تعرف الجمهوران اللبناني والعربي أكثر على الفنان فادي أبي سمرا من خلاله إطلالته المتكررة في السنوات الأخيرة، في الدراما التلفزيونية، وفي الفترة الأخيرة عبر دراما المنصات، مع أنه من أبرز الوجوه الفنية في لبنان في السينما والمسرح وله بصمته الخاصة فيهما.
إلى كونه ممثلاً، أبي سمرا مخرج وكاتب، يحمل شهادة ماجستير في الفنون المسرحية من الجامعة اللبنانية. شارك في أفلام مهمة من بينها "بيروت الغربية" و"باب الشمس" و"طالع نازل" وغيرها، كما في عدد من الأعمال المسرحية كـ"جنينة الصنايع" و"في انتظار دوغو" و"أباجور". لكن الظروف الصعبة التي يعيشها المسرح والسينما دفعته نحو التلفزيون. ومع أنه غير نادم على وجوده على الشاشة الصغيرة وسعيد بالجماهيرية التي منحته إياها، لكن عشقه للمسرح والسينما ثابت، حتى أنه يراهن على نجوميته التلفزيونية، التي يرى أنها سترافقه كما جمهورها، إلى هذين القطاعين عندما يستعيدان عافيتهما.
نجوم العالم والتلفزيون والمنصات
في الموسم الرمضاني الفائت كان حضوره لافتاً جداً في "للموت و"عشرين عشرين"، فهو من الجيل الفني الذي يمنح بوجوده في الدراما قيمتها ويرفع من مستواها، وقريباً سوف يطل من خلال "صالون زهرة" للمخرج جو بو عيد و"باب الجحيم" للمخرج أمين درة، وهما عملان يصوران حالياً لمصلحة إحدى المنصات، كما أنه صور في تونس فيلم "شرف" الذي لا يزال في الأدراج بسبب توقف العروض السينمائية نتيجة أزمة "كورونا".
أبي سمرا الذي طالما راهن على السينما والمسرح وخطط لمستقبله الفني من خلال الوجود فيهما، هل يعتبر أن أحلامه تبددت في ظل تراجع هذين القطاعين لمصلحة التلفزيون الذي هجره سنوات طويلة، نتيجة الظروف الضاغطة التي يمران بها، يقول: "شغفي الأول والأخير وملعبي ومكاني هما المسرح والسينما، وثمة ظروف عدة لها علاقة بأوضاع المسرح وظروف السينما انعكست سلباً عليهما. وكممثل يعمل في المهنة، فإنني أحتاج إلى مكان أخرج فيه طاقتي وأعبر من خلاله عن نفسي. أهم النجوم في العالم انتقلوا إلى المنصات وتوجهوا نحو المسلسلات، وأنا أشعر بالفرح بمجيئي إلى التلفزيون لأنه تزامن مع ارتفاع مستوى الدراما، كتابة وإخراجاً وإنتاجاً من ناحية ومن ناحية أخرى، لأن هناك اهتماماً بالمسلسلات التي أصبحت تعالج مواضيع تهمنا وتلامس وجعنا، وجعلتنا نتخلص إلى حد ما، من دراما القصور والفيلات، كما أنني سعيد لأنني تمكنت من خلال الدراما أن أترك أثراً من شغفي، لا أعرف مقداره، لهذه المهنة".
هل يقصد أبي سمرا أنه يفصل بين كونه فناناً على المسرح وفي السينما وكونه ممثلاً يمارس مهنة في التلفزيون؟ يجيب: "أنا لم أفصل إلى هذا الحد، ولكنني كفنان لديه أحلامه وتطلعاته وأشياؤه الخاصة أحب أن أوجد في مجالات تلتقي مع مبادئي وشغفي. لذا قلت إن التغييرات التي حصلت في الدراما فتحت لي الأبواب وأنا دخلتها. قبل 4 سنوات، عندما شاركت في أول عمل لي، فكرت بيني وبيني نفسي، وتساءلت هل أنا فعلت ذلك من أجل مزاولة مهنة! فأنا لا أريد وظيفة لأن الفن ليس كذلك بالنسبة لي، ولكنني وجدت أن الدراما صارت تقترب أكثر وأكثر من أفكاري وتتناول مواضيع تشبهنا، ولم أعد أشعر أن العمل فيها وظيفة، بل هو جزء من شغفي ورسالتي الفنية، عدا أنني لا يمكنني أن أعمل من دون حب، والأعمال التي تواجدت فيها، يوجد فيها ما يتقاطع مع قناعاتي ورغباتي".
