قد تكون مهمة مجلس صيانة الدستور الذي يعتبر أحد أهم مراكز القرار في السلطة الإيرانية، صعبة في الأيام القليلة المقبلة لجهة اختيار من سينتقل إلى المرحلة الثانية على طريق السباق الرئاسي بعد التصفية الأولية للأسماء المرشحة التي تدخل في دائرة الدراسة العملية لأهلية الترشح من عدمها.
فبعد إعلان المتحدث باسم صيانة الدستور عباس كدخدائي أن الملفات التي سيدرسها المجلس للمرشحين الذين تقدموا إلى لجنة الانتخابات في وزارة الداخلية لا تتعدى 40 ملفاً أو اسماً من أصل 592 مرشحاً، سيكون هناك 12 عضواً يملكون حق منح البطاقة الخضراء أو الحمراء، لأي مرشح بدخول السباق والاستمرار في المنافسة، إذ لا وجود لصفراء في آليات قراراتهم، لأنها تعتبر من صلاحيات المرشد الأعلى بصفته ولياً للفقيه ويحق له تعليق فعالية أي بطاقة خضراء أو حمراء قد يعطونها لأي مرشح بناء على تشخيصه للمصلحة العامة للنظام، وسبق له أن فعل ذلك في دورات انتخابية سابقة خصوصاً عام 2005 عندما أبطل قرار صيانة الدستور برفض أهلية مرشح الإصلاحيين مصطفى معين وأعاده إلى السباق الرئاسي قبل يومين فقط من بدء عملية الاقتراع.
من بين الـ40 اسماً التي ستتولى لجنة دراسة الأهلية في صيانة الدستور تحديد مصيرها ومستقبلها السياسي، من المرجح أن يعبر نحو 15 اسماً هذه المصفاة، وأن تنجو من مقصلة الاستبعاد والإخراج من السباق الانتخابي، وهو عدد ليس بقليل، وقد يكون غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية منذ عام 1979 حتى الآن، الأمر الذي قد يعقد مهمة القوى السياسية التي ينتمي لها هؤلاء المرشحون، لأن الجهود ستنصب في الأيام العشرين السابقة ليوم الثامن عشر من يونيو (حزيران) المقبل موعد الاقتراع، أي بعد انتهاء مهمة مجلس صيانة الدستور التي حدد سقفها بخمسة أيام مع حق التمديد لخمسة أخرى لحسم قراراتها تجاه قبول أو رفض أي مرشح.
التعقيد الذي ستواجهه القوى السياسية في التعامل مع كثرة المرشحين، قد يكون أكثر تعقيداً داخل التيار المحافظ الذي يعاني من تخمة المرشحين الذين يرون أنفسهم الأحق في الحصول على تأييد ودعم هذا التيار والوصول إلى رئاسة السلطة التنفيذية، بخاصة وأن الأكثرية أعلنت ترشحها بشكل مستقل وغير منتم إلى أي من التيارات السياسية، من دون استثناء مرشح المحافظين الأبرز إبراهيم رئيسي من هذا الموقف، في حين أن الجنرال حسين دهقان وزير الدفاع السابق يؤكد أنه لا يمثل أي تيار سياسي ومن غير الوارد في قاموسه الانسحاب لصالح أي مرشح آخر، ما وضع قيادات هذا التيار المحافظ أمام مأزق التعامل مع مروحة واسعة من الأسماء المتمسكة بموقفها وصعوبة إقناعها بالانسحاب لصالح مرشح إجماع، أو حصر التنافس بين شخصيتين أساسيتين قادرتين على تحقيق النتيجة المرجوة بالفوز برئاسة الجمهورية. بخاصة وأن تعدد المرشحين قد يؤدي إلى تشتت أصوات القاعدة الشعبية، وبالتالي إضعاف المرشح الأقوى بينهم.
