وكانت الخدمة تتسبب في نزيف العملاء لسنوات، وفي فبراير (شباط) الماضي، باعت ""AT&T جزءاً من أعمالها لشركة الأسهم الخاصة "تي بي جي" مقابل نحو 16 مليار دولار، وهو ثلث ما دفعته بالأصل.
حرب الإعلام والنجوم
يشير مزيج من شركة "وورنر ميديا" إلى أن ديفيد زاسلاف، المدير والرئيس التنفيذي لشركة "ديسكفري كوميونيكيشنز"، ربما يكون غير رأيه أخيراً في شأن الاستحواذ على شبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية، ففي مقابلة في فبراير (شباط) مع بن سميث، كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز"، قال زاسلاف إن "شبكة سي أن أن" لن تتناسب بالضرورة مع "ديسكفري". وصرح في الوقت ذاته بأن "الأخبار مبالغ فيها هنا في الولايات المتحدة". ولا يزال ديفيد زاسلاف أحد المديرين التنفيذيين الأعلى أجراً في البلاد. وتجاوز متوسط أجره السنوي في السنوات الثلاث الماضية، 70 مليون دولار.
في المقابل، هناك جون مالون، رائد الكابلات وأحد أشرس المنافسين في مجال وسائل الإعلام، الذي شبهه آل غور نائب رئيس الولايات المتحدة الـخامس والأربعين في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون سابقاً بـ"دارك فيدر" (شخصية خيالية في عالم حرب النجوم)، ويعد أحد أكبر المستثمرين في "ديسكفري" وسيكون الاندماج مع "AT&T" بمثابة "عودة إلى المنزل" من نوع ما بالنسبة له. وبدأ مالون حياته المهنية في قسم مختبرات "بيل لابس" في ""AT&T قبل أن يصبح أحد أكبر رواد مشاريع الكابلات في البلاد. يمكن أيضاً أن تفيد الصفقة أيضاً "أدفانس ببليكيشن"، المالكة للشركة الإعلامية "كوندي ناست"، بصفتها أكبر مساهم في "ديسكفري".
نوع جديد من وسائل الإعلام العملاقة
وستنشئ الشركة الجديدة نوعاً جديداً من وسائل الإعلام العملاقة، التي لا تزال تعيش من الأرباح الضخمة لكابلات المدرسة القديمة، بينما تنفق هذه الأرباح (وأكثر) على البث.
وحتى مع زيادة المنافسة، لا تزال "أتش بي أو" (وهي شبكة تلفزيونية أميركية مدفوعة مملوكة لشركة "وورنر ميديا ستوديوز أند نيتوركس") تحتل مكانة بارزة في التلفزيون. وفي العام الماضي، نالت مجدداً جوائز "إيميز" أكثر من أي شبكة أو استوديو أو منصة أخرى، بما في ذلك "نتفليكس". كما لديها عروض ناجحة عدة، بما في ذلك "الخلافة" و"كبح حماسك" و"باري" و"الأسبوع الماضي الليلة مع جون أوليفر". كما أن لديها مكتبة ضخمة تضم "ذا سوبرانوز" و"صراع العروش" وغيرها من المسلسلات الشهيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالنسبة إلى "ديسكفري"، يمكن للصفقة أن تمنح زاسلاف أخيراً الحجم والنطاق الذي سعى إليه منذ فترة طويلة. ويمثل زاسلاف، وهو تنفيذي يوصف في الصحافة بـ"المتعجرف" والقادر على تذكر أرقام تصنيفات المسلسلات والأفلام بسرعة عجيبة دون حاجة للأوراق، "آخر الحرس القديم" في وسائل الإعلام كما يصفه الكثيرون، وهو قطب يتأرجح ويعرف باستضافته اللقاءات الفخمة في منزله في هامبتونز.
اضطراب "وورنر بروس"
في السياق، امتد الاضطراب إلى "وورنر بروس"، استوديو الأفلام والتلفزيون الذي يبلغ عمره قرناً تقريباً. وسيتعين على كبار المسؤولين في وارنر الذين فوجئوا بأخبار يوم الأحد (16 مايو) في شأن الاندماج المرتقب، أن يتحملوا عملية تغيير قيادية أخرى مزعزعة للاستقرار في الشركة، خاصة أنهم بدأوا للتو في التعود على واحدة وضعتها ""AT&T.
هناك أيضاً سؤال حول مقدار الإنتاج الذي ستواصل شركة "وورنر بروس" توفيره للشبكات الخارجية وما إذا كانت استراتيجية إطلاق الأفلام الخاصة بها ستتغير مرة أخرى. منذ يناير (كانون الثاني)، أطلقت "AT&T" كل أفلام "وورنر بروس"، في وقت واحد على "أتش بي أو ماكس" وفي المسارح، مع خطط للعودة إلى طراز أكثر تقليدية، أولاً في دور العرض للحصول على عرض حصري متبوع بتوفير أكبر أفلامها على "أتش بي أو ماكس" في عام 2022.
واشتهرت "ديسكفري" منذ فترة طويلة بمجموعتها من الأسعار غير المسجلة من شبكات الكابلات الخاصة بها مثل "أتش جي تي في" و"فوود نيتوورك" و"تي أل سي" و"آي دي" و"أنيمال بلانت" وغيرها، وقدمت الشركة خدمة بث جديدة في يناير (كانون الأول) 2021، مبنيةً على ظهور عروض الطهي وعروض الطبيعة وعروض تحسين المنزل.
ولكن ربما تكون أكبر ميزة لـ"ديسكفري"، وهي بصمتها الهائلة في مجال الرياضة على المستوى الدولي فهي مالك "يوروسبورت"، ومن شأن الجمع مع "تيرنر" أن يمنحها أيضاً مساحة للتشغيل محلياً. وتمتلك "تيرنر" حقوقاً مع بطولات البيسبول الكبرى والرابطة الوطنية لكرة السلة (أن بي أي)، ودوري الهوكي الوطني (أن أتش أل) وغيرها من حقوق البث للرياضات الشهيرة.
وستمنح شبكة "سي أن أن" الإخبارية أيضاً، "ديسكفري" موطئ قدم في الأخبار، وخاصة أن زاسلاف ورئيس "سي أن أن" جيف زوكر، يمارسان رياضة الغولف معاً منذ فترة طويلة.