أعمال مضمونة
وعن السبب الذي يجعل المنتجين يخافون من التعامل مع الوجوه الجديدة ويكررون الوجوه نفسها في أعمالهم، يعتبر أبي سمرا أنه يحق للمنتج أن يسوق عمله، من خلال إسناد أدوار البطولة إلى بعض الوجوه المعروفة. وأوضح: "إذا طلب المنتج من أصحاب المحطات إعطاء فرصة للوجوه الجديدة، ترفض طلبه لأنها تريد أعمالاً مضمونة". وعما إذا كان كممثل يقبل بهذه الطريقة في التسويق، أجاب: "كلا، لا أقبل. لو كنت مكانهم لكنت تصرفت بطريقة مختلفة، ولكنني من ناحية أخرى، انا أتفهّمهم وأتفهم استراتجيتهم التسويقية، لناحية الاستعانة بالنجوم في الأدوار الأولى، وبممثلين مساندين للأدوار المهمة. فهؤلاء سيبرزون وسيفرضون أنفسهم عند عرض العمل، وسيتمكنون من لعب الأدوار الأساسية في الأعمال المقبلة، ولكن في الوقت نفسه لا شيء يمنع من فتح أبواب الدراما لطاقات ووجوه جديدة، لأن الناس يحبون التعرف على قدرات أخرى لا يعرفونها، وأنا تحدثت مع المنتجين جمال سنان وصادق الصباح وهما منفتحان جداً على هذا الموضوع، سواء من خلال التعامل مع خريجي معاهد الفنون أو أشخاص يملكون الموهبة".
ولا ينكر أبي سمرا أن التلفزيون أسهم في صناعة نجوميته، ويضيف: "جمهور السينما والمسرح محدود، على عكس التلفزيون الذي يدخل كل البيوت، لذا من الطبيعي أن يتغير المقياس. وأنا سعيد جداً لأن جمهور التلفزيون سوف يلحقني إلى المسرح، وهذه الناحية مفيدة لنا كأبناء مسرح. لا أنكر أنني أحببت النجومية ومن يقل إنه لا يحبها يكن كاذباً، ويهمني أن يتعرف أكبر ممكن من الناس على موهبتي وعلى ما أقدمه".
وهل يشعر بالندم لأنه تأخر على التلفزيون؟ يجيب: " كلا. أنا عدت إلى الدراما وهي "تجوهِر". في الماضي كنت أرفضها لأنني كنت أقرأ نصوصاً لا تشبه الناس. كانت العائلات الفقيرة تسكن في منازل حيطانها مغطاة بورق الجدران، أثاثها "ستيل" وثرياتها نحاسية ضخمة، وكان هناك غربة بينها وبين الناس، ولكن عندما دخلت الكاميرا إلى داخل الأحياء وتجولت بين الناس وأضاءت على القصص الحقيقية، صاروا يشعرون وكأن التصوير تم في بيوتهم".
"باب الجحيم"
أبي سمرا الذي باشر في تصوير مسلسل "باب الجحيم" للمخرج أمين درة الذي فاز أحد أعماله بجائزة عالمية، هل يرى أن صناع الدراما العرب يملكون ما يكفي من القدرة والرؤية الإخراجية التي تمكنهم من تقديم عمل خيالي- تشويقي تدور أحداثه في عام 2052؟ يجيب: "أمين درة مخرج سينمائي مهم، ومن أبرز أعماله فيلم "غدي" لـ جورج خباز. هو شاب طموح ويملك رؤية إخراجية جيدة، كما أن سيناريو قصة "باب الجحيم" مميز. أنا متابع جيد لتجربة المخرج أمين درة وشاهدت كل أفلامه القصيرة وفيلمه "شنكبوت" حاز جائزة عالمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، كيف يتوقع أن تكون العودة إلى السينما والمسرح، وهل يوافق على ما قالته زميلته الممثلة كارول عبود بأن المنصات أصبحت دور عرض، وأن المسرح سيستمر "أونلاين" حتى بعد انتهاء أمة كورونا، يجيب: "هذا صحيح، ففي الظروف التي نعيشها حالياً، أخذت المنصات كثيراً من دور السينما حتى عالمياً، خصوصاً وأنها أصبحت في البيوت وبمتناول كل الناس، ولكن الظروف التي نعيشها لن تستمر بل هي ستمر، وسوف تعود عجلة الحياة إلى ما كانت عليه قبل أزمة كورونا، وكل قطاع سوف يستعيد مكانه. لكن في لبنان، نحن لا نعرف كيف يمكن أن نسعر البطاقات وكيف نتعامل مع الواقع الاقتصادي الصعب. المسرح أبو الفنون وهو لا يموت أبداً".
وعن إمكانية مزاولته مهنة الإخراج في التلفزيون، أشار: "معظم تجاربي الإخراجية كانت في المسرح، أما في التلفزيون فكانت لي تجربة بسيطة ولكن "مزاجية". مثلاً، أنا كتبت مسلسل "الساعة عشرة إلا ربع" وسيناريوهات أفلام قصيرة ترتبط بمناسبات خاصة. في السينما والتلفزيون لم أقترب من الإخراج بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأفضل أن يكون لكل مجال أربابه".