التيار الإصلاحي يبدو أنه بات مقتنعاً بالقدرات المحدودة التي يمتلكها في التنافس في هذه المعركة، والجهود التي يبذلها تقارب حدود السعي للحافظ على استمراريته في هذه المرحلة، والانحناء أمام الهجمة الشرسة التي يقودها التيار المحافظ لإخراجه من الحياة السياسية، لذلك فإن رهانه ينحصر على إمكانية الدخول في هذا السباق بمرشحين أو ثلاثة، في مقدمتهم إسحاق جهانغيري النائب الأول لروحاني ومحسن هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس محافظة العاصمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا ما كان الرهان الإصلاحي على استقطاب جزء من الأصوات الرمادية، إلى جانب جزء من الأصوات الإصلاحية لكون هذه القاعدة باتت أكثر تردداً حول جدوى المشاركة وإمكانية إحداث فارق في النتائج أو آليات الإدارة والحكم، إلا أن هذه المهمة لا تبدو سهلة، لأن التنافس على هذه الشريحة الرمادية سيكون على أشده مع علي لاريجاني المرشح الآتي من خارج سياقات كلا التيارين وحاملاً لواء الاعتدال، لتداخل نفوذ الطرفين (الإصلاحيين ولاريجاني) لدى الشريحة الرمادية، إضافة إلى كونه قادراً على استقطاب شريحة لا بأس بها من الأصوات المحافظة، الأمر الذي قد يعطيه تفوقاً أمام جهانغيري إذا ما تم التوافق عليه كمرشح إجماع للإصلاحيين.
وما قد يرجح كفة لاريجاني لدى بعض الأحزاب والقوى الإصلاحية، إمكانية خسارتهم لمرشح قوي وقادر على المنافسة نتيجة قرارات صيانة الدستور، ما قد يدفعها للذهاب إلى خيار تبني لاريجاني في ظل تمسكها بعدم مقاطعة الانتخابات وما يعنيه ذلك من مواجهة مفتوحة لاحقاً مع النظام القادر على وضع نهاية لحياتها السياسية وتصنيفها في خانة الأعداء.
أمام هذه المعطيات المعقدة والمتداخلة، من المرجح ألا يشهد يوم الانتخابات المقرر في 18 يونيو (حزيران) حسماً للنتائج، ما يعني إمكانية الانتقال إلى مرحلة ثانية قد تجري بعد سبعة أيام في 25 يونيو (حزيران) المقبل، والتي ترتفع فيها التقديرات بأن تكون بين قطبين أحدهما رئيسي كممثل للتيار المحافظ، والثاني لاريجاني الذي لم ينفصل عن المحافظين ولم ينتقل إلى الإصلاحيين واختار طريقاً وسطاً بينهما بالتزام الاعتدال والوسطية.
الحسم المؤجل لنتائج الانتخابات إلى المرحلة الثانية، قد يكون مطلباً للنظام الذي يعيش قلقاً من استطلاعات الرأي التي تتحدث عن تراجع نسبة المشاركة، إذ تتيح له جمع النسب المشاركة في كلتا المرحلتين كنتيجة موحدة يمكن تعديلها لتتجاوز الخمسين في المئة، وبالتالي توفر له الهدف الذي يريده كاستفتاء على شرعية النظام الشعبية.
يبقى أن مثلث التنافس بين رئيسي المحافظ وجهانغيري الإصلاحي ولاريجاني المعتدل، يبدو أن الخطاب السياسي للأخير أكثر انسجاماً مع ما يريده النظام في المرحلة المقبلة، وبالمقارنة مع صعوبة المهمة على رئيسي بتبني خطاب سياسي واضح من خارج الخطاب المحافظ وينسجم مع متطلبات وتحديات المرحلة، فإن جهانغيري محكوم بسلبية أدائه وأداء حكومة روحاني السلبي في الموضوع الاقتصادي، في حين أن الإطار العام لرؤية لاريجاني قد تصب في السياق الذي يعمل عليه النظام في المستقبل، والتي تقوم على التعامل الذكي مع الغرب والتعاون البناء مع الشرق والأخوة مع دول المنطقة والتي تعتبر مجتمعة، الشرط الأساس للتقدم الاقتصادي والنمو الاقتصادي والمدخل لحل أزمات إيران الاقتصادية، بخاصة أن مرحلة الشعارات الرنانة والهروب من الإجابات قد انتهت.
فهل سيكون لاريجاني ظاهرة الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ وهل سيلحق الهزيمة بمرشح التيار المحافظ للمرة الثانية، وهذه المرة أمام أحد أبناء النظام المحافظين، ويعمل على وضع إيران في سياق علاقات طبيعية مع العالم؟ أسئلة قد يكون من الصعب الإجابة عليها بخاصة أن المتغيرات ستكون متسارعة في الأيام المقبلة ما قبل يوم الاقتراع.